تمكنت فرق الإنقاذ فى تايلاند، الثلاثاء، من تحرير أطفال الكهف الـ12 ومدربهم المحاصرين منذ أكثر من أسبوعين داخل كهوف ثام ليونج بمقاطعة "شيانج راى" فى شمال تايلاند التى تعتبر من بين المزارات السياحية فى البلاد، والتى غُمرت بمياه الفيضانات أثناء وجود أطفال فريق الكرة ومدربهم داخلها.
وجرت عملية الإنقاذ وسط مخاطر على مدار 3 أيام متتالية بدأت الأحد الماضى، بينما جرى التخطيط ودراسة كل الطرق المتاحة لإنقاذ الأطفال ومدربهم من داخل الكهف المغمور بالمياه منذ اكتشافهم قبل أسبوع، وعلى مدار يومين تمكنت الفرقة المدربة تدريبًا عاليًا من إنقاذ 8 أطفال، فيما أنقذ 4 أطفال والمدرب فى اليوم الثالث.
إنقاذ أطفال الكهف فى تايلاند وخضوعهم لفحوصات طبية
ومنذ بداية إنقاذ الأطفال وتحريرهم من داخل الكهف على مدار الأيام الثلاثة، لم يظهر أى منهم فى أى من وسائل الأعلام، إذ تجرى عملية الإنقاذ فى سرية تامة، لكن الجهات المعنية بالعملية أكدت أنهم بخير، وقالت السلطات فى تايلاند، إن الأطفال الذين أُخرجوا من الكهف تناولوا حساء الأرز، لكن الأطباء رفضوا إعطاءهم وجبات اللحوم التى طلبوها حتى يتعافى الجهاز الهضمى لديهم بعد أن ظلوا لأكثر من 10 أيام بلا طعام، وذلك بحسب ما نشرته شبكة "بى بى سى" الإخبارية.
ويتلقى الأطفال الذين خرجوا من داخل الكهف، العلاج والرعاية الصحية فى قسم خاص تم عزله خصيصًا لهم داخل أحد المستشفيات القريبة، فى حين قال الفريق الطبى، إن صحة جميع الأولاد الذين خرجوا جيدة، ولا يعانون من أى ارتفاع فى درجات الحرارة، ويتحدثون بشكل طبيعى، وذلك بحسب شبكة "سى إن إن".
وذكر الفريق الطبى، أن أحد الأولاد يعانى من التهاب بسيط فى الرئة، فيما أظهرت الفحوصات أن ولدًا آخر يعانى من بطء فى دقات القلب، إلا أن كليهما يتحسنان بصورة سريعة، وفقًا للتقارير الطبية، بينما تمكنت عائلات الأطفال الأربعة الذين تم إنقاذهم فى البداية من رؤية أطفالهم من وراء جدار زجاجى، إذ تم الحجر عليهم صحيًا خوفًا من حملهم لأى فيروسات أو أمراض من داخل الكهف.
90 غواصًا محترفًا يشاركون فى إنقاذ أطفال الكهف بتايلاند
وتشير "بى بى سى"، إلا أنه تولى عملية الإنقاذ 90 غواصًا محترفًا، بينهم 40 من تايلاند و50 غواصًا أجنبيًا، وبدءوا العملية فى سلسلة الكهوف الغارقة فى مياه الفيضانات، وتتمثل مهمة الغواصين فى إرشاد الأطفال وسط ظلام دامس داخل الممرات الغارقة فى المياه إلى مدخل الكهف، وهو ما يُعد رحلة من مدخل الكهف إلى الأطفال والعودة مرة ثانية مرهقة جدا حتى بالنسبة للغواصين المتمرسين، فالرحلة ليست سهلة، إذ تتضمن مزيجًا من المشى، والخوض فى الوحل، والتسلق، والغوص بمحاذاة أسلاك إرشادية، فيما يرتدى الطفل الذى يخوض عملية الإنقاذ قناع غطس كامل، وهو أمر سهل بالنسبة للغواصين المبتدأين مقارنة بأجهزة التنفس التقليدية، ويصطحبه غواصان يحملان أيضًا جهاز التنفس التى يتنفس عبره الطفل.
المرحلة الأصعب فى عملية إنقاذ أطفال الكهف بتايلاند
ويعد الجزء الأصعب فى الرحلة كلها هو ما يعرف بـ"التقاطع"، وهو منعطف ضيق يحتم على الغواصين نزع جهاز التنفس للمرور عبره، وبعدها تأتى منطقة تعرف بـ"الغرفة 3"، ويستعملها الغواصون للاستراحة قبل السير للمرحلة الأخيرة والخروج من الكهف، وبعدها الذهاب إلى المستشفى.
ويدل على خطورة المهمة أن سامان جونان، غواص سابق فى البحرية التايلاندية، لقى حتفه، الجمعة، فى الكهوف أثناء تزويد مجموعة الأطفال العالقين بالأكسجين عندما نفد منه فأغمى عليه ثم مات، وقال زملاؤه إنهم عازمون على ألا تذهب تضحية زميلهم هباء، فيما قال رئيس العملية إن اليوم الثانى منها مر بسلاسة أكثر مما كان عليه اليوم الأول ليستغرق أى إجراء يقوم به الغواصون وقتًا أقل بساعتين مما استغرقه فى اليوم الأول مع تنفيذ الإجراءات بقدر أكبر من الدقة، كما ذكرت تقارير أن عمليات ضخ مياه إلى خارج الكهف جرت على نطاق واسع للمساعدة على جعل الرحلة أقل صعوبة بالنسبة للغواصين والأطفال.
طفل يتحدث عدة لغات يسهل التواصل مع الغواصين البريطانيين
وتشير تفاصيل أخرى إلى أن من بين الأطفال العالقين عبدولسام أون، 14 سنة، يتحدث عدة لغات، ما مكنه من التواصل مع الغواصين البريطانيين فى المرة الأولى الذين اكتشفوا فيها مكان الأطفال العالقين، بينما تزامنت ذكرى مولد بيربات سومبيانججاى، 17 سنة، مع اليوم الذى علق فيه الفريق داخل الكهف، وكانت المأكولات البسيطة التى أحضرها الأطفال معهم للاحتفال بعيد ميلاده سببًا فى إبقائهم على قيد الحياة فى الفترة التى قضوها داخل الكهف، أما مساعد المدرب فهو إيكابول تشانتاوونج، 25 سنة، وهو أكثر شخص تبدو عليه علامات الضعف والإعياء، إذ رفض تناول أى طعام حتى يوفره للأطفال.
كيف وصل أطفال الكهف إلى المنطقة المغمورة بالمياه؟
ولتوضيح تفاصيل حول ذلك الحادث، فقد عثر فريق إنقاذ بريطانى على الأطفال داخل الكهف على بعد 4 كيلومترات من مخرج الكهف، وينتمى الأطفال، الذين تتراوح أعمارهم بين 11 و16 عاما، إلى فريق كرة قدم يسمى "وايلد بورز"، وعلق الأطفال خلال رحلة استكشافية بصحبة مدربهم داخل الكهف الذى يبلغ طوله قرابة 10 كيلومتر، واستغرق العثور عليهم فى تلك الأعماق داخل الكهف نحو 10 أيام.
ويروى أحد المنقذين عبر صفحته على مواقع التواصل الاجتماعى، بعض التفاصيل حول الحادث، حيث يقول "فور وصول الأطفال إلى مدخل الكهف تركوا أحذيتهم ودراجاتهم فى الخارج وبدءوا فى الدخول إلى عمق الكهف، إلا أنه لسوء الحظ بعدما قطعوا 3 كيلومترًا سيرًا داخل الكهف بدأت الأمطار تهطل بغزارة شديدة، خاصة وأن التوقيت الحالى هو موسم الأمطار فى تايلاند، وعلى الفور انتاب المدرب القلق وقرر العودة مرة أخرى إلى خارج الكهف، إلا أن الكهف كان بدأ يتملى بالمياه ووقعت انهيارات جبلية أدت إلى انقطاع الطريق أمامهم، لذا قرروا العودة إلى مكان مرتفع داخل الكهف لتلاشى وصول المياه إليهم حتى لا يغرقوا".
منقذ يروى خطط السلطات التايلاندية لإنقاذ أطفال الكهف
ويشير المنقذ، إلى أن أهالى الأطفال شعروا بالقلق بعد تأخرهم، وابلغوا الشرطة التى بحثت عنهم ووجدت أغراضهم على مدخل الكهف، وعلى الفور أعلنت السلطات التايلاندية رفع حالة الطوارئ لإنقاذ الأطفال فى ظل تزايد المطر، وفى المقابل أرسلت كل من بريطانيا والصين وأستراليا وأمريكا واليابان وفرنسا وعدة دول أخرى، فرق متخصصة للمشاركة مع الحكومة التايلاندية فى عملية الإنقاذ، وبالفعل تمكن غواصين بريطانيين من العثور على موقع الأطفال فى حالة إعياء بسبب قلة الطعام والأكسجين، والتقطوا لهم الصور ومقاطع الفيديو لطمأنة المسئولين والأهالى.
ويوضح المنقذ، أن السلطات بدأت العمليات الحسابية وسط صراع مع الزمن لإخراج الأطفال، مضيفًا "بالحسابات العادية وجدوا أن محاولة رفع المياه وسحبها خارج الكهف سوف تستغرق قرابة شهرين على الأقل، وهو أمر بالغ الخطورة لأن الأطفال لن يستطيعوا المقاومة للبقاء على قيد الحياة حتى لو توفر لهم الأكسجين والطعام والشراب"، وتابع "الحل الآخر كان اخراجهم بواسطة غواصين، ولكن وجدوت السلطات أن المسافة طويلة لبلوغها قرابة 7 كيلومترات، هذا إلى جانب أن الممرات المتاحة ضيقة جدًا ولن يستطع الأطفال المرور من خلالها برفقة الغواصين وأنابيب الأكسجين، وإضافة إلى ضيق الممرات هناك الوحل وانعدام الرؤية، مما سيحول عملية الإنقاذ إلى مجازفة تعرض حياة الأطفال والغواصين للخطر.
وأضاف "الحل الثالث كان يكمن فى أن تعلم السلطات الأطفال السباحة والغوص بمفردهم، الأمر الذى يستغرق قرابة 4 شهور تقريبًا، لكنها الطريقة الأكثر أمان فى الوقت الحالى وبالفعل تم توفير أكسجين وطعام وعلاج لفترة 4 شهور تحسبًا للظروف خصوصًا وأن الأرصاد كانت تتوقع تساقط أمطار أكثر غزارة الفترة المقبلة فى ظل ذروة موسم الأمطار، مما ينذر باحتمالية ارتفاع منسوب المياه وصوله إلى فريق الأطفال ومدربهم".
وتابع "رغم المخاطر والمخاوف سالفة الذكر، إلا إنه بدأ تدريب الأطفال على الغوص والسباحة، وبدأت السلطات فى سحب المياه خارج الكهف، فى ظل اقتناع الجميع بأن هذا الحل هو الحل الوحيد المتاح والأكثر أمنًا، إلا أن المخاوف تزايد خلال تنفيذ تلك الخطة بسبب وفاة غواص تايلاندى أثناء توزيعه اسطوانات الأكسجين داخل الكهف، حيث لقى مصرعه أثناء عودته بعد نفذ منه الأكسجين، وعلى الفور توقف استكمال تنفيذ الخطة الموضوعة لعملية الإنقاذ، وفى ذلك الوقت قررت السلطات توصيل "كابل هواء" داخل الكهف لتزويدهم بالأكسجين".
ملياردير أمريكى يقدم خطة إنقاذ شاملة للسلطات التايلاندية
وأضاف "كانت المفاجأة بالنسبة للجميع مع ظهور الملياردير الأمريكى "إيلون مسك"، الذى أرسل للسلطات خطة إنقاذ شاملة، وبالفعل تم تنظيم مؤتمر صحفى والإعلان عن الخطة الجديدة وبدأت السلطات والغواصين التعاون فى توفير كل التسهيلات لشركة "إيلون مسك"، التى تعتمد خطتها على إخراج الأطفال داخل أنابيب غوص مزودة بالأكسجين صممت خصيصًا بمقاسات المحتجزين داخل الكهف، والتى يتم سحبها أو اطلاقها مثل الغواصات البحرية العادية عبر الممرات، كما تحتوى تلك الأنابيب على أجهزة اشعار، وإلى جانب ذلك فإن أنابيب الإنقاذ صممت فى زمن قياسى استغرق حوالى 4 أيام فقط، ومن ثم سلمت للسلطات التايلاندية، وجرت عملية الإنقاذ حتى حرر الجميع من داخل الكهف".