فتنة السيجارة تاريخ من الوهج والخسارة.. نقلها كولومبوس عن الهنود الحمر.. وأدمنها الرؤساء والفنانون.. وحرّمها الإسلام ورفضتها الكنيسة.. محمد على باشا يحتكر زراعة التبغ.. ونساء الخديو إسماعيل عاشقات لـ"

عباس حلمى «ملك الدخان» - الحضارات القديمة اعتبرته طارداً للأرواح الشريرة.. والمسيحية جرمته.. ودار الإفتاء: «حرام شرعاً» -جمال عبدالناصر كان يدخن 60 سيجارة فى اليوم وقال لوكيل وزارة الخارجية الأمريكية: «فلقتونا.. كل يوم نوع شكل».. والسادات عشق تدخين «البايب» -كوكب الشرق تقاطع إذاعة «الشرق الأوسط» بسبب تصريحات الأديب عن التدخين فى حفلاتها.. وفاتن حمامة وعزالدين ذوالفقار يروّجان للسجائر.. و«حليم» يمنع السجائر عن جمهوره «فى مطلع القرن العاشر الهجرى حسمت مشكلة تحريم القهوة أو تحليلها، وانتشرت فى القاهرة الأماكن التى تقدمها وأطلق عليها المقاهى، ولم يكن الدخان معروفًا حتى القرن الحادى عشر الهجرى، وحدد الإسحاقى تاريخ ظهور الدخان سنة 1012 هجرية، غير أن مشكلة التدخين كانت أكثر تعقيدًا، فقد تمسك كثير من فقهاء المسلمين بتحريمه، وأصدر الوالى أوامره بمنع تعاطى الدخان فى الشوارع والدكاكين، وشدد بالإنكار والنكال بمن يفعل ذلك»، هكذا كتب الأديب الكبير الراحل جمال الغيطانى عن التدخين وبدايته فى مقدمة كتابه «ملامح القاهرة فى ألف سنة». أزمات تلى أزمات، إنه الوصف الأدق عن حال التدخين عبر التاريخ، فإذا كان الحديث حاليًا عن أزمات ومخاطر صحية يسببها الدخان على صحة المدخن، وتعرضه لأمراض خطيرة تسبب الوفاة، فالأزمة أيضًا لها بعد تاريخى، وجانب أكثر عمقًا فى التاريخ الإنسانى، وربما تجاهلها يسبب أزمة أخرى، لكنها ليست صحية هذه المرة، لكنها حضارية وثقافية. وبالحديث عن التدخين ورحلته فى البدايات، وصولًا إلى أشكاله المختلفة فى العصور الحديثة، نقدم فى هذا الملف.. حكايات عن علاقة الأوائل بالتدخين، وكيف تعاملت معه الحضارات القديمة بالتقديس، وحرمته الأديان الإبراهيمية، وكيف تسبب فى أزمات ومعارك سياسية. كما يتناول الملف علاقة الرؤساء بالتدخين، بدءًا من تدخين السجائر وحتى السيجار، فضلًا عن تأثيراته على الفنانين، وعلاقتهم بالسيجارة بين التعلق والمنع. اللى بنى مصر «الحديثة» كان فى الأصل «دخاخنى» يعرف الجميع محمد على باشا كونه مؤسس مصر الحديثة، ويهتم الكثيرون من الباحثين والمؤرخين بالكشف عن مناطق قوة وجبروت ومكر محمد على باشا، وفى أثناء بحثهم يشيرون بأصابع قوية إلى كونه «تاجر تبغ»، كأن هذه المهنة هى التى صنعت شخصيته وصنعت مجده أيضًا. فى البداية علينا التأكيد على أن مصر عرفت التدخين منذ زمن، يقال إن أول من أدخله إليها رجل يسمى أحمد الخارجى، مغربى الأصل، كما قامت بزراعة التبغ فى الفيوم فى عام 1799، بعد مجىء الحملة الفرنسية إلى مصر 1798، وكان الناس يمضغون «التبغ»، لكن ما فعله محمد على باشا كان شيئًا آخر مختلفًا. الكاتب نشأت الديهى له كتاب مهم اسمه «محمد على باشا.. تاجر التبغ على عرش مصر»، يرصد فيه قصة حياة محمد على وتاريخه وصراعاته، منطلقًا من تجارته، يقول: «أراد حاكم قولة أن يزوج محمد على من إحدى السيدات الثريات من قرية نصرتلى المجاورة لقولة، كانت تلك السيدة هى أمينة، ابنة على أغا شاهر، الذى توفى مخلفًا وراءه ثروة طائلة ورثتها أمينة، وقد نجح حاكم قولة فى إقناع محمد على بهذه الزيجة، وخلال فترة وجيزة تم الزواج وانتقل محمد على للإقامة فى نصرتلى، مقر إقامة أمينة زوجته، ولأول مرة يغادر مدينة قولة مسقط رأسه ومستودع ذكرياته الجميلة، ومن نصرتلى بدأ محمد على رحلته مع تجارة التبغ من خلال صديق فرنسى، وأصبح كثير الترحال والتنقل بين مدن المنطقة والمناطق المجاورة لإدارة تجارته التى درت عليه أموالًا طائلة». المهم أن محمد على جاء إلى مصر عام1800 بعدما استعان به حاكم قولة على رأس 300 فارس لمشاركة الجيش العثمانى فى حربه ضد الجيش الفرنسى فى مصر، وبعد سنوات قليلة صار هذا التاجر واليًا على مصر، وبدأت مرحلة جديدة فى حياة الجميع، وقد قاده ذكاؤه الفطرى وحسه التجارى إلى التنبه إلى التفكير فى التبغ المصرى، لذا احتكر الصناعة فى أوائل القرن الـ 19، وعمل على انتشار زراعة التبغ فى أنحاء البلاد، وذاع حينها صيت التبغ المصرى عالميًا، كما ذاع صيت محمد على كأحد أكبر تجار التبغ فى العالم حينها، وصدرت مصر لدول الشرق الأوسط التبغ والمعسل، ومن أشهر تلك المصانع التى اشتهرت تلك الفترة فى صناعة التبغ، سجائر «جياناكليز» و«كيريازى فريريز»، فضلًا عن صناعة المعسل، وأظهرت الكثير من الرسومات المنقوشة على جدران قلعة الجبل «قلعة صلاح الدين» الوالى محمد على وهو يُدخن التبغ والمعسل. كان هذا قبل أن يصدر محمد على باشا فرمانًا بزراعة التبغ بسوريا وتركيا وحظر زراعته فى مصر، لأن التربة المصرية لم تكن تخرج تبغًا جيدًا، ويقول المؤرخ أحمد أحمد الحتة فى كتابه «تاريخ الزراعة فى عهد محمد على الكبير»، إن التبغ المصرى هو من أردأ أنواع الدخان، والفلاح المصرى كان يزرع الدخان ليشبع حاجته الضرورية، وفى عهد محمد على باشا كان المصريون يزرعون الدخان فى الوجهين البحرى والقبلى، وكان يزرع على جروف النيل والترع، وكان الأغنياء يفضلون تعاطى الدخان الوارد من بلاد الشام لجودته عن الدخان المصرى، خلاف الفقراء الذين كانوا مجبرين على تعاطى الدخان المصرى. أبناء وأحفاد فى سحابة دخان لم يكن محمد على وحيدًا فى حبه للدخان أو تجارته له، بل كان إبراهيم باشا أثناء حملته على الجزيرة العربية قد خصص لـ«التتن» خازنًا خاصًا تتوفر لديه الكمية الكافية من التبغ والمجامر أو الغليون بأعداد كافية له ولحملته. نساء إسماعيل يشربن الأرجيلة ظهرت نساء الخديو إسماعيل فى لوحات وهن يشربن الأرجيلة، كما أنه قبل الحرب العالمية الأولى انتشرت السجائر بأنواع مختلفة، وكانت بطعم العرقسوس والنعناع وغيرهما، بل انتشر التدخين فى فئة السيدات فى الطبقات الثرية، حيث كانت أشهر المدخنات فى مصر هى الأميرة ناظلى فاضل، حفيدة إبراهيم باشا. عباس حلمى الثانى.. ملك الدخان أما الخديو عباس حلمى الثانى، ابن الخديو توفيق، فقد اهتم بصناعة وإنتاج السجائر حتى تم تلقيبه بملك الدخان. قام حلمى الثانى بإنشاء الكثير من المصانع، حتى أنه أنشأ مصنعًا لإنتاج السجائر فى بلجيكا، وفى هذه الفترة ظهر أكثر من 100 ماركة من السجائر المتنوعة التى كانت باسم رجال مشهورين، مثل سجائر «ماسبيرو»، التى تم إطلاقها على رجل الآثار الشهير. وكانت هناك ماركات عالمية تُرسم عليها معالم مصر والقاهرة فى ميلانو بإيطاليا، ويتم بيعها وتسويقها فى أوروبا، فيما شهدت مصر فى نهايات القرن التاسع عشر إنشاء الكثير من المصانع على يد اليونانيين والأرمن، مثل مصنع سركسيان للدخان وغيره. التدخين من القداسة إلى التحريم «التدخين ضار جدًا بالصحة ويسبب الوفاة».. ربما تكون تلك العبارة هى الأكثر شهرة لدى مدخنى السجائر، وهى الجملة المكتوبة على كل علب السجائر المصرية والأجنبية، تحذيرًا من خطر التدخين، مصحوبة بكلمة «التدخين حرام شرعًا،» تلك المقولة التى ظهرت فى بداية الألفية الجديدة للتأكيد على حرمانية تدخين التبغ، لما يسببه من متاعب صحية وجسدية. وعلى الرغم من تحريم الأديان الإبراهيمية للتدخين، والتحذير من تعرض الإنسان للخطر إذا قام بالتدخين، فإن ما لا يعلمه الكثيرون أن التدخين مر برحلة طويلة من التقديس إلى التحريم، فرغم أن الأديان الإبراهيمية، مثل الإسلام والمسيحية، تحرم التدخين، فإن ظهور تدخين التبغ نفسه عُرف على أساس دينى، وكان طقسًا مهمًا من الطقوس الدينية لدى العديد من الثقافات والحضارات القديمة. وبحسب كتاب «المكيف الحلال» للكاتب أحمد على الشحات، فإن التبغ الذى انتشر مع اكتشاف كولومبوس للقارة الأمريكية، وعرف عن الهنود الحمر أنهم كانوا يستعملون مسحوق ورق التبغ على هيئة «النشوق»، وأنهم أخذوا عادة التدخين عن رجال الدين الذين كانوا يغذون النار التى يشعلونها داخل معابدهم به، تقربًا إلى الآلهة، كما كانوا يمسكون فى أيديهم بأنابيب ينبعث منها دخانه، ويطلقونه فى اتجاه الشمس والجهات الأربع، ولهذا يقال إن التدخين نشأ فى الأصل فى الطقوس الدينية وليس للمزاج الشخصى. ووفقًا لما ذكره الكاتب السوسى أحمد فى دراسته «القاتل المحترف.. التدخين»، فإن الرحالة كريستوفر كولومبوس، وبحارته الذين رافقوه فى رحلته الاستكشافية إلى القارة الأمريكية، رأوا كيف كان الهنود الحمر يلفون أوراق التبغ، ثم يشعلون فيها النار، ويستنشقون أبخرتها، وكانوا يحرقونها أيضًا فى المناسبات الدينية، اعتقادًا منهم بأنه يطرد الأرواح الشريرة. لكن المسيحية كان لها موقف رافض للتدخين، وكان رجال الدين المسيحى أول من اتخذوا موقفًا يحرم تدخين التبغ، فبحسب ما ذكره كتاب «القاتل المحترف.. التدخين» للكاتب السوسى أحمد، فإن أول رجل شوهد فى أوروبا يدخن هو البحار رودريجوى هرتس، وهو إسبانى رافق كولومبوس فى رحلته التى اكتشف فيها أمريكا، ولما عاد أحضر معه بعض أوراق التبغ، ولما رآه أهل بيته ينفث الدخان من أنفه، وكان كاثوليكيًا، أبلغوا به ديوان التفتيش «محاكم كنسية كاثوليكية فى القرون الوسطى»، وقالوا إنه رجل يبتلع النار من فمه ويقذف الدخان من أنفه، فلابد أن يكون فيه شيطان. وأول ما ظهرت نبتة التبع استقبلتها السلطات الدينية المسيحية بالرفض، وصنفتها مع سائر المحرمات، وقد اتخذ تحريم التدخين أشكالًا متعددة من تحريم دينى إلى النفى وفرض الضرائب، بل وصلت العقوبات فى بعض الأحيان إلى عقوبة الإعدام. ويشير الكاتب إلى أن ملوك إنجلترا هم أول من منعوا زراعة التبع ومنعوا الشعب من التدخين، لأنه يضر المخ والصدر، وكان الملك جيمس الأول، ملك بريطانيا، أول من حذّر من أضرار التدخين على الرئتين عام 1605. وفى عام 1624 أصدر البابا أوربان السابع مرسومًا بابويًا يحرم فيه على أبناء الطائفة المسيحية الكاثولكية التدخين، كما أن معظم الكنائس المسيحية الإنجيلية تنصح أعضاءها ليس بعدم التدخين، بل بالامتناع عن ممارسة أو الاشتغال بالتبع، بينما يتفق أغلب المؤسسات الإسلامية مع نظيرتها المسيحية فى تحريم التدخين، وعلى رأسها دار الإفتاء المصرية، التى أصدرت أكثر من بيان يؤكد حرمانيته. التدخين والسلطة.. رؤساء وقعوا فى غرام التدخين تحتفظ الذاكرة المصرية البصرية بالعديد من المشاهد للرؤساء ورموز السياسة، وتعلقهم بشراهة التدخين، الذى يرافقهم أينما ذهبوا، كالحارس الشخصى، الذى قلما يظهر فى أحاديثهم مثلما تظهر «السيجارة» فى أيديهم. فإذا ما سألت أحدًا عن رؤساء مصر، أو أشهر رموز السياسة المدخنين، فلن يجد صعوبة فى سرد أسمائهم، ليقول لك: «الملك فاروق، جمال عبدالناصر، محمد نجيب، أنور السادات»، لكن إذا ما سألته: هل كان الرئيس السابق محمد حسنى مبارك من المدخنين أم لا؟ فربما لا تجد جوابًا لديه. الرئيس جمال عبدالناصر، الذى عرف بأنه مدخن شره، ظل يدخن يوميًا أكثر من 60 سيجارة بحسب عبدالمجيد فريد، أمين عام رئاسة الجمهورية، وكان له موقف مع التدخين، فالزعيم الراحل الذى كان يدخن سجائر ماركة «كنت» ثم «فيليب موريس»، حدث أثناء لقائه بوكيل وزارة الخارجية الأمريكية، مستر «تالبوت»، أنه أبلغ الزعيم بأن «فيليب موريس» أنتجت نوعًا جديدًا من السجائر به «فلتر» يحتوى على طبقة من الكربون لتقليل نسبة النيكوتين، فما كان من الزعيم إلا أن قال له: «فلقتونا.. كل شوية تطلعوا سجاير شكل، وتقولوا لنا نسبة النيكوتين كام، وكل الحكاية إن ده كله غاز بيطلع فى الصدر ويبهدله». ومن مواقفه الشهيرة أيضًا مع التدخين، حينما قرر جمال عبدالناصر الإقلاع تمامًا عن التدخين فى عام 1968، بعدما عاد من رحلة علاج فى موسكو، وأوصاه الأطباء بالإقلاع نهائيًا عن التدخين، فقال للطبيب: «لم يخبرنى أحد بذلك، وعلى العموم هذه ستكون آخر سيجارة أشربها»، وبالفعل امتنع عبدالناصر عن التدخين حتى وفاته. أما عن الرئيس الراحل محمد أنور السادات، فعشق «الغليون»، وكان دائمًا ما يظهر بها فى المناسبات الرسمية، أو خلال جلساته العملية والعائلية، وكان السيدة جيهان السادات أرملة الزعيم محمد أنور السادات قد ذكرت أن زوجها كان يعشق التدخين عبر «البايب»، حيث كان يعتبره المتعة الوحيدة فى الحياة، رغم نصائح الكثيرين له بالامتناع عنه فى الحياة العامة، والاكتفاء بالظهور به داخل منزله، وذلك لأنها كانت تقود حملة موسعة ضد التدخين. ومن مواقف رؤساء مصر مع التدخين التى لا يعلم عنها أحد شيئًا، إلا من كان قريبًا منهم، يخبرنا الكاتب الصحفى الكبير الراحل محمد حسنين هيكل فى كتابه «مبارك وزمانه»، عن المرة الأولى التى عرف فيها أن مبارك يدخن السيجار، وكان ذلك فى أول لقاء بين «هيكل» و«مبارك» فى سنوات حكمه الأولى. يقول «هيكل»: «سألنى مبارك: ألا تريد أن تدخن سيجارًا؟، أنا أعرف أنك من مدخنى السيجار، وأنا مثلك، وأبديت الدهشة، فقال إنه لا يظهر فى الصور بالسيجار لكى يتجنب القرشنة! لكنه يدخن سيجارًا واحدًا كل يوم، ثم ضغط على جرس يطلب صندوق السيجار». ويروى «هيكل» أنه حينما جاء صندوق السيجار مع أحد الضباط «طلب مبارك تقديمه إلىّ بالإشارة، وأخذت منه سيجارًا، وأخذ هو سيجارًا، ثم سألنى وهو يرانى أشعل عود كبريت: سيجار كويس؟!». يقول «هيكل»: «قلت بكل احترام، الحقيقة إنه مقبول، فقال مبارك باستنكار: إيه؟، هذا روميو وجوليت، فقلت إن الشركة التى تنتج سيجار روميو وجوليت تنتج أكثر من 75 نوعًا بعلامتها، وكل نوع منها مختلف عن الآخر، وسأل مبارك باهتمام: أمال إيه بقى السيجار الكويس؟». ويشير «هيكل» إلى أنه طلب بعد استئذان مبارك أن يأتى سائقه بعلبة السيجار التى تركها فى سيارته لاعتقاده بأن مبارك لا يدخن، ويضيف: «وجاءت العلبة وعرضت على الرئيس مبارك أن يتفضل، فأخذ واحدًا منها أشعله، وكانت ملاحظته: والله أحسن فعلًا، غريبة جدًا!». ويشير «هيكل» إلى أن «مبارك» طلب منه أن يقوم بإملاء أحد الضباط «كل أنواع السيجار الكويس»، وحين أخبره «هيكل» بأن لكل نوع من السيجار مذاقه الخاص، قال مبارك: «معلش مليه كل الأنواع الأبهة»، وبالفعل جاء أحد الضباط بورقة وقلم، وكتب وراءه ما يمليه عليه، وحينها قال له «مبارك» ضاحكًا: «يا أخى عاوزين نتعلم العز». ويرى «هيكل» أن «مبارك» قال له: «عندما كنا نتدرب فى الاتحاد السوفيتى كطيارين، كنا نشترى هذا السيجار الذى لم يعجبك، ونبعث به إلى قادة السلاح، وكانوا يعتبرون ذلك فخفخة». مصر وكينيا.. هذه الأزمة سببها السجائر فى سبتمبر 2011 كنت فى زيارة لكينيا، وكانت لى جلسة مع مسؤولين مصريين وكينيين، تناولت العلاقات الثنائية، وكانت الأجواء هادئة عكس العلاقات التى كانت مضطربة حينها، بعدما قررت كينيا أن تنضم إلى الدول الموقعة على اتفاق «عنتيبى» لدول حوض النيل، وهو الاتفاق الذى رفضته مصر والسودان، باعتبارهما دولتى مصب، وستتضرران من بنود الاتفاق الجديد الذى سعت له حينها إثيوبيا، ودعمتها أوغندا وتنزانيا ومعهما كينيا. دار الحديث عن العلاقات الاقتصادية، وهنا أثار مسؤول كينى نقطة فى غاية الأهمية، حينما قال إن مصر لم تعد تنظر لنا كشركاء تجاريين، وابتعدت عنا، وسبب ذلك لكينيا وغيرها من الدول الأفريقية ضررًا شديدًا، وتحدث أن كينيا من أهم منتجى الشاى والبن والتبغ فى أفريقيا والعالم، وكانت مصر من أهم مستوردى المواد الثلاث من كينيا، علمًا بأن الاقتصاد الكينيى يقوم على زراعة الثلاثى الذى يدر دخلًا كبيرًا، وحينما قررت مصر فجأة تغيير وجهتها الاستيرادية، واتجهت إلى دول أمريكا اللاتينية، كان على كينيا- كما قال المسؤول الكينى- أن تعيد تقييم موقفها من مصر، وربما يكون هذا التقييم هو الذى تسبب فى ولوج كينيا الموقف المتشدد ضد مصالح مصر المائية. ما قاله المسؤول الكينى ظل يتردد فى ذهنى طويلًا، فكيف حدث ذلك، ولمصلحة منا يحدث ذلك، خاصة أن لمصر علاقات اقتصادية متشعبة فى أفريقيا، وكانت شركة «النصر للاستيراد والتصدير» الذراع الاقتصادية القومية فى القارة السمراء، فلماذا تراجع أداؤها وتأثيرها؟، وهل حقًا يمكن أن تؤثر العلاقات الاقتصادية على المسار السياسى؟ فى 2011 كان لشركة «النصر للاستيراد والتصدير» فى كينيا فرعان، رئيسى فى العاصمة نيروبى، وآخر فى مدينة مومباسا، لمتابعة عمليات شحن الحاويات من وإلى مصر فى الميناء، وكانت مهمتها تصدير منتجات كينية لمصر، وهو ما يعد من الأهداف الاستراتيجية لمصر فى ظل الاهتمام المصرى بأفريقيا بوجه عام، وبدول حوض النيل بوجه خاص، وكانت حتى 2011 تتولى تصدير حوالى 8 آلاف طن من الشاى الكينى لهيئة السلع التموينية فى مصر سنويًا، لكن الأمر تغير بعد لجوء الهيئة للسوق الهندية، وبجانب الشاى تقوم الشركة باستيراد التبغ الكينى للقطاع الخاص المصرى، بعد لجوء الشركة الشرقية للدخان للسوق الكينية بشكل مباشر، لكن مثله مثل الشاى، انخفضت فاتورة الاستيراد من كينيا لصالح أسواق أخرى، رغم أن الاستيراد من كينيا يحقق أهدافًا عدة، منها أهداف سياسية تتعلق بأن كينيا من دول حوض النيل التى تسعى مصر لزيادة التعاون الاقتصادى معها، كما أن نفقات النقل منخفضة، بالإضافة إلى أن كينيا ومصر أعضاء فى اتفاقية «الكوميسا» التى تلغى الجمارك على منتجات الدول الأعضاء بها. ومعروف أن كينيا هى منتج رئيسى لكل من التبغ الخام ومنتجات التبغ المصنعة، فاقتصادها يقوم على هذه الزراعة، وهو ما يفسر لنا كيف لعب الاقتصاد دورًا خفيًا فى التأثير على القرار الكينى تجاه مصر، وكيف استطاعت السجائر أن تحرق أواصر السياسة. أم كلثوم ويوسف إدريس.. ما جمعه الفن فرّقه النيكوتين «من فضلك ممنوع التدخين»، ربما يلاحظ الكثير من الناس تلك اللافتة فى بعض الأماكن العامة، وداخل بعض المؤسسات والأماكن الأثرية والسياحية، تماشيًا مع القوانين التى تحظر التدخين داخل الأماكن، والموجودة فى عدد كبير من بلاد العالم، أولها المكسيك التى كانت أول دولة تسن قانونًا يمنع التدخين عام 1575، وانتشر بعدها فى مناطق واسعة من العالم، وأقرته مصر رسميًا سنة 1981. لكن ربما ذلك القانون، وبالطبع المقولة السالفة الذكر، عرفتهما مصر بشكل غير رسمى قبل 1981، وبالتحديد من خلال حفلات كوكب الشرق أم كلثوم، التى كانت تحظر التدخين فى حفلاتها، الأمر الذى كان يجعل عددًا كبيرًا من جمهور «ثومة» يغيب عن الحفل، وكانت تلك الواقعة حلقة ضمن حلقات واسعة من علاقة التدخين بأهل الفن، والتى جاءت متناقضة، بين الرفض والقبول، فالبعض حظرها على جمهوره فى حفلاته كـ«ثومة» وحليم، والبعض روّج لها فى إعلانات تجارية، والبعض ظهر يدخن فى أعماله الفنية باعتباره «رمزًا للرجولة»، وهناك وقائع وقصص طريفة كان التدخين بطلها فى حياة أهل الفن. الأديب الكبير يوسف إدريس كان معروفًا بتدخينه السجائر بشراهة، وعلى الرغم من حبه الشديد لكوكب الشرق أم كلثوم، فإنه كان يرفض قرارها بمنع التدخين، وهو ما صرح به فى إذاعة الشرق الأوسط عام 1956، بأنه لا يقبل أن يمتنع عن التدخين من أجل حضور حفل لأم كلثوم. ويبدو أن هذا التصريح أثار غضب أم كلثوم، واعتبرت أن ذلك إهانة لها شخصيًا، فكان أول قرار تتخده هو منع إذاعة أغانيها على إذاعة الشرق الأوسط، ويبدو أن «إدريس» أراد الخروج من مأزق غضب «الست» وتراجع عما قاله للإذاعة، وذهب لـ«ثومة» يوضح موقفه: «أنا لم أقل ذلك، لكننى قلت لا أحضر فى المسرح حتى أستمتع بها وحدى فى البيت، لكن المحطة حذفت هذه الجملة». الطريف فى موقف كوكب الشرق أنه على الرغم من قرارها وموقفها من يوسف إدريس، فإنها شخصيًا كانت من المدخنات، والتقطت لها العديد من المجلات الفنية صورًا وهى تدخن السجائر فى العديد من المناسبات، حتى نشرت إحدى المجلات الفنية صورة لها فى حوار يبدو أنه حاد مع الشاعر أحمد رامى، وهى تشير بيدها تحمل سيجارة، تحت عنوان «وصلة خناق لأم كلثوم». سار العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ على نفس الطريق الذى سلكته قبله كوكب الشرق أم كلثوم، بعدما طالب فى خلال إحدى حلقات البرنامج الإذاعى الشهير «منتهى الصراحة» فى 26 يوليو عام 1976 من جمهوره الإقلاع عن التدخين فى حفلاته الفنية، لأنه يؤثر على صحة الجمهور، وعلى صحته هو شخصيًا، ويجعله يتوقف عن الغناء. فى فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى، استغلت الشركات التجارية الأزواج المشاهير من أجل الترويج لمنتجاتها التجارية، فظهر إعلان عبارة عن «بوستر» لفاتن حمامة ترتدى فيه الأصفر، وأمامها صورة لعبوة سجائر من ماركة «فرجينيا» من إنتاج شركة «وتكس»، كما قدمت إعلانًا مشتركًا مع زوجها السابق المخرج عزالدين ذوالفقار، وهى تضع سجارة فى فمها بينما هو يشعلها. بجانب فاتن حمامة ظهرت النجمتان هدى سلطان وكاميليا فى إعلانات الترويج لشركات السجائر، وظهرتا وهما تدخنان سجائر «أطلس كوتاريللى»، ونشرت هذه الإعلانات فى العديد من المجلات والصفحات الفنية، كما حرص النجم أنور وجدى على الظهور مع زوجته فى الأربعينيات ليلى مراد من أجل الترويج لإعلانات سجائر «واسب»، فظهر الثنائى وهما فى لحظة رومانسية، ويقوم أنور وجدى بوضع السيجارة فى فمه وبجواره ليلى مراد.
















الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;