فقر أسرته جعله يتلقى العلم عند الكبر، لكنه على الرغم من ذلك بلغ نبوغه وعلمه عنان السماء، فصار قاضيا عادلا، وخطيبا ينطق لسانه بالحق دائما، إنه الشيخ عز الدين بن عبد السلام، قاض قضاة مصر.
"بن عبد السلام" خرج من دمشق إلى مصر بعد واقعة شهيرة تدل على أنه كان حقا عدو السلاطين الظلمة لتطبيقه العدل، وقول الحق دائما، حيث أنه امتنع عن الدعاء لسلطان دمشق فى الخطبة، لاستعانته بالصليبيين فى الحكم، وحينما أرسل له السلطان رسولا ليقنعه بالعودة إلى دمشق وأنا يقبل يد السلطان أيضا، فرفض قائلا: يا مسكين، أنا ما أرضاه يقبل يدى فضلا عن أن أقبل يده، الحمد لله الذى عافانا مما ابتلاكم، ورفض العودة معه.
حينما تولى "بن عبد السلام" قضاء مصر تصدى لعدم بيع أمراء الدولة من الأتراك، حيث أنه اكتشف أن أغلب الأمراء لم يتحرروا بعد ولا زالوا رقيقا ، وذكر أنه لم يثبت عنده أنهم أحرار وأن حكم الرق مستصحب عليهم لبيت مال المسلمين، فبلغهم ذلك ، وصمم "بن عبد السلام " ألا يصحح لهم نكاحا ولا بيعا ولا شراء وتوقفت على إثر ذلك كل مصالحهم.
ما قضى به " ابن عبدالسلام" جعل الأمراء يغضبون وخاصة نائب السلطنة، لأنه لم يحرا أيضا، فاجتمعوا وأرسلوا إليه فقال: نعقد لكم مجلسا لبيعكم، وننادي عليكم لبيت مال المسلمين، فرفعوا الأمر إلى السلطان، فبعث إليه أكثر من مرة فلم يرجع عن أمره، فذهبي إليه النائب كى يقتله قائلا: كيف ينادي علينا ويبيعنا ونحن ملوك الأرض والله لأضربنه بسيف، وحينما وصل إلى بيت القاضى فخرج نجل الشيخ فأبلغ والده بان النائب بالخارج شاهرا سيفه، فقال له الشيخ القاضى: يا ولدي أبوك أقل من أن يقتل في سبيل الله، وخرج إليهم وحينما رأه النائب سقط سيفه وبكى طالبا الشيخ أن يدعو له، ونادى القاضى على بيع الأمراء، ليحقق بيع أمراء الدولة من الأتراك، وبالفعل بيعوا بالثمن المناسب ووضع فى بيت مال المسلمين.
الدكتور رفعت السيد الخبير القانونى والدستورى، فند الطريقة التى كان يتعامل بها القاضى "ابن عبدالسلام"، وتعامله مع أمراء الدولة من الأتراك يرجع لراحته حيث أنه كان من الممكن أن يأخذ بشهادتهم فيما بعد، ولكن قلبه لن يستريح لأنهم لن يكونوا قد تحرروا بعد.
وأضاف الخبير الدستورى، أنه لا يحق للحاكم أن يأمر القاضى بتقبيل يده لأن القضاء له مقامه رفيع ولا يجب أن يخضع للسلطان كى يكون مستقلا.