«خدونى رضيع اللبن.. متفوتنيش يا أمى.. سيدى الرفاعى بالأنوار ملازمى.. إن مالت العين منى لأخلع الننى».. بهذه الكلمات كان يشدو الطفل الصغير فى جلسات استراحة والده، أحد أشهر منشدى محافظة أسيوط، حتى أحب صوته الأهالى، وأحبوا سماع هذه الكلمات تحديدًا من ذلك الفتى، الذى نشأ فى أسرة كلها تعيش المديح وذكر رسول الله، وتنتمى لإحدى أكبر الطرق الصوفية فى مصر، وهى الطريقة الرفاعية. فى حلقة جديدة من سلسلة «المداحون» التقينا الشيخ عيون أبوعامر، أحد أشهر المداحين فى صعيد مصر، خاصة فى بلدته بمحافظة أسيوط، وكان هذا الحوار..
فى البداية حدثنا عن تعلقك بفن المديح؟
- والدى الشيخ محمد أبوعامر، كان أحد كبار المنشدين فى محافظة أسيوط، وكان من أهل التصوف، وكان قد أخذ العهد من الشيخ راشد، شيخ الطريقة الرفاعية عن الشيخ أحمد بركات، وأخذته أنا منهما بعد ذلك، فأنا منذ صغرى ابن مدد، أعشق وأعيش ليل نهار فى ذكر الله ورسوله، وتربيت فى الحضرات الصوفية التى كان يقيمها والدى بدون موسيقى على عكس ما يحدث الآن، وكنت أنا فى عمر 12 عامًا، كنت أذهب مع والدى للحفلات وأحببت الإنشاد، وبعدما كبرت قليلًا أصبح يقدمنى للإنشاد إلى جواره، وكانت أول مرة يقدمنى فيها فى حفل بمركز القوصية فى أسيوط، وأنشدت وقتها قصيدة كانت كلماتها «خدونى رضيع اللبن، متفوتنيش يا أمى، سيدى الرفاعى بالأنوار ملازمى.. إن مالت العين منى لأخلع الننى»، ومن بعدها الجمهور يطلبون من والدى أن يسمح لى بإنشادها.
ومتى كانت أول مرة أنشدت فيها بمفردك؟
- أول مرة أُنشد فيها بمفردى كانت بمحض الصدفة، حيث كان والدى قد اتفق على إحياء عدة حفلات فى بلاد مجاورة، وكان قد مرض وأجرى عملية جراحية، فقررت أن أذهب بمفردى الحفلات، وكان عمرى وقتها يقارب الـ 18 عامًا، ومن بعدها تركنى والدى أحيى الحفلات بمفردى، خاصة مع كبر سنه، وكان أحيانًا يذهب معى كمحب، وكان دائمًا ما ينصحنى بألا أخلف موعد حفل، وألا أُحرم أى شخص مهما كان من إحياء ليلة، حتى ولو لم يعطنى مقابلًا ماديًا.
قلت إنك ابن مدد.. ماذا تعنى بهذه الكلمة، وهل يجب أن يكون المداح صوفيًا؟
- أنا ابن مدد لأننى تربيت منذ صغرى على حب آل البيت والصوفية، وولدت ووجدت نفسى منتميًا للطريقة الرفاعية مثل والدى، وأنا أرى أنه يجب أن يكون المداح صوفيًا كى يستطيع أن يؤدى بحب، لأن الإنشاد حب، وكلماته لن تخرج بصدق وإخلاص إلا من متصوف، لكن للأسف فى هذه الأيام نرى كثيرًا ممن يدّعون التصوف وهم ليسوا بأهله، ويحق فيهم قول الشاعر الصوفى: «ويهتز عند الاستماع تظاهرا، كأنه من أهل الهوى فى التمايل لسانه يقول الله، والقلب غافل يقول فلان وهو فيه مسعور».
لكن البعض يحرّم قصائد التصوف.. كيف ترد عليهم؟
- لا أرد على هؤلاء لأنهم لم يجربوا التصوف، فلذلك لن يعرفوا معناه، كما قال الشاعر: «من ذاق طعم شراب القوم يدريه.. ولم يروق رحيقًا غير صافيه.. يغمى عليه فيدرى غب غيبته.. ومن دراه غدا بالروح يشريه»، إذًا من ليس فى الطريقة وخط المدد سيلوم على أهله.
قلت إنك منتمٍ للطريقة الرفاعية.. فهل تقتصر حفلاتك على أهل الطريقة فقط؟
- أنا منتمً للطريقة الرفاعية، ولكن المداح ينشد للرفاعى والأحمدى والبيومى وكل الطرق، فنحن محبون لكل الطرق.
ولماذا يقتصر مجال المديح على الرجل أكثر من المرأة؟
- لدينا فى الصعيد لنا ظروف خاصة وعادات وتقاليد يصعب معها وجود «مادحة»، لكن ربما نجد «مداحات» فى الوجه البحرى، وليس أيضًا بالشكل والطريقة التى نقدمها نحن، ولكنهن يعتمدن أكثر على القصص الدينى.
استخدام ألحان الأغانى الشهيرة فى الإنشاد الدينى.. مع أم ضد؟
- لا أجد مانعًا من استخدامها مادام أنها ستجذب المستمع للإنشاد الدينى.
هل لديك شعراء يكتبون لك قصائدك؟
- لا أستعين بالشعراء الجدد، فقط أنشد من كلمات أعلام الصوفية، أمثال عمر بن الفارض، محمود أبوالعزائم، أحمد الرفاعى، إبراهيم الدسوقى، السيد البدوى، وغيرهم.
وهل تقدم القصص الدينى؟
- أنا أبدأ دائمًا بالذكر والمديح وبعد الاستراحة، أحيانًا يطلب منى المستمعون قصصًا مثل قصة سيدنا أبوبكر حينما كان فى الغار مع الرسول صلى الله عليه وسلم، وقصة الغزالة، وغيرها من القصص، وأكثر ما يطلبه منى الجمهور قصة «التمساح»، وهى كرامة عن سيدى إبراهيم الدسوقى.
هل تتذكر أول شريط كاسيت لك؟
- أول شريط كان فى التسعينيات، وكان بعنوان «حفلة المنصورة»، وآخر بعنوان «لست أنسى الأحباب»، ولكن الآن طبعًا كل شىء أصبح على الإنترنت، فلكل منشد الآن قناته الخاصة على موقع اليوتيوب، وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعى.
حدثنا عن موقف لا تنساه أبدًا من الجمهور؟
- لن أنسى يوم وفاة والدى، وكان ذلك فى عام 1999، حيث كنت وقتها أحيى ذكرى مولد الشيخ مهران بقرية البرشا فى أسيوط، وكان والدى فى هذه الأثناء مريضًا، وبعد انتهاء الحفل سألنى أحد الحضور عن والدى فقلت «الله يرحمه»، وتداركت الموقف وقلت «الحمد لله بخير والرحمة جائزة على الأحياء والأموات»، ولكننى شعرت وقتها بحزن فى قلبى لا أعرف من أين أتى، وأثناء العودة للمنزل طلبت من شقيقى الذهاب لوالدنا وبالفعل ذهبنا إلى هناك وفوجئنا بوفاته، وأقمنا له ضريحًا ونحيى ذكراه سنويًا حتى الآن.
لاحظت خلال الحوار أنك ترد دائمًا بأبيات من الشعر الصوفى.. كم قصيدة حفظت؟
- عمرى الآن قارب على الستين، وأنا منذ صغرى فى الطريقة وفى الإنشاد الدينى، لذلك حفظت الكثير من الأشعار الصوفية لا أتذكر عددها، لكننى أحب الإنشاد، لذلك كلما وجدت قصيدة صوفية أحفظها فورًا، كما أننى درست فى الأزهر الشريف، لكننى لم أكمل تعليمى حيث خرجت من الصف الثانى الثانوى لأتفرغ للإنشاد، لكن مدة دراستى البسيطة فى الأزهر أفادتنى كثيرًا.
هل تلقيت دعوات لإحياء حفلات خارج مصر؟
- سافرت مرة واحدة وكانت إلى دولة تونس عام 2012، عن طريق وزارة الثقافة، وتلقيت دعوة من دولة المغرب ولكن والدى رفض سفرى، غير أننى جبت محافظات مصر.
ما طموح الشيخ عيون أبوعامر مستقبلًا؟
- طموحى قديمًا وحاليًا ومستقبلًا هو أن أكون دائمًا عند حسن ظن الله، ثم الجمهور.