يتمتع بشهرة واسعة بين أهالى محافظة الأقصر، وتحديدًا منطقة العوامية، حيث ينتظره المصلون فى شهر رمضان من كل عام ليصلوا خلفه صلاة التراويح والتهجد، ويطلقون عليه «بلبل الأقصر»، من فرط عذوبة وحلاوة صوته فى تلاوة القرآن الكريم.
واتسعت شهرته أكثر حينما أصبح حديث الإعلام فى عام 2005، بعد أن تصادف وشهد المسجد العتيق الذى كان يؤدى فيه صلاة التهجد عودة البصر لأحد المصلين المكفوفين، الذى فقد بصره قبل 20 عامًا من ذلك اليوم المشهود.
وكما ذاع صيته فى تلاوة القرآن الكريم والدعاء، اشتهر الشيخ محمد عبدالرسول العوامى أيضًا بالإنشاد والابتهالات الدينية التى يقدمها فى حفلات خاصة وفى المساجد، لذلك التقينا به فى حلقة جديدة من سلسلة «المداحون» وكان هذا الحوار..
بداية حدثنا عن الواقعة التى كانت سببًا فى اتساع شهرتك، وهى عودة البصر لأحد المكفوفين أثناء الصلاة خلفك؟
- كانت هذه الواقعة فى عام 2005، وكان بطلها يدعى «حسانى»، وكان قد فقد بصره منذ ما يقرب من 20 عامًا، وتصادف فى ذلك اليوم أننا كنا نصلى صلاة التهجد فى شهر رمضان، وكنت أتلو من سورة يوسف، وأثناء دعاء القنوت، دعا «حسانى» بإخلاص فاستجاب له الله فرد إليه بصره، ولا تتخيل مدى الفرحة والسعادة التى كان فيها وكل أهالى البلدة، وتحدثت عنه وسائل الإعلام المحلية والعالمية، ومازالت هذه الواقعة منتشرة بين أهالى الأقصر.
كيف ومتى كانت بدايتك فى الابتهالات والإنشاد الدينى؟
- البداية كانت وأنا فى المرحلة الابتدائية، حيث كنت أستمع كثيرًا إلى إذاعة القرآن الكريم، وتأثرت كثيرًا ببعض قراء القرآن الكريم والمبتهلين، مثل الشيخ محمد عمران، والشيخ نصر الدين طوبار، وكنت أحب أن أقلد كبار المشايخ، فكنت أنتظر خروج زملائى من الفصل وأمكث بمفردى أحاول تقليد من سمعته، ولاقيت ترحيبًا من أساتذتى وزملائى وأسرتى، وبدأت أشارك فى الإذاعة والحفلات المدرسية والمدارس المجاورة.
ومتى كانت أول مرة تنشد فيها أمام الجمهور؟
- أول مرة أنشدت فيها كانت على مسرح قصر ثقافة الأقصر فى العيد القومى للمحافظة، وكان ذلك تقريبًا عام 1991، وكان الحفل بحضور وزراء الإعلام والثقافة والسياحة، ورئيس مدينة الأقصر آنذاك، ومحافظ قنا، وكان الحفل مسجلًا إذاعيًا فى برنامج «مسرح المنوعات» الذى كان يقدمه الإذاعى الكبير على فايق زغلول، وحصلت على المركز الأول فى البرنامج، وكنت وقتها فى الصف الأول الإعدادى.
من مثلك الأعلى فى المبتهلين والمنشدين؟
- تعلمت فن الابتهالات والإنشاد من كثرة الاستماع والأداء حتى اكتسبت الخبرة والثقة، ومثلى الأعلى فى القدامى الشيخ محمد عمران رحمه الله، فهو أول من أديت له فى قصيدة «أسلمت وجهى للذى أحيانى»، والشيخ نصر الدين طوبار فى قصيدة «بالله إيمانى وفيه رجائى»، أما الآن فأحب الاستماع إلى الشيخ عبدالتواب البساتينى، والشيخ محمد عبد الرؤوف السوهاجى.
وما اللون الذى تقدمه من الإنشاد؟
- نشأت فى بيئة صعيدية يعشق أهلها مديح رسول الله صلى الله عليه وسلم وآل بيته، ففى الحفلات التى أحييها بالقرآن الكريم أخصص وقتًا للابتهالات والإنشاد الدينى لترويح القلوب، وأختار الكلمات التى تصل للمستمع بسهولة، ومعظمها من التراث.
حدثنا عن موقف لا تنساه من الجمهور؟
- كنت فى إحدى الليالى بقرية بالأقصر، وكانت الحفلة مقامة على شريط السكة الحديد لقطار قصب السكر، وقلت لأصحاب الليلة كيف ذلك، قالوا لا تخف يا مولانا القطار يأتى متأخرًا بعد انتهاء الحفل، وكانت من عادتى أن أغمض عينى حينما أؤدى، فإذا بى أسمع هزًا عنيفًا وصوتًا مخيفًا، فأبصرت فإذا بالقطار يمر من أمامى بينى وبينه ما يقرب من متر، والسادة المستمعون تركونى والقطار، وكاد قلبى ينخلع من شدة الهول، ومن المواقف التى لا أنساها أيضًا، أننى كنت فى حفل وأثناء أدائى فوجئت برجل يقف أمامى يحمل «شومة» وقال لى: «والله لو بطلت هضربك بالشومة»، ولم أُكمل حتى قام الناس بتهدئته وجلس على مقعده.
هل واجهت من يُحرم الإنشاد الدينى والابتهالات.. وكيف ترد عليهم؟
- بالفعل واجهت من هؤلاء الكثير، وفى إحدى المرات قال أحدهم لى إن الرسول، صلى الله عليه وسلم، سيحثو على وجهى التراب، لأنه قال صلى الله عليه وسلم «إذا رأيتم المداحين فاحثوا فى وجوههم التراب»، فتعجبت لأمره وحزنت كثيرًا لأنه لم يفهم معنى ذلك الحديث، وإلا فما الذى كان يدفع سيدنا حسان بن ثابت، وكعب بن زهير لمدح رسول الله سوى محبته صلى الله عليه وسلم، وهو ما يدفعنا أيضًا لمدحه.
وهل ترى أن للإنشاد الدينى دورًا فى محاربة التشدد والتطرف؟
- نعم للابتهالات دور كبير فى محاربة التشدد والتطرف، ويكون ذلك باختيار الكلمات المناسبة، واختيار النص المناسب الذى من خلاله يبين وسطية وسماحة وعظمة الإسلام ورسول الإسلام، فلا تفريط ولا إفراط.
لماذا لم تتقدم للالتحاق بإذاعة القرآن الكريم؟
- تقدمت منذ 15 عامًا ومنحتنى لجنة الاختبارات مهلة 6 أشهر، ثم مهلة 3 أشهر، ثم حالت ظروف بينى وبين الذهاب إلى القاهرة للاختبار، وأنا الآن أسعى للالتحاق بالإذاعة مرة أخرى، كما أننى أصقلت موهبتى، حيث التحقت بمعهد القراءات، ثم كلية القرآن الكريم بطنطا، وحصلت على ليسانس القراءات وعلوم القرآن عام 2005.
ما رسالتك لشباب المنشدين؟
- أقول لهم إن فن الابتهال والإنشاد الدينى رسالة سامية، من خلالها يمكن للمؤدى أن يغير سلوك الفرد والمجتمع، ويبين سماحة وعظمة هذا الدين، باختيار النص المناسب الذى يؤديه بأسلوبه وأدائه، فلا بد من احترام هذا الفن، وأن يتقى المنشد الله فيما يقول، وأن يكون قدوة حسنة لغيره، ويتخلق بأخلاق القرآن، إضافة إلى الاهتمام بتعلم المقامات الصوتية، ومحاولة الابتعاد عن التقليد الأعمى، وأن يطور نفسه لتكون له بصمته الخاصة التى يعرف بها، والتفرقة بين الإنشاد والغناء، فما نشاهده هذه الأيام على الشاشات غناء مُقّنع، لا يصلح أن يكون إنشادًا، فالإنشاد له طابعه ولونه الخاص به، والغناء لون آخر فعلى المنشد مراعاة ذلك وعدم الخلط بينهما.
وما طموح الشيخ محمد عبدالرسول مستقبلًا؟
- أتمنى على المستوى العام تفعيل دور الإعلام المصرى فى اكتشاف المواهب الجميلة، والاهتمام بها ورعايتها، كما الاهتمام بالفنون الأخرى، فمصر ولادة ولها مستقبل مشرق ومشرف، ويكون ذلك بالبحث والتنقيب عن الأصوات الجميلة أينما وجدت، كى نحافظ على هذا التراث الجميل، وتكون لمصر الريادة كما فى السابق.