مصر تتصدى لمساعى الانفراد بالقرار داخل مجلس الأمن وترفض لعب دور المتفرج.. وترفض سياسة تصفية الحسابات
طلبنا توفر 3 شروط قبل قيام السكرتير العام بالترحيل الجماعى لقوات حفظ السلام وأيدتنا 5 دول لأننا نرفض أسلوب التشهير بقوات حفظ السلام
كشف السفير عمرو أبو العطا مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة عن تفاصيل جلسة مجلس الأمن التى أمتنعت فيها مصر عن التصويت على مشروع القرار الأمريكى الخاص بالانتهاكات الجنسية التى ترتكبها قوات حفظ السلام، وقال إن الامتناع المصرى مرجعه رفضنا سياسة "العقاب الجماعى التعسفى" للدول المشاركة بقوات حفظ سلام، مؤكداً على أن مصر طرحت إدخال تعديلات على القرار، وتحديداً على الفقرة الثانية من القرار بحيث اشترطنا توافر ثلاثة شروط قبل قيام السكرتير العام بالترحيل الجماعى للقوات، وهى عدم قيام الدولة بالتحقيق فى مزاعم الاستغلال الجنسى، وعدم محاسبة المسئول عنها، وعدم إبلاغ السكرتير العام بنتيجة التحقيقات، بينما يكتفى النص الأمريكى بانطباق أى من الشروط الثلاثة لإعادة القوات.
وأشار أبو العطا فى حوار خاص لـ "انفراد" إلى أن التعديل المصرى حظى فى البداية بتأييد خمسة من أعضاء المجلس (مصر وروسيا والصين وفنزويلا وأنجولا)، إضافة إلى امتناع السنغال عن التصويت على الفقرة، وهو ما يعنى اقتناع 40% من أعضاء مجلس الأمن بالرؤية المصرية، مشدداً على أن الحملة التى تقودها مندوبة الولايات المتحدة ضد مصر فى مجلس الأمن هدفها ردع الدول غير الدائمة العضوية عن استخدام الدفوع الإجرائية المكفولة لها، أو كما قال لأن مصر تجاوزت الخطوط الحمراء الموضوعة أمام الدول غير دائمة العضوية.
وشرح أبو العطا أسباب الامتناع المصرى وكيف ستتحرك مصر خلال الفترة المقبلة. . وإلى نص الحوار. .
بداية. .أثار تصويت مصر بالامتناع على قرار مجلس الأمن الخاص بالانتهاكات الجنسية التى ترتكبها قوات حفظ السلام العديد من علامات الاستفهام وصلت إلى حد الاتهام بالاستخفاف بالانتهاكات الجنسية التى ترتكبها القوات، والسعى للتستر على مخالفات، ورفض المحاسبة على تلك الانتهاكات، وأن القرار المصرى شابه قصور، وجاء فى اتجاه معاكس للاجماع الدولى، فبماذا تفسر ما حدث؟
بداية أود التأكيد أن مصر تدين بشدة جميع أعمال الاعتداء الجنسى وتتمسك بمحاسبة مرتكبيها أيا كانوا، بما فى ذلك موظفى الأمم المتحدة. كما أن سجل مصر ناصع فى ذلك المضمار إذ أنها واحدة من كبار البلدان المساهمة بقوات مع أقل عدد من مزاعم الاعتداء الجنسى، وذلك السجل محل تقدير الأمم المتحدة. لذلك لا ينبغى الربط بين امتناع مصر عن التصويت على قرار مجلس الأمن الذى صاغته الولايات المتحدة بشأن الاعتداء الجنسى من قبل قوات الأمم المتحدة وبين موقف مصر المبدئى الثابت على ذلك الصعيد، فالأمور يجب أن توضع فى سياقها الصحيح، لأن الامتناع لا يعكس بأى شكل من الأشكال القبول بالانتهاكات.
ولماذا أمتنعت مصر عن التصويت على القرار؟
كان للوفد المصرى تحفظات إجرائية وموضوعية، سأبدأ بالإجرائية إذ أن الجمعية العامة وهى الجهاز الأكثر ديمقراطية بالأمم المتحدة هو صاحب القول الفصل فى ذلك الأمر، ولا اختصاص لمجلس الأمن فيه لأنه لا يمثل رغم أهميته القصوى تهديدا للسلم والأمن الدوليين، وإنما اقحم المجلس فيه إقحاما لتلافى مصاعب مراعاة التفاوض مع أعضاء الجمعية العامة ومنهم الدول الأكثر إسهاما بقوات، وهى دول راسخة مثل الهند وباكستان ومصر والصين وبنجلاديش وجنوب أفريقيا ونيجيريا، فضلا عن تمسك الولايات المتحدة بالتصويت المتعجل على القرار دون إتاحة وقت كاف للتشاور مع الدول المساهمة بقوات، الدول التى تقدم العشرات من الشهداء كل عام.
أما الاعتراضات الموضوعية فمتعددة وأبرزها أنه تناول ما يسمى بالعقاب الجماعى التعسفى أى إعطاء السكرتير العام سلطة واسعة لترحيل كتيبة ما لحفظ السلام بأكملها فى حال ارتكب عنصر واحد منها اعتداء جنسى الطابع، وهو ما يشى ضمنيا بافتراض الذنب، وهى أمور تجاوزتها الأعراف المطبقة حتى فى السجون، إذ يوسع القرار ولاية الأمين العام إلى حد غير مقبول ودون إعمال الضوابط القانونية اللازمة، بما يؤثر على مستوى أداء القوات وقد يلطخ سمعتها دون مسوغ كاف، بل وقد يستغل لتصفية حسابات سياسية جراء مواقف هذه الدولة أو تلك، وكلها أمور لا تستطيع مصر أن تقبلها.
وأخيرا أجد لزاما على أن أوضح أن طرح الولايات المتحدة لمشروع القرار متزامن مع طرح السكرتير العام لتقريره المرفوع للجمعية العامة حول مقترحاته لمكافحة الاستغلال والابتزاز الجنسى. وقد تضمن التقرير توصيات خلافية تصل إلى حد الافتئات على سيادة الدول الأعضاء لا سيما فيما يتصل بتعديل على تشريعاتها الوطنية ومطالبتها بإجراء محاكمات ميدانية فى مقار البعثات التى تشهد حالات استغلال جنسى. وقد كانت تلك المسألة محل انتقاد من جانب كبار الدول المساهمة بقوات خلال جلسة مجلس الأمن لمناقشة التقرير يوم الخميس الماضى، كل تلك الأمور لا تؤخذ باستهانة فلها تداعياتها القانونية.
ترددت أقاويل متضاربة بشأن التعديل المصرى وعدم حصولها على أى تأييد، فهل تشرح لنا ما حدث فى الجلسة خاص أن المندوبة الأمريكية بمجلس الأمن اتهمت الوفد المصرى بتقديم تعديل يفرغ القرار من مضمونِه؟
تقدم وفدنا بتعديل على الفقرة الثانية من القرار بحيث اشترطنا توافر ثلاثة شروط قبل قيام السكرتير العام بالترحيل الجماعى للقوات، وهى: عدم قيام الدولة بالتحقيق فى مزاعم الاستغلال الجنسى، وعدم محاسبة المسئول عنها، وعدم إبلاغ السكرتير العام بنتيجة التحقيقات، بينما يكتفى النص الأمريكى بانطباق أى من الشروط الثلاثة لإعادة القوات (فمثلاً إذا انتهت التحقيقات إلى عدم وجود أدلة على صحة المزاعم يستمر حق السكرتير العام فى إعادة "كافة" القوات، أو إذا تم التحقيق وايقاع العقاب ولكن تأخر الإبلاغ لقيود إجرائية تتعلق بالنظام المطبق فى دولة ما، يكون للسكرتير العام الحق فى الترحيل الجماعى).
وقد حظى التعديل بتأييد خمسة من أعضاء المجلس (مصر وروسيا والصين وفنزويلا وأنجولا)، إضافة إلى امتناع السنغال عن التصويت على الفقرة وهى من كبار المساهمين بقوات، أى أن 40% من أعضاء المجلس تجاوبوا مع منطقية التعديل المصرى مما أوضح أن المجلس منقسم بشأن صياغة الفقرة الثانية، وأن الوفد الأمريكى تسرع فى طرح القرار للتصويت دون إتاحة وقت كاف للتشاور لتحقيق الإجماع المطلوب حوله.
وقد جسد التعديل بشكل لا لبس فيه وجه اعتراضنا الموضوعى على القرار، وأنه لا ينصب على مكافحة حالات الاستغلال والابتزاز الجنسى، وإنما يقتصر على مسألة العقاب الجماعى حيث نتمسك بضرورة استيفاء شروط واضحة تضبط عملية إعادة القوات.
لماذا لم يتم توضيح الموقف المصرى وأبعاده فى حينه بشكل مباشر؟
امتنع الوفد المصرى عن التصويت على القرار وهو أحد الحقوق المخولة للعضو عند وجود تحفظ ما له على القرار، ولكنه شرح تصويته مؤكداً اتفاقه التام مع الهدف من القرار والتزامه بسياسة انعدام التسامح مع الاعتداءات الجنسية، لكنه شدد كذلك على استنكار أسلوب التشهير بقوات حفظ السلام ووصم الدول المساهمة بها باعتبارهم معتدين، وانتقد تغول مجلس الأمن على صلاحيات الجمعية العامة، وأوضح أن قرار المجلس قد يستخدم للمزايدة على الدول المساهمة بقوات ويصعد الضغط عليها فى مواجهة مطالبها المشروعة المتكررة بتحسين أوضاع القوات والمشاركة بفعالية فى صياغة ولايات حفظ السلام.
هل طالبت مصر بعدم الكشف عن أسماء الدول التى تورطت قواتها بتلك الانتهاكات؟
لا بطبيعة الحال، إذ تنادى مصر بالشفافية والمساءلة وتقوم سياستها الخارجية على أساس أخلاقى صلب دوما، ويكفى للتدليل على ذلك أن مصر تمسكت مع روسيا ودول أخرى، بأن تسرى أحكام القرار كذلك على أى دول أخرى تنشر قواتها فى مناطق النزاع بتفويض من مجلس الأمن، لتلافى ازدواجية المعايير، فنحن لا نكيل بمكيالين، مثلما تفعل دول أخرى، لا تحاسب قواتها على الانتهاكات الجنسية، بل وتصل فى أحيان أخرى إلى توقيع اتفاقات لإعفاء مواطنيها من الوقوع تحت القضاء الجنائى الدولى.
بشكل عام، ما هى الدواعى التى تدفع إحدى الدول للامتناع عن التصويت لصالح مشروع قرار ما؟
التصويت بالامتناع وليس الامتناع عن التصويت أحد أنماط التصويت الثلاثة بالأمم المتحدة، وعادة ما يستخدم لتسجيل تحفظ محدد، وتلك الحملة القوية التى أطلقتها الولايات المتحدة استهدفت ردع الدول غير الدائمة العضوية عن استخدام الدفوع الإجرائية المكفولة لها، مثل طلب التصويت على تعديل على نص القرار، فذلك التعديل المصرى لم يحدث فى مجلس الأمن منذ عام 1990، وفى عرف البعض تجاوز الخطوط الحمراء، ولكن وفد مصر ملم بالإجراءات ولا يهاب التخويف ولا التضليل، وكان موقفه مثار تقدير كبار الدول المساهمة بقوات.
هل حجم الانتهاكات التى تم رصدها بحق قوات حفظ السلام تستدعى إصدار قرار خاص بتلك المسألة، ولماذا مصر دون باقى الدول المساهمة بقوات هى التى تصدت إلى ذلك الحد؟
الأمانة تقتضى الإقرار بأن الظاهرة باتت متنامية، لذا لم يكن لدى وفدنا مانعا إزاء فكرة استصدار قرار من مجلس الأمن للعمل على القضاء التام على تلك الانتهاكات، بما يردع كل من تسول له نفسه ارتكاب تلك الجرائم، مع التشديد على ضرورة بذل الجهود المطلوبة لمساعدة الضحايا التزاماً من مصر وسائر الدول بسياسة انعدام التسامح مع تلك الحالات.
فى الوقت نفسه أكد وفدنا رفضه التشهير بقوات حفظ السلام والدول المساهمة بها، وهو أمر يعد غير مقبول يؤثر على الحالة المعنوية للقوات، ويتجاهل تضحيات عشرات الآلاف من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، التى تعمل فى ظروف بالغة الصعوبة.ومن ثم أكرر أن التصويت بالامتناع لا يعد بأى حال تصويت ضد القرار مثلما توهم البعض، بل هو يعكس التحفظات التى سردتها.
يرى البعض أن الكُلفة السياسية لامتناعنا عن التصويت على مثل هذا القرار الذى تناول موضوعاً أخلاقياً بالأساس، تُعتبر باهظة، وأن الأسباب الإجرائية التى ساقتها مصر لا تُساوى التداعيات السياسية لذلك القرار؟
هذا بطبيعة الحال أمر يؤخذ فيه ويرد، فقد أكد موقفنا خلال كافة مراحل المفاوضات أن مصر تتولى التعبير عن مصالح الدول التى انتخبتها لعضوية مجلس الأمن، خاصةً فى الموضوعات الحساسة التى تمس التوازن بين صلاحيات الجمعية العامة ومجلس الأمن أو موضوعات عمليات حفظ السلام، كما أنها تتصدى لمساعى الانفراد بالقرار داخل المجلس، وترفض لعب دور المتفرج التى تسعى الدول الغربية لفرضه على الدول غير الدائمة العضوية.
وكان الموقف المصرى منسجما مع مصالح الدائرتين الأفريقية والعربية التى تنتشر بهما السواد الأعظم من عناصر حفظ السلام الأممية، وحافظ على مصالح الدول المساهمة بقوات فى عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، وكان محل إشادة منها على ذلك الصعيد.
بشكل عام، هل المواقف المصرية داخل المجلس تستهدف عرقلة عمل المجلس للظهور كلاعب فاعل دون اعتبار للجوانب الموضوعية والتداعيات السياسية لتلك المواقف؟
بالطبع لا، لا بطولة فى دور المعرقل، هذا دور دبلوماسى عفا عليه الزمان، والدبلوماسية المصرية لا تأخذ بهذا الأسلوب، ونمط تصويت مصر فى مجلس الأمن وفى الجمعية العامة كاشف لدور بناء وإيجابى الطابع، ولا تنسى أن تلك العضوية هى السادسة لمصر فى مجلس الأمن، فلسنا مستجدين، ولكن تكسير العظام يمارس من جانب الدول المغترة بنفوذها، لترهيب بعض الدول، ولكن الوفد المصرى يمارس حقه الكامل وغير المنقوص فى التعبير عن مواقفه وما يصون مصالحه ومصالح من انتخبوه فى مجلس الأمن.
لماذا أصرت مصر على التصويت منفردة على الامتناع عن التصويت رغم تغيير الدول التى أيدت التعديل لموقفها؟
أود إيضاح أن القرار الصادر بالإجماع يختلف نسبيا عن القرار الذى لا يصدر بالإجماع، رغم حجية كليهما القانونية، وقد حرصت مصر على عدم إسباغ صفة الإجماع على ذلك القرار لإتاحة هامش للوفد المصرى والوفود متشابهة الفكر والدول المساهمة بقوات للمشاركة فى تطوير الجوانب القانونية بالموضوع فى الجمعية العامة، وذلك دون انفراد مجلس الأمن بالموضوع، أخذا فى الاعتبار أن الموقف المصرى التفاوضى الصلب بشأن مشروع القرار أسهم بفاعلية فى عدم جعل هذا الأمر بنداً ثابتاً على جدول أعمال مجلس الأمن مثلما سعت الولايات المتحدة.
وفى النهاية، أود أن أؤكد لك أن تلك الجولة ليست الأخيرة فى تناول موضوع حساس بالنسبة لموضوعات حفظ السلام والانقسام التقليدى بين الدول المساهمة بقوات والدول التى تتولى تمويلها، حيث إن الجولة المقبلة ستكون فى إطار اللجنة المعنية بالميزانية والأمور الإدارية فى الجمعية العامة فى شهر مايو القادم.