أحب أن أبدأ الحكاية من العكس، والعكس هنا مقصود، وذلك لأن كل شىء جاء فى غير محله، فقد تم إخلاء سبيل الكاتب الدكتور خالد منتصر، بضمان محل إقامته من نيابة الإسماعيلية، وذلك بعد التحقيق معه أمس من الساعة العاشرة صباحا حتى الساعة الثانية والنصف ظهرا، على خلفية المحضر الذى تقدم به الإعلامى "طارق نور" يطالب فيه بحبس خالد منتصر.
بالطبع عندما نسمع مثل هذا الكلام ونقرأه، سوف يثير فينا العديد من الأسئلة حول الدافع الذى يدعو إعلاميا مشهورا مثل طارق نور يملك قناة معروفة هى "القاهرة والناس" كى يطالب النيابة بحبس كاتب ومفكر ليبرالى مثل خالد منتصر لا يدعو إلى عنف أو تطرف أو يحمل وجهة نظر هادمة، بل على العكس تماما إن ما يحمله خالد منتصر فى كتاباته سواء مقالاته أو حتى تعليقاته على مواقع التواصل الاجتماعى أو حضوره الإعلامى هو الدعوة لتجديد الخطاب الراكد السلفى وغيره ومهاجمة أنماط التفكير البائدة التى تعود بالمجتمع للخلف.. إذا ما الحكاية؟
الحكاية بدأت بالتحديد فى 22 نوفمبر 2017 عندما نشبت ﻣﺸﺎﺩﺓ ﻛﻼﻣﻴﺔ ﺣﺎﺩﺓ ﺑﻴﻦ الداعية الإسلامى ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﺭﺷﺪى، ﻭﺍﻟباحث ﺍﻹﺳﻼمى ﺃﺣﻤﺪ ﻋﺒﺪﻩ ﻣﺎﻫﺮ، والمخرج مجدى أحمد على، ﺧﻼﻝ ﺑﺮﻧﺎﻣﺞ "ﻫﻨﺎ ﺍﻟﻘﺎﻫﺮﺓ"، ﻣﻊ ﺍﻹﻋﻼﻣﻴﺔ ﺑﺴﻤﺔ ﻭهبة ﻋﻠﻰ ﻗﻨﺎﺓ "ﺍﻟﻘﺎﻫﺮﺓ ﻭﺍﻟﻨﺎﺱ"، أثناء مناقشة موضوع مات جدلا بلا طائل هى "تجسيد الأنبياء فى الأعمال الفنية".
والذى حدث هو أن أحمد عبده ﻣﺎﻫﺮ سأل "عبد الله رشدى" "ﻫﻮ أﻧﺖ ﻣﺶ ﻗﻟﺖ ﻗﺒﻞ ﻛﺪﻩ ﺇﻥ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻴﻦ ﻛﻔﺎﺭ"، وبالطبع عبد الله رشدى أخذته العزة بالأثم وأكد ﺃﻧﻪ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﻗﺎﻝ ﺫﻟﻚ ﻭﻣﺎ ﺯﺍﻝ مقتنعا به، ﻗﺎﺋﻼ "ﺃﻳﻮه ﻗﻟﺖ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻴﻦ ﻛﻔﺎﺭ ﻭهم ﻛﻔﺎﺭ"، ﺍﻷﻣﺮ ﺍﻟﺬى ﺃﺩﻯ ﻻﻧﺴﺤﺎﺏ المخرج مجدى أحمد على وﺃﺣﻤﺪ ﻋﺒﺪﻩ ﻣﺎﻫﺮ.
بالطبع لم يمر هذا الأمر مرور الكرام على المجلس الأعلى للإعلام، الذى عقد اجتماعًا طارئًا يضم عدداً من كوادره للتحقيق فى محتوى برنامج "هنا القاهرة".
وعلى المستوى الثقافى والمجتمعى شغل هذا الكلام الجميع من المثقفين والمعنيين وحتى المهتمين بالشأن العام، الذين اعتقدوا أننا قد تجاوزنا مثل هذه الأفكار واستنكروا أن تتم استضافة هذه الشخصيات أصحاب الأفكار المتطرفة، وأن تأخذ هذه المساحة الإعلامية التى حتما تضر بالمجتمع المصرى، خاصة أن المرحلة الراهنة من الدولة المصرية حريصة على ألا يكون المحتوى الإعلامى به مثل هذه الأفكار الداعية لتقسيم المجتمع وهدم وحدته، وكان ممن عبروا عن رأيهم فى هذا الموقف المصر العام الدكتور خالد منتصر الذى كتب على صفحته الخاصة على موقع التواصل الاجتماعى فيس بوك "عبث إعلامى ودكان لعرض البالة الإعلامية" خاصة أن "منتصر" كان قد لاحظ أنه قبل هذه الحلقة بنحو أسبوع قد ظهر الشخص نفسه، عبد الله رشدى فى برنامج آخر، وقال الكلام نفسه بتكفير الأقباط، وذلك بما يعنى أن بسمة وصفى عندما قررت استضافة "رشدى" فهى تعرف أفكاره وتعرف ما سيقوله وربما أوعزت إلى الآخرين ليقول ما قال، وبالتالى فإن استخدام "منتصر" لكلمة "البالة" المقصود بها إعادة القديم من الشىء وهنا يقصد "القديم من الكلام" الذى تم قوله.
لكن الإعلامى طارق نور اعتبر هذه الجملة بمثابة "سب وقذف" وقام برفع قضية يطالب فيها بحبس خالد منتصر.
هل أدركتم معى الآن لماذا بدأت الحكاية بالعكس، لأن المفروض على طارق نور أن يحاكم القائمين على البرنامج، ويعرف كيف ارتضوا على أنفسهم وعلى القناة استضافة الحاملين لمثل هذه الأفكار، لا أن يطالب بمحاكمة "خالد منتصر" لأنه ليس من المتوقع أن يكون "انتقاد تكفير الأقباط جريمة" إلا إذا كان طارق نور نفسه مؤمنا بتكفيرهم.
بالطبع لن نعلق على أحكام القضاء، وحتى خالد منتصر نفسه رفض التعليق على هذا الأمر، لكنه بالنسبة لنا، هو يتجاوز فكرة المحاكمة إلى طرح سؤال: ما الصواب وما الخطأ وهل من أجل صناعة الشو نهدد مقدرات الوطن؟.