أثار مشروع القانون المقترح من النائب مصطفى بكرى زيادة ضريبة الدخل على الأفراد الذين يزيد دخلهم عن مليون جنيه إلى 30%، الكثير من اللغظ والانتقادات والمخاوف، ولكن الأمر لن يحسمه سوى انعقاد الدورة الرابعة من البرلمان التى ينوى النائب أن يتقدم خلالها بمشروع القانون.
المشروع المقترح جاء بناء على مقترح من رجل الأعمال محمد فريد خميس رئيس اتحاد المستثمرين، ولكنه ليس الأول، فقد تقدم بنفس هذا المقترح من قبل أكثر من مرة، ولكن فى كل مرة يواجه بالرفض خوفا من التأثير السلبى على مناخ الاستثمار.
نظام الضريبة على الدخل المعمول بها فى مصر هى ضريبة تصاعدية على الأفراد بالفعل، حيث تخضع لشرائح حسب الدخل بداية من نسبة 10% للأفراد الذين يزيد دخلهم عن 80 آلف جنيه سنويا وحتى 30 ألف جنيه، وتتدرج الضريبة ارتفاع كلما زاد الدخل وصولا لأعلى نسبة تفرض بواقع 22.5% على من يزيد دخله عن 200 ألف جنيه، أما بالنسبة للشركات فتخضع لسعر ضريبى موحد 22.5%.
المقترح الذى أعلنه بكرى يتضمن فرض ضريبة على من يزيد دخله على مليون جنيه بسعر 30% ولو لفترة مؤقتة لم يحدد مدتها، ولكنها ليست المرة الأولى حيث أصدر الرئيس المؤقت عدلى منصور قرارا بقانون فى يونيو 2014 بفرض ضريبة مؤقتة على الدخل بنسبة 5% لمن يزيد دخله عن مليون جنيه لمدة ثلاث سنوات، وصفت وقتها بضريبة الأغنياء، ولكن لم يتم تطبيقها سوى لعام واحد فقط ثم تم إلغائها بعد اكتشاف عدم جدواها ووجود صعوبات فى تنفيذها، خاصة وأن "الأغنياء" الخاضعين للضريبة اعتبروا هذه الضريبة المؤقتة من التكاليف واجبة الخصم وتم خصم ما دفعوه من قيمة ضريبة الدخل المستحقة عليهم سنويا، وبالتالى لم يكن هناك حصيلة حقيقية من الضريبة.
الحديث عن مطالبة بفرض ضريبة تصاعدية ليس واقعيا، لأن المطبق فى مصر على الأفراد هى ضريبة تصاعدية بالفعل، أى أنها مقسمة لشرائح حسب الدخل، فكلما زاد الدخل زادت نسبة الضريبة المطبقة، كما ان الحديث عن زيادة نسبة الضريبة أمر مثير جدا للجدل حول الجدوى الحقيقية.
ففى الوقت الذى اعترضت فيه لجنة الاستثمار بمجلس النواب على زيادة سعر الضريبة، اعلنت لجنة الخطة والموازنة حاجتها لدراسة الأمر بصورة جيدة مع وزارة المالية المعنية بملف الضرائب، ولكن يبقى السؤال: هل تضر زيادة الضرائب بفرص الاستثمار؟ وهل تتجه دول العالم لزيادة الضرائب لجلب المزيد من الموارد، أم تلجأ للتخفيض لجذب استثمارات أو منعا لهروب رؤوس أموال شركاتها لدول الملاجئ الضريبية؟.
الاتجاه العالمى حاليا هو تخفيض الضرائب على الدخل خاصة بالنسبة للشركات، حيث قامت فرنسا على سبيل المثال بتخفيض الضرائب، ويدرس ترامب تخفيضات جديدة بالضرائب الأمريكية، سعيا لمنع الشركات من الانتقال برؤوس اموالها وأرباحها للخارج إلى دول تفرض ضرائب منخفضة أو لا تفرض ضرائب من الأساس.
عبد الله العادلى مستشار الضرائب بمكتب برايس ووتر هاوس كوبرز، يؤكد رفضه لأى زيادة فى سعر الضريبة، قائلا: "كفاية تعديلات ضريبية.. الحكومة تحصل الضرائب من نفس الممولين، عليا توسيع قاعدة المجتمع الضريبى وتحصيل الضرائب من الاقتصاد غير الرسمى".
ويرى العادلى أن سعر الضريبة فى مصر مناسب جدا، خاصة وأن سعر الضرائب على الدخل فى الدول العربية والدول المجاورة منخفضة، وبعضها لا يفرض ضرائب دخل من الأساس.
ما نحتاجه اليوم ليس زيادات جديدة فى الضرائب وإنما إرساء الثقة بين الحكومة والممولين لتحصيل الضرائب من الجميع، بحسب العادلى.
وأجرت مصر أكبر تخفيض فى سعر الضريبة على الدخل من 40 إلى 20% عام 2005، ضمن مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية التى اتخذتها الحكومة فى تلك الفترة، وهو ما وصفه تقرير صادر عن منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية لتقييم مناخ الاستثمار، ان هذه الاصلاحات أسفرت عن زيادة تدفقات الاستثمار الأجنبى المباشر فى القطاعات غير البترولية من 30 إلى 60% بفضل هذه الإصلاحات وذلك خلال الفترة من 2001 إلى 2006.
وطال قانون الضرائب على الدخل الصادر عام 2005 كبير جدا من التعديلات من صدوره، فرغم تخفيضه سعر الضريبة على على الشركات من 40 إلى 20%، فقد تم تعديل سعر الضريبة أكثر من مرة لترتفع على 25% ثم تنخفض إلى 22.5%.
من ناحية أخرى يوضح الدكتور مصطفى عبد القادر خبير الضرائب الدولية بالأمم المتحدة ورئيس مصلحة الضرائب الأسبق، أن المقارنة بين الدول من حيث سعر الضريبة ليس صحيحا، ولكن التقييم يتم على أساس معدل الضريبة الفعلى، فقد تكون دولة تفرض ضرائب نسبتها مرتفعة ولكنها تخصم مثلا تكاليف الرعاية الصحية والتعليم والأعباء العائلية، فهنا يكون عبء الضريبة على الأسرة أقل من دولة تفرض سعر ضريبة منخفض ولكنها لا تخصم هذه الأعباء من وعاء الضريبة.
وشدد عبد القادر على أن الالتزام الضريبى هو أهم ما يجب أن تنظر إليه الحكومة، لأن زيادة الضرائب يؤدى لارتفاع معدلات التهرب، وزيادة الحصيلة الضريبية لن تتحقق بزيادة سعر الضريبة وإنما بزيادة الالتزام بسداد الضريبة.
وقال عبد القادر، إن مجلس منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية، ومجلس الوحدة الأوروبية سيعيد تقييم النظم الضريبية فى العالم، لافتا إلى أن التوجه العالمى هو تخفيض سعر الضرائب مدللا على الولايات المتحدة الأمريكية التى خفضت الضرائب إلى 21% على الشركات من 35% فى السابق، وهو القانون الذى أقره الكونجرس فى نهاية 2017.
وخفض القانون الأمريكى الجديد نسبة الضرائب على الشركات إلى أقل من المتوسط العالمى وهو حوالى 22.5%، لأول مرة منذ عقود، حيث كانت أمريكا تفرض ضرائب الدخل بنسب من أعلى من النسب العالمية وتتبع نظامًا تصاعديًا فى الضريبة بحسب الدخل، وكان سعر الضريبة المرتفع سببًا رئيسيًا فى قيام العديد من الشركات الأمريكية الكبرى بالتحايل على القانون بنقل مقراتها الرئيسية إلى دول تفرض ضرائب منخفضة "الملاذات الضريبية" حتى تدفع أقل قدر ممكن من الضرائب سنويًا.
قانون الضرائب على الدخل رقم 91 لسنة 2005 تعرض لأكثر من 17 تعديلات منذ صدوره، ويتخوف الخبراء من كثرة التعديلات التى تؤثر على قرارات الاستثمار، فما نحتاجه اليوم هو مزيد من الاستقرار التشريعى، مع تحسين أداء الإدارة الضريبية لتتمكن من تحصيل الضرائب من الاقتصاد غير الرسمى بالقوانين الحالية.