تعددت فى الأونة الأخيرة جرائم القتل، والمشاجرات العنيفة التى تقع تحت مسمى خلافات الجيرة، وبالرغم من أن علاقة الجيرة فى المجتمع المصرى ذات طبيعة خاصة، وتلقى احتراما بين طرفيها، إلا أن تلك العلاقة أصبحت تتأثر سلبا، وينتج عن ذلك التأثير تلك الجرائم.
وخلال شهر يوليو الماضى فقط، تم تسجيل 20 محضر بدفاتر أقسام الشرطة، لجرائم وقعت بسبب خلافات الجيرة، وهى التى تم الإعلان عنها ونشرها بوسائل الإعلام، ومنها قتل عامل لجاره بطعنه بسكين بسبب خلافات الجيرة بالمطرية، حيث سدد له طعنة نافذة أسفل الصدر من الجهة اليسرى، بالإضافة إلى إصابته بجروح برأسه ويده اليمنى، ليلقى رجال المباحث بمديرية أمن القاهرة القبض عليه، وتأمر النيابة بحبسه على ذمة التحقيق.
وفى منطقة العياط بمحافظة الجيزة، شرع سائق فى قتل جاره "عامل" بطعنه بسكين، بسبب الخلاف على كسر ماسورة صرف صحى بالشارع الذى يقيمان به، ليتم نقل المصاب إلى المستشفى فى حالة حرجة، والقبض على المتهم لتأمر النيابة بحبسه على ذمة التحقيق.
كما شهدت إحدى قرى مركز كوم حمادة بالبحيرة، جريمة قتل راح ضحيتها سائق توك توك على يد شقيقه، حيث طعنه بسكين، بعد مشاجرة بينهما، بسبب معاتبة المجنى عليه للمتهم على التشاجر الدائم مع جيرانه والاعتداء عليهم.
وأمرت نيابة مركز كرداسة بالجيزة، بحبس ربة منزل وشقيقتها، لاتهامهما بتزوير تقرير طبى ضد جارهما للانتقام منه بسبب خلافات متعلقة بالجيرة، حيث حاولا إلصاق اتهام به مدعين إصابته لإحداهما بنزيف بالمخ، إلا أن رجال المباحث اكتشفوا تزوير التقرير الطبى، وتم ضبط المتهمتين وحبسهما على ذمة التحقيق.
وفى محاولة لتحليل أسباب تلك الجرائم يقول الدكتور إبراهيم عز الدين خبير علم اجتماع، أن علاقات الجيرة أساسها المودة والحب والإحترام المتبادل بين الجيران، وأن أى خلل يصيب تلك العلاقة، يؤدى إلى إحداث شرخ بجدار المجتمع، لذلك كان هناك اهتماما من جانب الأديان السماوية باحترام تلك العلاقة والإيصاء بها خيرا.
وأضاف عز الدين، أن التقاليد والأعراف الاجتماعية الخاصة بنا، تتكفل أيضا بحقوق الجيرة، وتدعوا إلى احترامها وعدم اعتداء الشخص على حق جاره، وهناك العديد من الأمثال الشعبية التى تشرح طبيعة تلك العلاقة، ومنها "اختار الجار قبل الدار"، والجار للجار ولو جار، وجارك القريب ولا أخوك البعيد، وهى أمثال شعبية تؤكد مدى اهتمام المجتمع بحقوق الجيران، وتبادل الاحترام والمودة.
وذكر عز الدين، أن الأونة الأخيرة وقعت العديد من الجرائم الناجمة عن خلافات بين الجيران، وهى جرائم تصل فى كثر من الأحيان إلى القتل، وخصومات تستمر سنوات طويلة، ناتجة عن افتقاد العلاقة بين كثير من الجيران حاليا إلى طبيعتها من تعارف وتقارب، حيث أصبح الجار يجهل جاره المقيم بالشقة المجاورة له، ولا يسعى إلى التعرف عليه، تطبيقا للمثل الشعبى القائل "صباح الخير ياجارى، إنت فى حالك وأنا فى حالى.
وأكد عز الدين، أن العلاقات الضعيفة بين الجيران تنتشر أكثر بالمدن، بعكس ريف وصعيد مصر، حيث ما زالت روابط الجيرة متماسكة إلى حد كبير، مضيفا أنه على وسائل الإعلام ضرورة التوعية ونشر أهمية الترابط بين الجيران، للوصول إلى مجتمع متماسك، مع نشر ثقافة تبادل المودة بين الجيران بالمساجد والكنائس والمدارس.
ومن جانبه قال الدكتور جمال فرويز أستاذ الطب النفسى، أن المجتمع بحاجة لثورة ثقافية، وسيطرة على الإعلام المرئى، من خلال عودة الإنتاج السينمائى والتليفزيونى الحكومى لمواجهة تلك الجرائم، وإعادة العلاقة بين الجيران لمعناها الحقيقى المتعارف عليه سابقا.
وأكد فرويز، أن الضغوط الحياتية التى يعانى منها المواطنين، ليست مبررا للجرائم التى ترتكب بين الجيران، بسبب خلافات لأسباب واهية، حيث أن الشخص الذى يمتلك ثقافة وأخلاق حميدة، من شأنها حمايته من تلك الضغوط، ومنحه القوة لمواجهتها.
وأضاف فرويز، أن التربية الأسرية لها دور كبير فى تنمية قيمة احترام الجيران فى نفوس المواطنين، بالإضافة إلى أن التوعية بها بالمدارس ستساهم فى تنشئة جيل يحترم جيرانه، ويعلى من شأن تلك العلاقة.
وقال اللواء رشيد بركة مساعد وزير الداخلية السابق والخبير الأمنى، أن هناك العديد من الجرائم التى ترتكب تحت مسمى خلافات الجيرة، وهى جرائم متكررة بصفة دائمة، حيث تتمثل تلك الخلافات مثلا فى ركن مواطن لسيارته أمام منزل جاره، أو قيام مواطن بــ" رش المياه" أمام سكن جاره، أو ضرب طفل صغير لجاره أثناء اللهو، حيث يبدأ الخلاف بنشوب مشادة كلامية، ينتهى بمشاجرة عنيفة يسقط خلالها قتلى ومصابين.
وأضاف بركة، أنه لتحاشى انتشار تلك الجرائم، يجب على المواطن الذى يتعرض لاعتداء من جانب جاره، بالتوجه إلى قسم الشرطة واللجوء للقانون للحصول على حقه، وعدم استخدام القوة لاسترداد ما يراه حقه، حيث أن الاحتكام للقانون يؤمن العدالة التى يسعى لها طرفى الخلاف، ويؤدى إلى عدم انتشار تلك النوعية من الجرائم.