حين أطل خبر وفاة الدكتورة حكمت أبوزيد يوم 30 يوليو «مثل هذا اليوم 2011» فى وسائل الإعلام، استدعى الجميع قصتها كنموذج مشرق للمرأة المصرية التى تسبح ضد التيار، فهى صعيدية مولودة عام 1922 فى قرية «الشيخ داود» التابعة للوحدة المحلية بصنبو مركز القوصية بأسيوط.. وعلى الرغم من الظروف المعاكسة وقتئذ لإلحاق البنات بالتعليم، أصر والدها على تعليمها، وحسب رشاد كامل فى مقاله «حكمت أبوزيد أول وزيرة مصرية - صباح الخير - 14 يوليو 2018»: «كان تعليمها الابتدائى فى قرية ديروط الشريف ثم سوهاج، ثم الانتقال إلى القاهرة والالتحاق بمدرسة حلوان الثانوية، وقرأت فى مكتبة والدها ناظر محطة السكة الحديد كل خطب الزعيم مصطفى كامل ومؤلفات صادق الرافعى، وفى مدرسة حلوان الثانوية شاركت فى مظاهرة طالبات المدرسة ضد الاحتلال الإنجليزى ليتم فصلها».
أكملت تعليمها بمدرسة الأميرة فايزة بالإسكندرية، ثم التحقت بكلية الآداب قسم التاريخ وتلقت دعما معنويا كبيرا من الدكتور طه حسين، وبعد التخرج عملت مدرسة فى مدرسة حلوان الثانوية مدرستها السابقة، ثم سافرت لتحصل على الماجستير من استكلندا عام 1950 ودكتوراه فى علم النفس عام 1955، وتعرضت مصر للعدوان الثلاثى من بريطانيا وفرنسا وإنجلترا عام 1956، وتتدرب على حمل السلاح لتسافر إلى بورسعيد».
جاء مسارها فى المرحلة الجديدة لمصر مع ثورة 23 يوليو 1952، متوافقا مع آفاق الثورة للتغيير، وعن هذا يذكر الدكتور سعد الدين إبراهيم فى دراسته «المشروع الاجتماعى لثورة يوليو» المنشورة ضمن كتاب «مصر والعروبة وثورة يوليو» عن «دار المستقبل العربى - القاهرة»: «نص دستور 1956 أى بعد قيام الثورة بأقل من أربع سنوات، على مساواة المرأة بالرجل فى الحقوق السياسية، ومنها حق التصويت والترشيح للانتخابات العامة، وشغل الوظائف العامة على كل المستويات، وكان وقتها ثورة مصغرة حيث انطوى على نسف تقاليد وممارسات لم تتغير منذ ثلاثة عشرة قرنا، وكانت هذه هى المرة الأولى التى تحصل فيها المرأة فى أى مكان فى الوطن العربى على مثل تلك الحقوق، وفى انتخابات 1957 رشح عدد من النساء أنفسهن فى دوائر انتخابية وفاز معظمهن، وأصبح أول مجلس نيابى بعد الثورة، ولأول مرة فى تاريخ الحياة النيابية المصرية والعربية به خمس نائبات».
وعن قصتها كوزيرة يذكر «عمر طاهر» فى كتابه «صنايعية مصر»، أنها بدأت من اختيارها ضمن لجنة المائة لمناقشة الميثاق الوطنى الذى قدمه عبدالناصر عام 1962 كبرنامج عمل وطنى للمرحلة المقبلة، وفى المناقشات المذاعة على الهواء، بدت أفكارها لافتة، وقالت أمام عبدالناصر، إن حضور المرأة فى الميثاق ضعيف، والكلام عن دورها غير كاف، واعترضت على رفض ناصر لما أسماه المراهقة الفكرية القائمة على الحماس قائلة، إن الحماس شريك أساسى فى البناء، وكان ناصر يتابعها باهتمام ثم سحب ورقة وكتب شيئا.
يذكر «طاهر» رواية المستشار محمد الصياد زوج حكمت أبوزيد له عن هذا الموقف: «كتب عبدالناصر شيئا فى الورقة وعندما رفعها فى الضوء استطعت أن أقرأ ما كتبه بالعكس فوجدته «د. حكمت أبوزيد»، فى البداية شعرت بالقلق، لكن نظرته «عبدالناصر» التى كانت لا تخلو من حنو وإنسانية جعلتنى أستبشر خيرا، سافرنا بعدها إلى رأس البر ففوجئنا بمأمور المركز يقول لنا: سيارة من رئاسة الجمهورية تبحث عنكم.. حملتنا السيارة إلى مكتب على صبرى الذى أخبرنا بتعيينها وزيرة للشؤون الاجتماعية، وكانت الوزارة برئاسته.
يستكمل «طاهر»: «لم تكن مهمتها كأول وزيرة فى مصر سهلة، جابت مصر تزور البيوت دون سابق ترتيب، كانت تتحسس احتياجات المجتمع، من هنا جاء دورها كصنايعية مؤسسة لشكل العمل الاجتماعى ودعم المرأة الذى ستسير عليه مصر الحديثة فيما بعد.. أسست مشروعات مهمة، محو الأمية، الرائدات الريفيات، الأسر المنتجة، قانون عمل المنظمات الأهلية، مؤسسات رعاية الأطفال، وعندما تعرض أهل النوبة للغرق بعد تعلية خزان أسوان كان لابد من تهجيرهم إنقاذا لهم، تولت المسؤولية، أعدت دورات تدريبية للنوبيات فى كيفية ترتيب أشيائهن قبل الهجرة حتى القطط والطيور، وأشرفت على أن يحافظ المكان الجديد على كيان وبنيان المجتمع النوبى مضافا إليه المدرسة والمستشفى، كانت تجربة ناجحة لدرجة جعلت ناصر يقول: «أبوزيد نجحت فى تعبئة مجتمع بالكامل سياسيا واقتصاديا واجتماعيا من أجل النوبة». بعدها أطلق عليها لقب «قلب الثورة الرحيم».
عادت للعمل فى الجامعة بعد رحيل عبدالناصر، وسافرت إلى ليبيا بعد سجن رجال عبدالناصر فى أحداث 15 مايو 1971، وعارضت السادات بضراوة بسبب السلام مع إسرائيل، فتم اتهامها بالخيانة والعمالة، ومنعت من تجديد جواز سفرها المصرى، حتى قرر مبارك عودتها إلى مصر فى بداية التسعينيات، واستقبلها أحد الوزراء فى المطار، ومن المطار توجهت لزيارة قبر جمال عبدالناصر.