فجرت الفوضى فى ليبيا توترا، الأول من نوعه منذ انطلاق شرارة الثورات العربية التى أعقبتها فوضى عارمة فى ليبيا وسوريا والعراق واليمن، فضلا عن الاضطرابات السياسية فى مصر وتونس.
المشهد الفوضوى فى ليبيا يتفاقم ويزيد من التوتر فى أوروبا، التى باتت حدودها مهددة بموجات اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين من جانب سوريا، فضلا عن استيلاء تنظيم داعش على الساحل الليبى مما يمثل تهديدا مباشرة للقارة العجوز من ناحية الجنوب، فإنه دفع الرئيس الأمريكى لأول مرة لتوجيه انتقادات لاذعة لحلفائه الأوروبيين.
انتقادات لاذعة
الرئيس الأمريكى لأول مرة يخرج عن صمته فيما يتعلق بالسياسة الأوروبية تجاه ليبيا، التى اندفعت سريعا نحو إسقاط نظام الديكتاتور الليبى معمر القذافى، قائلا إن رئيس الوزراء البريطانى ديفيد كاميرون كان "شارد الذهن" فى حين كان الرئيس الفرنسى السابق نيكولا ساركوزى يبحث عن الظهور، عند تنفيذ التدخل العسكرى الذى أطاح بنظام الرئيس الليبى الراحل معمر القذافى فى 2011.
وأشار أوباما، فى مقابلة مع مجلة "ذا أتلانتك" نهاية الأسبوع الماضى، أن"ليبيا غرقت فى الفوضى"، مضيفًا: "عندما أتساءل لماذا ساءت الأمور، أدرك أنى كنت أثق بأن الأوروبيين، بفعل قربهم من ليبيا، سيكونون أكثر انخراطًا فى متابعة" الوضع بعد التدخل.
وأشاف أن ديفيد كاميرون كان لاحقًا "شارد الذهن فى أمور آخرى"، متابعًا: "أما الرئيس الفرنسى حينها نيكولا ساركوزى فقد كان يرغب فى أن يعلن بصخب عن نجاحاته فى الحملة الجوية، فى حين الواقع أننا نحن من دمر الدفاعات الجوية لجيش القذافى".
على الرغم من قناعة أوباما بضرورة التدخل العسكرى لإسقاط القذافى، إلا أنه يرى ليبيا اليوم فى حالة "فوضى"، وبحسب مجلة ذا أتلانتك فإن أوباما، أشار، فى حديث جانبى، للوضع المضطرب فى ليبيا بأنه "مشهد مأساوى".
أثارت هذه التصريحات الغضب فى أوروبا، تزامنا مع زيارة وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى، لفرنسا، الأحد، للقاء نظرائه من بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، فضلا عن الممثل الأعلى لشئون السياسة الخارجية فى الإتحاد الأوروبى.
استنكار بريطانى
ونقلت "الإندبندنت" عن أندرو ميتشل، الذى شغل منصب وزير التنمية الدولية البريطانى وقت التدخل العسكرى فى ليبيا عام 2011، قوله إنه "ليس من العدل إطلاقا، وغير صحيح تماما" اعتقاد أن كاميرون خسر تركيزه بشأن ليبيا.
وقال ميتشل: إن أوباما "لا يقدر الخطط الموضوعة لضمان الاستقرار فى ليبيا عندما توقف النزاع المباشر"، مضيفا "المشكلة كانت بالطبع أنه لا يوجد سلام حتى يتم فرض الاستقرار، ولهذا ظهرت ليبيا كتحد كبير".
غير أن جون بارون، النائب المحافظ الوحيد الذى صوت ضد التدخل البريطانى فى ليبيا أشار إلى أن "الرئيس أوباما محق، بشأن أن ليبيا فى حالة فوضى". وأوضح "لم نفهم تعقيدات الموقف، أو كيف ستتطور الأحداث بعد الصراع، ونقص المعرفة هذا تسبب مرة أخرى فى موقف أسوأ، بما يشمل ذلك من وجود متشددين مثل (داعش) فضلا عن أزمة اللاجئين".
تهدئة التوتر
وسعت لندن وواشنطن إلى تهدئة حدة التوتر الناجم عن تلك اللهجة الهجومية غير المعتادة من واشنطن على حلفائها، وأشارت شبكة "سى.إن.إن" إلى أن المتحدث باسم مجلس الأمن القومى الأمريكى حاول التخفيف من التعليقات. وقال نيد برايس، إن رئيس الوزراء البريطانى ديفيد كاميرون طالما كان شريكا مقربا من الرئيس أوباما، ونحن نقدر بشدة إسهامات المملكة المتحدة على صعيد الأمن القومى والسياسة الخارجية التى تعكس علاقتنا الخاصة والحيوية.
فيما أعرب مكتب كاميرون عن ترحيبه ببيان برايس، كما أعرب عن اتفاقه فى الرأى بأنه لا يزال هناك تحديات عديدة صعبة فى ليبيا، لكنه شدد على أن التدخل ومساعدة مدنيين أبرياء عانوا التعذيب والقتل على يد حاكمهم، كان قرارا سليما.