تحولت مناطق عديدة بجنوب محافظة الجيزة إلى بؤر إجرامية لتجارة المخدرات والأسلحة النارية، حيث استغل أفراد التشكيلات العصابية البيئة الصحراوية التى تحيط بتك المناطق، فى تحويلها إلى بؤر إجرامية لهم، وأوكار يلجئون إليها هربا من قبضة وزارة الداخلية، وبالرغم من الحملات التى تشنها ويشارك بها ضباط من العمليات الخاصة والأمن المركزى فى محاولة لتطهير تلك البؤر من العصابات المسلحة، إلا أن تلك العصابات ما زالت تجد ملاذها فى جنوب المحافظة.
ومن المناطق التى تحتوى على بؤر إجرامية لتجارة المخدرات والأسلحة النارية بالجيزة، مراكز الصف وأطفيح والعياط والبدرشين وأبو النمرس والحوامدية، حيث تربط تلك المراكز بين محافظتى القاهرة والجيزة من ناحية الجنوب، بالإضافة إلى أنها تطل على صحراء البحر الأحمر، حيث أدت الطبيعة الصحراوية لها، إلى تحولها لساحة تنتشر بها تجارة المخدرات والأسلحة، خاصة على يد العديد من بدو الصحراء، الذين يتخذون الدروب الصحراوية طريقا لهم لنقل بضاعتهم بين المحافظات بعيدا عن الأكمنة الأمنية المنتشرة على الطرق السريعة.
وبالرغم من المحاولات المتكررة للتشكيلات العصابية لتهريب المخدرات عبر الدروب الصحراوية، إلا أن وزارة الداخلية نجحت فى تسديد العديد من الضربات الأمنية لأفراد تلك العصابات، حيث تمكنت إدارة مكافحة المخدرات فى القبض على تشكيل عصابى مكون من 3 عاطلين بحوزتهم 1054 طربة لمخدر الحشيش، وزنت 105 كيلو جرامات، وطبنجة عيار 9مم، و48 طلقة نارية، و6 هواتف محمولة، بالإضافة إلى سيارة يستخدمها المتهمين فى نقل المضبوطات، حيث تبين أنهم يهربون المخدرات عبر الصحراء، لترويجها على نطاق واسع بأنحاء محافظة الجيزة.
مسيرة بعنوان لا للمخدرات بقرية فى الصف
وفى سبيل مواجهة انتشار المواد المخدرة بقرى مركز الصف، نظم أهالى قرية الشوبك الشرقى مسيرة بعنوان لا للمخدرات، رافعين لافتات للمطالبة بالتصدى لتجار المخدرات، فى محاولة للإعلان عن خطورة انتشار تجارة المواد المخدرة وتعاطيها، ثم تلا المسيرة اجتماعا لكبار العائلات بالقرية، للاتفاق على كيفية القضاء على بؤر المخدرات، وتوفير وسائل العلاج للمتعاطين، بالإضافة إلى توفير فرص عمل للعاطلين، حتى لا يتحولوا إلى تجار مخدرات.
ومن جانبه قال أحد مؤسسى مبادرة لا للمخدرات بقرية الشوبك الشرقى بالصف، لــ"انفراد"، إن تجارة المخدرات التى انتشرت بالقرية، وخاصة بعدما أصبحت تتم علانية بالشوارع، دفعت كبار العائلات وشباب القرية للتكاتف من أجل مواجهة تلك الظاهرة والقضاء عليها.
وأضاف أن تجارة المخدرات وتعاطيها تسببت فى جرائم قتل بالقرية، مما زاد من خطورتها، حيث تم التوصل إلى ضرورة توحيد الجهود للتصدى لتلك الظاهرة، بالتنسيق مع مركز شرطة الصف، حيث استجاب رجال المباحث للمبادرة، وتم شن عدة حملات أمنية استهدفت عدة بور إجرامية وتم تطهيرها من تجار المخدرات.
عربان الصحراء وانتشار المخدرات بالصف
وأكد أحد مؤسسى مبادرةلا للمخدرات، على أن مدينة الصف تعانى من انتشار المخدرات، وخاصة من جانب ما يسمون بــ" العربان" المنتشرين بالظهير الصحراوى، حيث يكونون بؤرا لتجارة المخدرات، ويتردد عليهم عملائهم من مدينة الصف وخارجها، وبالرغم من ممارستهم نشاطهم بالمناطق الصحراوية، إلا أن إدارة مكافحة المخدرات تستهدفهم بشن حملات أمنية وألقت القبض على عدد كبير منهم.
وفى ذات السياق قال محمد فريد أحد أبناء البدرشين، إن مدينة البدرشين تعانى أيضا من انتشار المواد المخدرة، خاصة مخدر الاستروكس الذى انتشر بين الشباب وصغار السن، حيث أصبحت تجارة المخدرات تتم علانية، حيث يتوقف المتورطين بالاتجار بها على نواصى الشوارع للقاء عملائهم، وبيع المواد المخدرة لهم نهارا، وعلى مرأى ومسمع من الجميع.
وأضاف فريد، أن هناك عدة بؤر إجرامية مشهورة بتجارة المخدرات، مثل مناطق كوبرى أبو ربع، وعزبة النخل ومساكن الترب، حيث يتردد عليها العاطلين لشراء المواد المخدرة من التجار المنتشرين بها، مؤكدًا على أن حيازة الأسلحة النارية غير المرخصة منتشرة أيضا بالبدرشين، خاصة الأسلحة الخرطوش المصنعة محليا، مطالبا بتكيف الحملات الأمنية لضبط حائزيها.
جزيرة المخدرات بالعياط
كما قال "أشرف.أ" من أهالى العياط، إن تلك المنطقة تحتوى على بؤرة إجرامية كبيرة يأوى لها العديد من المسجلين خطر، وتجار الأسلحة والمواد المخدرة، ويطلق عليها "الجزيرة"، حيث يستغل الخارجين عن القانون المجرى المائى فى ترويج بضاعتهم، والابتعاد عن قبضة الأجهزة الأمنية.
وأضاف أن تلك الجزيرة شهدت عام 2013 معركة شرسة بين البلطجية والأهالى، وتدخلت قوات الأمن حينها وسيطرت على الأحداث، التى أسفرت عن سقوط عدد من القتلى، مؤكدا أن تلك الجزيرة ما زالت مأوى للعناصر الإجرامية، وتحتاج إلى شن حملات مكثفة لتطهيرها من الخارجين عن القانون.
وقال إن قرية "طهما" بالعياط تعد مخزنا للسيارات والدراجات البخراية ومركبات التوك توك المسروقة، حيث يشتهر بمساومة اللصوص لأصحاب السيارات على مبالغ مالية لإعادتها، كما يعج جبل قرية طهما بالأسلحة النارية، حيث يتم عقد معظم صفقات الأسلحة مع الخارجين عن القانون، لاستخدامه فى ارتكاب جرائم السطو المسلح، أو تجارة المخدرات.
وأكد على أن منطقة الجزيرة بالعياط تقع بين مركز العياط ومركز الصف، شهدت مداهمات أمنية عديدة سابقا، إلا أنه نظرا لصعوبة اقتحامها لكونها محاطة بالمياه من جميع الجهات لا تؤتى الحملات الأمنية ثمارها بشكل كبير، حيث يتمكن تجار المخدرات من الهرب، ثم العودة مرة أخرى عقب انصراف رجال المباحث.
وقال إن إحدى القرى القريبة من الجزيرة مشهورة بتردد مدمنى المخدرات عليها لشراء الحشيش والهيروين من تجار الكيف، حيث لا يجرأ أحد من الغرباء الوصول لتلك المنطقة إلا من خلال دليل أو اتفاق مسبق مع تاجر المواد المخدرة، حيث ينتشر ما يسمى بـ" الناضورجية" على حدود تلك القرية لإبلاغ التجار حال تعرض القرية لمداهمة منا جنب قوات الأمن.
سرقة السيارات
وتعد صحراء محافظة الجيزة مأوى للعديد من لصوص السيارات، الذى يستغلون المنطقة الجبلية فى تخزين السيارات، فإذا ما تعرضت سيارتك للسرقة، فأول قبلة تتجها إليها للبحث عنها، ستكون الصف وأطفيح، حيث تنتشر مخازن السيارات والدراجات البخارية المسروقة، حيث يستغل أفراد التشكيلات العصابية الطبيعة الجبلية فى إخفاء السيارات، وصعوبة اقتحام قوات الأمن لتلك البؤر، لكون معظم القرى بالصف وأطفيح تطل على الطريق الصحراوى الرابط بين الصعيد والقاهرة وحلوان وهو ما يساعد لصوص السيارات على تنفيذ جرائمهم والعودة إلى ملجأهم مرة أخرى، ومن أشهر تلك المناطق عرب الحصار وعرب الشرفاء والشوبك الشرقى.
وتتنوع الدوافع وراء سرقة السيارات والدراجات البخارية حيث يتفاوض اللصوص مع أصحاب السيارات لإعادتها مقابل الحصول على فدية، أو يتم تقطيع السيارات وبيعها لتجار الخردة، وأصحاب محلات قطع غيار السيارات المستعملة، أو تزوير مستندات ملكيتها وبيعها ببيانات مزورة، حيث يصعب اكتشاف المشترين التزوير إلا أثناء إجراء فحوصات خلال الترخيص بإدارات المرور.
"نصر.س" شاب من أبناء محافظة الجيزة يروى عن تعرضه لتجربة سرقة دراجته النارية، فيقول إن مخازن السيارات والدراجات البخارية المسروقة موجودة بالمناطق الصحراوية، حيث يتخذ أصحابها بناية وسط الصحراء،أو بمنطقة جبلية، ويتم تخزين المسروقات بها.
وأضاف نصر. س، أنه تعرض لسرقة دراجته البخارية، وتمكن بمساعدة أحد الأشخاص من الوصول لأحد القائمين على تلك المخازن، شهرته "عصام الحرامى"، حيث يحصل هذا الشخص على 500 جنيه، مقابل السماح لصاحب السيارة، أو الدراجة البخارية المسروقة من البحث عنها داخل المخزن، وإذا عثر عليها فيدفع مبلغ 2000 جنيه مقابل الحصول على الدراجة الخاصة به، ويختلف المقابل المادى للاستعادة السيارة حسب قيمتها.
ونجحت وزارة الداخلية ومديرية أمن الجيزة، فى ضبط العديد من التشكيلات العصابية، من خلال شن حملات مكثفة على تلك البؤر، كما تم القبض على عدد من عملائهم، حيث تم إعادة عشرات السيارات إلى مالكيها بعد تعرضها للسرقة.
مدير أمن الجيزة الأسبق: البطالة وراء انتشار المخدرات والإعدام هو الحل
من جانبه، قال اللواء محسن حفظى، مساعد وزير الداخلية الأسبق لقطاع للأمن، والذى كان يتولى منصب مدير أمن الجيزة، أن قطاع الجنوب بمحافظة الجيزة يجمع بين المدن والقرى، بالإضافة إلى المناطق الصحراوية والجبلية، وهى أماكن ممهدة لانتشار المخدرات، بسبب تفشى البطالة بين الشباب، حيث يلجأ العاطلين إلى تجارة المخدرات طمعا فى تكوين ثروات والحصول على مبالغ مالية كبيرة، دون النظر إلى خطورتها.
وأضاف "حفظى"، أن وزارة الداخلية حققت خلال الآونة الأخيرة العديد من الضربات الأمنية لتجار المخدرات بقطاع جنوب الجيزة، حيث داهمت البؤر الإجرامية المعروفة بتجارة المخدرات والأسلحة، ونجحت فى القضاء على العديد منها، وتواصل جهودها لتطهيرها بالكامل.
ولفت مساعد وزير الداخلية الأسبق لقطاع للأمن، إلى أن الظهير الصحراوى لقطاع الجنوب ساعد تجار المخدرات فى تهريب المخدرات والأسلحة، خاصة القادمة من سيناء، حيث يلجأ أفراد التشكيلات العصابية إلى الدروب الصحراوية البعيدة عن العمران، وعن الأكمنة الأمنية المنتشرة بالطرق لتوصيل بضاعتهم، مضيفا أن تكثيف الحملات الأمنية على الظهير الصحراوى، بالتنسيق بين مديرية أمن الجيزة والقاهرة، بالإضافة إلى باقى المحافظات الحدودية سيؤدى إلى منع كل وسائل التهريب والقضاء على تلك البؤر الإجرامية.
وطالب "حفظى" بتغليظ عقوبة الاتجار بالمواد المخدرة، والوصول بها إلى الإعدام وتفعيلها فى الأحكام القضائية، لمحاربة انتشار المواد المخدرة التى تستهدف الشباب، بالإضافة إلى توفير وسائل علاجية للمتعاطين، حيث أن تشديد الأحكام القضائية من شأنها القضاء على تلك الجرائم والحد منها.
مساعد وزير الداخلية الأسبق يوضح أسباب انتشار الجريمة بجنوب الجيزة
وفى سياق متصل، قال اللواء رشيد بركة، مساعد وزير الداخلية الأسبق، والذى كان يتولى منصب مدير إدارة العمليات الخاصة بوزارة الداخلية، وأشرف خلال عمله على عمليات تطهير بؤر إجرامية بصحراء الصف، إن منطقة الصف يتخذها الخارجين عن القانون مأوى لهم، نتيجة لكونها ترتبط حدوديا بمحافظة القاهرة، ويسهل الاختباء بها خاصة بالمزارع الصحراوية، بالإضافة إلى صعوبة اقتحام قوات الأمن لها.
وأشار بركة، إلى أن منطقة الصف تحديدا تنتشر بها تجارة المخدرات والأسلحة النارية، بالإضافة إلى السيارات المسروقة، لكون العديد من القرى بها تطل على الطريق الصحراوى الذى يربط بين الصعيد والقاهرة وحلوان، حيث يسهل الأمر على أفراد التشكيلات العصابية لممارسة نشاطهم، والعودة مرة أخرى إلى البؤر الخاصة بهم.
وأضاف مساعد وزير الداخلية الأسبق، أن تلك البؤر الإجرامية بقطاع جنوب الجيزة نالت شهرتها عقب ثورة يناير، حيث لجأ إليها الهاربون من السجون خلال فترة الانفلات الأمنى، وشهدت تجارة المخدرات والأسلحة النارية رواجا بين العاطلين، حيث أستخدم أفراد التشكيلات العصابية الأسلحة فى تنفيذ عمليات سطو مسلح على قائدى السيارات، والاستيلاء عليها، وتخزينها بالصحراء، لبيعها لتجار الخردة، أو إعادتها لأصحابها مقابل الحصول على مبالغ مالية.
وقال "بركة"، إنه أثناء توليه منصب مدير العمليات الخاصة بوزارة الداخلية عام 2003، أشرف على تطهير بؤرة إجرامية يسيطر عليها عدد من البدو بمنطقة الصف، حيث تم حينها التنسيق مع مديرية أمن القاهرة، وتنفيذ عملية الاقتحام بعد التخلى عن مدرعات الشرطة، واستخدام سيارات نصف نقل لإخفاء معالم القوة الأمنية، وتم القبض على عدد من المتهمين، والعثور على كمية كبيرة المواد المخدرة مدفونة بالصحراء، حيث كشفت عنها الكلاب البوليسية المدربة، كما تم ضبط أسلحة نارية وذخيرة مدفونة بالصحراء.