تلقى مصطفى النحاس باشا، رئيس الوفد والحكومة، خطابًا من مكرم عبيد باشا، و20 نائبًا وفديًا، فى يوم 27 يونيو 1942، يطالبون فيه بعقد الهيئة الوفدية «يوم 29 يونيو»، للنظر فى «تحديد مركز مكرم فى الوفد ومنصب سكرتير الوفد، ومراقبة دار مكرم والحصار المضروب حولها، والاستثناءات التى لا تزال الوزارة سائرة فيها، وبحث الموقف الحربى وغيره من المسائل»، حسبما يذكر الدكتور محمد فريد أبوحشيش فى كتابه «حزب الوفد 1936-1952».
جاء الطلب فى سياق الخلاف المتفجر بين القطبين الكبيرين فى تاريخ السياسة المصرية، وتاريخ الوفد منذ أن قاده سعد زغلول، ثم مصطفى النحاس، وبلغ الخلاف ذروته بوضع عبيد «الكتاب الأسود فى العهد الأسود» الذى رفعه إلى الملك فاروق، يوم 29 مارس 1943 كعريضة اتهام للنحاس، وفقًا للدكتور مصطفى الفقى فى كتاب «الأقباط فى السياسة المصرية».
كان طلب اجتماع «الهيئة الوفدية» مدخلًا لفصل «عبيد» من عضوية الوفد يوم 6 يوليو «مثل هذا اليوم» 1942، وحسب «أبوحشيش»، رفض «النحاس» عقد «الهيئة الوفدية» فى البداية، وأيده «فؤاد سراج الدين»، لكنه عدل عن هذا، وأرسل محمد صلاح الدين ليطلب من موقعى الخطاب مقابلته «ليعرف منهم أسباب عقد الهيئة، ثم يجيب عن تساؤلاتهم، وكانت إجابات النحاس حاسمة من ناحية إصراره على أن مكرم لم يعد سكرتيرا للوفد، وكذلك رفضه لطلب عقد الهيئة الوفدية، فاندفع مكرم إلى أن يطلق لسانه فى كل مكان، وتبريره أنه أراد مناقشة النحاس فى اجتماع عائلى، أى الهيئة الوفدية، فرفض ومن ثم «فلا تلومونى إذا أنا تكلمت علانية فى مجلس النواب».
بالفعل تحدث «عبيد» علانية أمام البرلمان يوم 29 يونيو 1942، ويذكر محمد التابعى فى كتابه «من أسرار الساسة والسياسة»: «حدث فى مساء اليوم فى مجلس النواب فضيحة.. ولا أعنى أن الاستثناءات كانت فضيحة.. وهى قد كانت كذلك.. ولكن أقصد أن نظرها والمناقشة فيها فى هذا اليوم وفى هذه الظروف بالذات هى التى كانت فضيحة.. فبينما كانت الجيوش تتطاحن على أبواب مصر، ودوى المدافع والقنابل يسمع بوضوح فى الإسكندرية، وطائرات جيوش المحور «الحرب العالمية الثانية» تحلق فوق الأراضى المصرية، أصر رئيس الوزراء النحاس باشا عند افتتاح جلسة مجلس النواب على نظر الاستجوابات المقدمة عن الاستثناءات وغيرها، رغم أن أصحاب هذه الاستجوابات طلبوا تأجيل النظر فيها مراعاة للحالة وتقديرًا منهم لخطورة الموقف».
يوضح «أبوحشيش» مسألة «الاستنثاءات»، قائلًا «إن وزارة النحاس طلبت استثناءات وترقيات لموظفين وفديين انفصلوا فى عهد الوزارات غير الوفدية، ورفض مكرم وزير المالية، فراجعه النحاس، فأحال مكرم المسألة إلى اللجنة المالية، وبوصفه وزيرًا للمالية كان هو رئيس هذه اللجنة، ومن الطبيعى أن ترفض هذه الاستثناءات، ورفعت مذكرة بقرارها إلى مجلس الوزراء، وأرغم «عبيد» جريدة «المصرى» على نشرها، فأثارت النحاس وزادت فى حنقه على مكرم لمعارضته طلبات له ثم التشهير به بالنشر.
يوم 6 يوليو عام 1942 جاءت كلمة الفصل فى عضوية عبيد للوفد، ويذكر «التابعى»، أن مجلس النواب عقد جلسة سرية فى هذا اليوم، وبعد انفضاضها اجتمع الوفد وأصدر قرارًا بفصل عبيد «كان عضوًا منذ عام 1920»، وفصل راغب حنا بك، ويذكر عبيد فى «الكتاب الأسود»، أنه عند بداية الجلسة، طلب رئيس الحكومة مصطفى النحاس، إلقاء بيان فى جلسة سرية، فأخليت الشرفات من الزائرين والقاعة من غير الأعضاء، فيما عدا السكرتير العام، ومدير الإدارة التشريعية، وظلت الجلسة سرية من السادسة والثلث إلى العاشرة والنصف مساء، ثم أعلن رئيس المجلس قرار الجلسة السرية، وهو: «شكر المجلس لرئيس الحكومة على جهوده مع الاكتفاء بهذا البيان، كما وافق المجلس على الترخيص للحكومة فى الإنفاق على الطوارئ الخاصة فى حدود مليونين من الجنيهات تؤخذ فى الاحتياطى العام»، ويضيف «عبيد»: «خرجنا من الجلسة السرية، وطلبنا أنا وزميلى المحترم راغب بك، تأجيل جلسة «الهيئة الوفدية» إلى الغد لوفاة قريبة لى ولمرض زميلى، لكن الوفد اجتمع فى تلك الليلة فى غيبتنا وقرر فصلنا».
يذكر «التابعى» أن سراج الدين، وصف له قرار الفصل، بأنه «حكيم وعادل والرأى العام يؤيده بل كان يطالب به، وأن المعارضة نفسها استهجنت موقف مكرم، فبينما الحرب على أبواب مصر والحالة تزداد خطورة ساعة بعد ساعة، والمعارضة نفسها تنسى خلافاتها مع الوزارة وتؤيدها فى موقفها فى الدفاع عن البلاد.. يقف مكرم باشا فى مجلس النواب يطلب المناقشة فى الاستثناءات، وسوء استعمال سيارات الحكومة، ويقول إن أسبوع البر«مشروع زينب هانم الوكيل زوجة النحاس «ضريبة من غير قانون، ثم يتهم الوزارة بالتفريط فى حقوق البلاد».
ويؤكد مصطفى الفقى، أنه فى 12 يوليو 1942، استقال 17 عضوًا من الشيوخ والنواب من الوفد احتجاجًا على تصرف النحاس «العنيف وغير العادل ضد مكرم وراغب حنا»، حسبما جاء فى مذكرة الاستقالة.