نقلا عن اليومى..
تاريخ الصراع العربى الإسرائيلى يمتد لعقودٍ عدةٍ، وتعددت أشكاله وصوره فلا تزال دولة إسرائيل العدو الأول للطفل العربى منذ صغره والحديث عن السلام مجرد أوهام، لا تؤمن بها الشعوب بعيدا عن دبلوماسية السلطات الحاكمة التى لا يفهمها بسطاء الشارع العربى الذين يعتبر معظمهم أن أى لقاء مع الجانب الإسرائيلى يُعتبر تطبيعا، حتى لو كان رياضيا.. رغم أن أسمى مبادئ الرياضة فى العالم أجمع، عدم إقحام خلافات فى السياسة أو الدين أو العرق فى عالمها مطلقًا، مما يخلق حالة من الحيرة ما بين المواجهة أو الانسحاب.
فى الأيام الأخيرة تم فتح الملف الشائك نظرًا لتعدد الوقائع بدءًا من المنافسة بين اتحاد السلة المصرى والإسرائيلى على استضافة بطولة العالم 2017، مرورًا باتهام إدارة الزمالك بالتعامل مع وكيل أعمال إسرائيلى فى صفقة انتقال المهاجم الزامبى مايوكا إلى القلعة البيضاء فى الانتقالات الشتوية الماضية، وصولا إلى باقتراح الجانب الإسرائيلى إقامة مباراة بين منتخبى إسرائيل ومصر لكرة القدم كمبادرة لإحلال السلام بين البلدين!.. وبناءً عليه فتحت «انفراد» ملف التطبيع الرياضى.
التطبيع الاختيارى
يتعللّ كل المتعاملين مع إسرائيل فى أى مجال بـ«الواقع المرير» الذى يدفعهم للاقتراب من معسكر الاعداء إلا أنه فى حالة الذهاب إليهم بناءً على الاختيار المطلق تقع الأزمة الكبرى.. ولعل الحديث عن تعامل الزمالك مع وكيل إسرائيل يُدعى «نير كارين» فى صفقة انتقال المهاجم الزمبى «إيمانويل مايوكا» إلى قلعة البيضاء خلال فترة الانتقالات الشتوية كان بمثابة الصدمة لجماهير الكرة المصرية.
تقارير صحفية اتهمت إدارة الأبيض بمنح وكيل الأعمال الإسرائيلى 300 ألف جنيه كعمولة فى صفقة انتقال «مايوكا» الذى سبق له الاحتراف فى فريق مكابى تل أبيب الإسرائيلى فى الفترة من 2008 إلى عام 2010.. وازداد الوضع سوءا بعدما اُتهمت إدارة الزمالك بإخفاء العقد النسخة الإنجليزية المدون به تفاصيل الصفقة، مع إضافة المبلغ المالى على مستحقات المهاجم المالية فى العقد بالنسخة العربية الذى تم تسليمه لاتحاد الكرة.
فيما نفت إدارة الزمالك الواقعة تمامًا، مؤكدة عدم تعاملها مع وكيل إسرائيلى وأن الوكيل الذى حضر إلى مصر يونانى، مؤكدين أن الفارق بين النسختين العربية والإنجليزية هى قيمة الضرائب.
بالونة «المهدى»
وفى نوفمبر عام 2012.. أثار المهدى سليمان، حارس سموحة الحالى جدلا واسعا، بعدما أعلن موافقته على الانتقال لأحد الأندية الإسرائيلية التى خاطبته من أجل الانتقال إليه خلال فترة توقف النشاط الرياضى فى مصر.. حسن فريد نائب رئيس اتحاد الكرة علق على القضية وقتها قائلا: «الشطب سيكون المصير الحتمى لأى لاعب مصرى يحاول الانضمام إلى الدورى الإسرائيلى»، مضيفا: «لا نقاش أو مزايدة الكرة المصرية يجب أن تبقى بعيدًا عن السياسة وبالونات الاختبار».
وبعد إثارة موجة من الجدل خرج المهدى سليمان ليعلن أن طرحه فكرة العرض الإسرائيلى جاءت من أجل إلقاء الضوء على أزمة الرياضيين فى ظل توقف النشاط الرياضى، مؤكدًا أن هناك الكثيرين يرغبون بالفعل فى الاحتراف هناك لكنهم يخشون العواقب!
ضرورات الاحتراف
وإلى الاحتراف الأوروبى الذى يتطلب من اللاعبين المصريين التخلى عن كثير التقاليد والعادات ربما يكون أحدها التعامل مع أشخاص تربوا على كراهيتهم، بل ربما يتطور الأمر إلى حد الذهاب إلى أمكان إقامتهم، وهو ما تعرض له عدد من نجوم الكرة المصرية الذين اضطروا للسفر إلى إسرائيل من أجل خوض مباريات فى المنافسات الأوروبية المختلفة.
ويُعد محمد صلاح، جناح روما الإيطالى الحالى ومحمد الننى لاعب وسط آرسنال الإنجليزى، آخر من تعرضوا لهذا موقف صعب وبالتحديد فى موسم 2013 /2014 إذ اضطرا لمرافقة فريقهما بازل السويسرى فى هذا التوقيت إلى إسرائيل، لمواجهة مكابى تل أبيب فى إطار الدور التمهيدى الثالث لدورى أبطال أوروبا.
حالة من الحيرة سيطرت على الدوليين المصريين وقتها قبل أن يتخذا قرارا بمرافقة فريقهما إلى تل أبيب لخوض المواجهة كلاعبين محترفين بعيدًا عن العداء السياسى مع الكيان الصهيونى، وأن مشاركتهما تُعتبر تطبيعا مع العدو.
وحول واقعة سفر «صلاح» و«الننى» إلى إسرائيل وقتها قال «نادر السيد»، حارس مرمى منتخب مصر الأسبق: «سفر اللاعبين المصريين ليس ضروريا فقط بل إن مبادئ الدين الاسلامى كانت تحتم عليهما التصرف بهذه الطريقة».
ولعل إجابة حارس المنتخب الوطنى الأسبق جاءت لتعرضه لهذا الموقف خلال فترة احترافه فى نادى كلوب بروج البلجيكى عندما أوقعته القرعة فريقه فى مواجهة هابوئيل حيفا فى الدور الأول لبطولة أوروبا للأندية أبطال الكأس 1999/ 2000، واضطرته الظروف إلى السفر لإسرائيل وبالتحديد إلى مدينة حيفا، رغم أنه رفض الأمر فى البداية ثم عاد وتراجع لظروف الفريق الذى لم يكن يمتلك سوى حارسين فقط، مشددًا أنه تعامل بشكل عقلانى مع الموضوع.
محمد صلاح رفض مصافحة لاعبى مكابى تل أبيب فى لقاء الذهاب فى سويسرا متحججًا بربط حذائه، وفى لقاء الإياب اكتفى بتحيتهم بقبضة يده، ورد على استفزاز الجماهير بإحرازه هدفا واحتفل بالسجود على الأراضى المحتلة.. فيما ظهر «الننى» قبل المباراة مرتدياً علم دولة فلسطين ونشرها على حسابه عبّر إنستجرام.
ويعد «هانى رمزى» أول لاعب مصرى وعربى يتعرض لهذا الموقف عندما كان مشاركًا مع فريقه فيردر بريمن الألمانى أمام مكابى تل أبيب، ضمن منافسات كأس الكؤوس الأوروبية عام 1995، وحينها رفض الاهتمام بالجانب السياسى، وتعامل مع المباراة كلاعب محترف يؤدى عمله.
فيما تمثلت حالات الرفض للسفر إلى إسرائيل من قبل اللاعبين المصريين فى كل من أحمد حسن عميد لاعبى العالم الذى رفض مرافقة فريقه أندرلخت البلجيكى فى عام 2007 فى رحلته إلى إسرائيل، أجل مواجهة هابوئيل تل أبيب فى الدورى الأوروبى، بعدما خاض مباراة الذهاب بالعاصمة البلجيكية بروكسل، والحال نفسه كان بالنسبة لعبد الستار صبرى أثناء احترافه فى بنفيكا البرتغالى عندما تعرض لموقف مماثل فى المسابقة الأوروبية.
المواجهة الأصعب!
هناك سؤال مهم يجب طرحه فيما يتعلق بمسألة التطبيع.. والسؤال هو: ماذا لو واجه منتخب مصر إسرائيل فى كأس العالم لأى من المراحل العمرية؟
السؤال بلا إجابة لكن الفترة الماضية شهدت طرح الجانب الإسرائيلى اقتراحًا غريبًا بعض الشىء بإقامة مباراة ودية مع منتخب مصر لكسر حاجز الجمود وإزالة التوتر النفسى بين شعبى البلدين وتم رفضها بشكل قاطع، المثير أن تلك الدعوة لم تكن الأولى من نوعها بل سبقها طلب آخر عام 2010 من الاتحاد الإسرائيلى، لتنظيم مباراة ودية بين الفريقين، والاحتفال بفوز مصر بأمم أفريقيا فى هذا العام، إلا أن موقف المنتخب المصرى بقيادة حسن شحاتة كان واضحًا، بالرفض النهائى لتلك الفكرة!.
خطورة الانسحاب
الدكتور محمد فضل الله أستاذ القانون الرياضى وخبير اللوائح والتشريعات بالجامعة الأمريكية بالإمارات قال: «فى حالة فرضت المواجهة سنواجه، مُدللا على رأيه بأن لوائح الاتحاد الدولى ترفض عناصر التمييز بشكل قاطع فى عالم كرة القدم، سواء على أساس جنس أو لون أو عقيدة».
وشدد أستاذ القانون الرياضى على أن الانسحاب يعنى عقوبة حازمة تبدأ من الإيقاف وربما يتطور الوضع إلى الشطب النهائى، لافتًا إلى أن أقصى ما يمكن حدوثه أشياء من قبيل عدم المصافحة وبعض التجاوزات الجماهيرية كصافرات الاستهجان لكن رفض المواجهة الرسمية من الأساس سيكون مستحيلاً.
فنيات المواجهة
وحول شكل المواجهة، أكد نادر السيد حارس مرمى المنتخب الوطنى الأسبق، أنه فى حالة وجود مواجهة الرسمية لا مانع من خوض المنتخب للمباراة بشكل طبيعى خصوصا أنها ستكون فى بطولة دولية كبرى إمًا فى كأس العالم أو الأولمبياد، مضيفًا: «لا يجب المزايدة على الوطنية بسبب مباراة كرة قدم لو خضاها لاعبون سيصبحون خائنين ولو انسحبو سيصبحون أبطالا، ولا يجب نزع الموضوع من سياقه الرياضى ووضعه فى قلب السياسة». وشدد قائد المنتخب الوطنى فى تصريحات لـ«انفراد» على أنه فى عالم الرياضة يوجد ميثاق أولمبى يحكم الجميع، وعلى رأس مبادئه عدم خلط الدين أو السياسة بالمنافسات الرياضية، مُدللاً بمواجهة أمريكا لإيران فى كأس العالم فى نسخة عام 1998 بفرنسا والتى شهدت أجواء مشحونة بسبب التوتر السياسى بين البلدين إلا أنها أقيمت فى النهاية.
«الجودو» على خط المواجهة دائما
الجودو من أكثر الرياضات التى يواجه فيها اللاعبون المصريون إسرائيليين.. ويُعد رمضان درويش، بطل الجودو من أبرز أبطال مصر الذين تكررت مواجهتهم مع لاعبين من المعسكر المضاد.
البطل العالمى أكد أنه لا يحب فكرة الانسحاب وترييح الدماغ، بحسب وصفه، متسائلا: «ما الذى سيستفيده المصريون من الانسحاب؟ لا شىء سوى أن اللاعب الإسرائيلى سيكمل المنافسات بل من الممكن أن يحصل على المركز الثالث ويرتفع علم إسرائيل عاليا بل يدخل التصنيف العالمى ويتأهل للأولمبياد».
وأوضح بطل الجودو المصرى، أنه يتعامل كرجل فى هذه القضية مؤكدًا على احترامه للاعبين الذين يقررون الانسحاب أمام الإسرائيليين لكنه لا يتفق معهم فى الرأى، مضيفًا أنه يرفض مصافحة اللاعبين الإسرائيليين مثلما فعل فى المرات السابقة، وسيستمر على موقفه فى البطولات المقبلة، مؤكدًا أنه لا يصافح مع من تلوثت أيديهم بدماء أشقائه من الفلسطينيين.
الانتصار هو الحل
وعلى نفس المسار أكد تامر صلاح، بطل التايكوندو الأولمبى، ومدرب المنتخب الوطنى حاليًا، أنه يرفض تماما فكرة الانسحاب أمام اللاعبين الإسرائيليين، مؤكدًا أن الدول الأخرى لا تعلم أنك انسحبت لأسباب سياسية، بل يرى أن علم إسرائيل سبق علمك، وربما يحصد مركزا متقدما ويرتفع علمه عالميا.
وأوضح البطل الأولمبى، أنه واجه موقفا مماثلا فى مسيرته لاعبا مرتين، واستطاع الفوز على منافسيه الاثنين بالقاضية، مؤكدًا أنه واجه هذا الموقف مؤخرًا كمدرب خلال بطولة العالم التى أقيمت بروسيا منتصف يونيو الماضى بعدما أوقعت القرعة لاعب المنتخب الشاب «معاذ نبيل» فى طريق لاعب إسرائيلى لكنه خسر المواجهة، موضحًا أن اللاعب صاحب الـ 16 عاما لم يتحمل الضغوط الإعلامية التى ألقيت على عاتقه، لدرجة أنه قال له بعد انتهاء المواجهة «لم أكن أرى أمامى.. ماذا أفعل أو كيف كان يوجه الضربات لخصمه؟!».
وأشار بطل التايكوندو إلى أنه ينصح الرياضيين العرب بالتركيز فى الجانب الرياضى فقط من أجل تحقيق الانتصار ورفع أعلام الدولة العربية عاليا، مؤكدًا أن التايكوندو المصرى دائما ما يوجه اللاعبين الإسرائيليين ويرفض الانسحاب بهدف تحقيق الانتصارات.
هاجس العزلة الدولية
فى عالم الرياضة يعتبر المصريون أن البعد عن إسرائيل غنيمة لكن إذا فرضت المواجهة فلا مفر وإلا فاللوائح والقوانين لن تكون فى صالحك، إنه ما تتداوله وسائل الإعلام خلال الأيام الأخيرة فى ظل ضجة كبرى أثارتها منافسة مصر لإسرائيل ودولتين أخريين هما إيطاليا ولاتفيا على الحصول على حق استضافة بطولة العالم لكرة السلة فى عام 2017 مع فتح باب إمكانية سفر الفريق المصرى إلى تل أبيب فى حالة فوزها بشرف التنظيم والعكس صحيح بقدوم الفريق الإسرائيلى إلى القاهرة إذا سارت الأمور على خلاف ما يتمنى المصريين.
محمد عبد المطلب، نائب رئيس اتحاد السلة والمسؤول عن ملف استضافة مصر لكأس العالم للناشئين السلة عام 2017، أكد أن الموضوع فى النهاية يجب التعامل معه من المنظور الرياضى وعدم إخراجه عن سياقه وخلط السياسة فى الرياضة فى ظل وجود ميثاق أوليمبى يحكم الجميع ويحذر من الخلط الدين أو السياسة بالرياضة.
وحول احتمالية اضطرار المنتخب الوطنى للسفر إلى إسرائيل من أجل خوض منافسات كأس العالم إذا فازت بشرف تنظيمها، أكد نائب رئيس اتحاد السلة أن قرار المشاركة فى البطولة سيكون سياسيا من الأساس بمعنى أنه حال اتخاذ قرار بعدم السفر إلى إسرائيل سيغيب المنتخب عن تصفيات أفريقيا المؤهلة للبطولة حتى لا يقع فى مأزق توقيع عقوبات دولية عليه بالانسحاب من البطولة العالمية.
وتساءل عضو مجلس إدارة الاتحاد الدولى لكرة السلة عن الوضع فى حالة فوز مصر بشرف التنظيم وتأهل المنتخب الإسرئيلى إلى بطولة العالم هل يتم رفض استضافته فى مصر وتحمل العقوبات الدولية التى سيتم فرضها على مصر؟ لافتًا إلى أن اتحاد السلة حصل على موافقة وزارة الرياضة واللجنة الأولمبية من أجل السير فى طريقه بشأن استضافة بطولة العالم تحت 17 عامًا.
المهندس هشام حطب رئيس اللجنة الأولمبية الدولية، أكد على أن المسؤولين عن الرياضة المصرية يتعاملون مع تلك القضية ملتزمين بمصريتهم إلى أقصى حد ووفقًا للوائح الدولية التى تتطابق مع الدستور والقوانين المصرية، موضحًا أن مواجهة أو استضافة الفرق الإسرائيلية الرياضية يتم وفقا لمبدأ الضرورات تبيح المحظورات بل إن الجميع يُحاول الابتعاد قدر الإمكان عن ذلك المعسكر.
ودلل «حطب» على وجهة نظره قائلا: «مثلا منذ سنتين قرر الإنصات لصوت العقل وعدم الانسحاب من مواجهة إسرائيل فى بطولة البحر المتوسط.. فيما انسحبت دولتان عربيتان وتم إيقافهما لمدة عامين بينما نحن استمررنا فى المنافسة»، مؤكدًا: «إذا تم اتخاذ قرار عاطفى وقتها بعيدًا عن سماع صوت العقل لم يكن منتخب اليد الأول ليقدر على استضافة البطولة الأفريقية 2016 ومن ثمّ الفوز بها والتأهل لأولمبياد ريو دى جانيرو، إضافة إلى الحصول على حق تنظيم بطولة العالم 2021».
ولفت رئيس اللجنة الأولمبية إلى نقطة مهمة، وهى أن رفض أى دولة عربية استضافة الفرق الإسرائيلية على أرضها فى المنافسات الرسمية يعنى أن هناك عزلة دولية ستفرض على الدولة العربية، فالمواثيق الأولمبية ترفض إقحام السياسة فى الرياضة بشكل قاطع.