كان الزعيم الهندى «نهرو» فى طريقه إلى لندن لحضور مؤتمر «الكومنولث» فمر بالقاهرة، وأراد مقابلة مصطفى النحاس باشا، حسب تأكيد صلاح الشاهد فى مذكراته «ذكرياتى فى عهدين» عن «الهيئة المصرية العامة للكتاب- القاهرة»، مضيفا، أن نهرو أصر على هذه المقابلة إصرارا عجيبا، ووفقا لتعبيره: «لم تملك إزاءه حكومة الثورة إلا الإذعان»، وتمت المقابلة بناء على طلب سفير الهند فى القاهرة «بانيكار» فى يوم 18 يونيو «مثل هذا اليوم» عام 1953.
كان «النحاس» وقتئذ يعيش مرحلة غروبه السياسى بعد قيام ثورة 23 يوليو 1952، وبالرغم من ذلك فإن «نهرو» لم ينس العلاقة التاريخية التى جمعتهما، ويشير إليها الدكتور مرسى سعدالدين فى مقاله «غاندى ونهرو والوفد- الأهرام 26 أغسطس 2003»، قائلا، إنه فى يونيو عام 1938 توقفت فى السويس السفينة التى كانت تحمل نهرو متجهة إلى أوروبا، وهناك تلقى دعوة من النحاس باشا لزيارته فى الإسكندرية، حيث كان يقيم فى فندق سان استفانو، واستقبل النحاس باشا نهرو بترحاب شديد، وتناقشا فى نضالهما المشترك من أجل الحرية والاستقلال، وفى 2 أغسطس 1938 أرسل النحاس باشا رسالة إلى نهرو جاء فيها: كانت فرصة عظيمة أن التقينا معا وتبادلنا وجهات النظر بخصوص قضايانا المقدسة التى ندافع عنها فى كل من بلدينا، ولاشك فى أن ذلك الاجتماع سيؤدى إلى تعاون وتقارب فى المستقبل، وإنى أنتهز هذه الفرصة لأوجه إليكم الدعوة لشخصكم ولوفد من حزب الكونجرس لزيارة مصر أثناء أحد مؤتمرات حزب الوفد، وقد اتخذ حزبنا قرارا بأن يأخذ المؤتمر المقبل طابعا شرقيا بالإضافة إلى الطابع المحلى، وذلك بدعوة وفد من حزب الكونجرس، ومن بعض شعوب منطقة الشرق الأدنى مثل فلسطين وبعض الشعوب العربية الأخرى التى تناضل ضد الاستعمار. وإنه ليسعدنى أن أوجه لكم بالنيابة عن زملائى وبالأصالة عن نفسى الدعوة لحضور المؤتمر، وأود أن أضيف أنه ليسعدنا أن نرسل وفدا من حزبنا إلى الهند بناء على دعوتكم الكريمة، ولاشك أنه سيكون من حسن حظى أن نلتقى مرة أخرى لنستمر فى محادثاتنا المثمرة التى بدأناها فى سان استفانو».
هكذا كانت العلاقة التاريخية بين الزعيمين، ويتذكر «الشاهد»، أنه فى لقائهما يوم 18 يونيو 1953 فى منزل «النحاس باشا»، قام إبراهيم فرج المحامى بالترجمة بينهما، وقال زعيم الهند: «إنه مسرور بمقابلة مصطفى النحاس، خليفة سعد العظيم، ومعلم جيلين من أجيال الهند، لقد كان غاندى العظيم يقتفى خطى زعيم مصر الراحل فى توحيد طائفتى الأمة»، ورد النحاس بأنه كان صديقا لوالد الزعيم نهرو، إذ كانت تربط بينهما صداقة وثيقة أيام لقائهما بباريس سنة 1920، فرد نهرو: «بل أنت والد الجميع»، يضيف «الشاهد»: «تطرق الحديث إلى الأحوال فى مصر، وكان النحاس باشا زعيم الليبرالية المصرية منطلقا إلى أبعد الحدود، وقال، إنه مغتبط بأن يرى الجمهورية، وأن تزول الملكية فى حياته بعد أن اتهم من الملك فؤاد والملك فاروق بأنه يسعى لإقامة الحكم الجمهورى فى البلاد، وتحمل من أجل ذلك الضربات تلو الضربات، ولكنه اشترط أن تكون الجمهورية برلمانية تعبر عن حكم الشعب حقيقة، «أما حكم الفرد فتشقى البلاد به، إذ ينتهى الأمر إلى حكم ضار وهدام للبلاد».
يؤكد «الشاهد»، أن النحاس قص على نهرو واقعة خطيرة مؤداها أنه التقى مع القائد محمد على جناح بالقاهرة سنة 1946، وكان يقوم برحلة فى البلاد العربية والإسلامية لشرح وجهة النظر لإقامة دولة الباكستان، وتقسيم الهند إلى دولتين إحداهما دولة للمسلمين، وذكر أن «جناح» خاطبه بوصفه زعيما للمسلمين، ولكن النحاس باشا اعترض على هذا الوصف وقال له: لست زعيما للمسلمين.. بل أنا زعيم للمصريين.. ولست مؤمنا بالطوائف بين الشعب الواحد، ثم فند النحاس حجج تقسيم شبه القارة الهندية إلى دولتين، وأوضح بجلاء بأنه يجب تسوية الخلافات الطائفية»، يؤكد الشاهد: «كان نهرو مؤيدا لرأى الزعيم المصرى»، وأن الزعيم الهندى قال: «النحاس باشا دائما صادق مع نفسه، وصادق مع الآخرين، لقد سمعت عن النحاس باشا، ولكن لم أكن أعتقد أنه على هذا القدر من الذكاء والحجية والألمعية»، واللافت أن «الشاهد» يذكر رأى نهرو فى النحاس باشا بتأثير هذا اللقاء، فيبدو منه كما لو كان الأول بينهما، بالرغم من أنهما التقيا قبل ذلك عام 1938 وفقا لتأكيد مرسى سعدالدين.
يؤكد «الشاهد»، أن النحاس باشا لم يكتف بما قاله لنهرو عن لقائه بمحمد على جناح، بل إنه قدم مذكرة تتضمن النقاط التى ناقشها معه فى لقائهما عام 1946، ويضيف: «رد النحاس باشا الزيارة حيث قابل الزعيم نهرو فى السفارة الهندية واستمر اللقاء ساعة».