فى الوقت الذى يتولى فيه المحافظون الجدد مناصبهم التنفيذية فى الإدارة، ما الذى نتوقعه منهم فى الأداء والعمل والإنجاز؟
فى تقديرى أصعب المناصب القيادية فى مصر هى منصب المحافظ، فالتعقيدات القانونية والإدارية والتشابكات مع الوزارات المختلفة والجهات المتعددة، والمتضاربة أحيانا، تضع المحافظ فى دوامات سياسية وإدارية وأمنية وإجرائية وبرلمانية وقانونية، منذ اليوم الأول لتوليه المنصب، فيما يطالبه الناس، وسط هذه الدوامات، بأن يطير الرجل مثل «سوبرمان»، وأن يضرب الإهمال مثل الرجل الحديدى، ويعيش المحافظ بين تعقيدات الواقع إداريا وقانونيا، وبين توقعات الناس التى تصل أحلامها إلى حد يجعل من المحافظ شخصية أسطورية مثل شخصيات «مارفل ستوديو»، قوة خارقة لا تعرف الهزيمة.
المحافظون فى مصر هم أول من يتلقون الضربات المباشرة من الناس حين تغضب على الحكومة..
والمحافظون فى مصر هم خط الدفاع الأول أيضا، لتوضيح مواقف الحكومة وتبرير قرارات الحكومة..
المحافظون فى مصر يعيشون الهموم المحلية ليلا ونهارا، ويواجهون الناس فى الشوارع والطرقات والعزاءات والأفراح، وفى طرقات مبنى المحافظة، وفى حقول الذرة ومحالج القطن ومزارع المواشى.
وفى الوقت نفسه لديهم هياكل وظيفية موروثة، وموظفون ذوو نفوذ، وشبكات مصالح فى المحليات، ونواب يسيطرون على القرى، ويسيطرون أحيانا على بعض قطاعات العمل داخل المحافظة، ولديهم قوانين تقيد حركتهم، ومركزية إدارية لا تسمح لهم بالاجتهاد الخلاق إلا فى حدود ما تسمح به اللوائح، وما يوافق عليه السيد وزير التنمية المحلية هنا فى القاهرة، والسيد وزير التنمية المحلية يعرف أيضا طبيعة التشابكات داخل كل محافظة، فلا يوافق من تلقاء نفسه، بل ينبغى أن ينتظر حتى يعرض كل شىء على مجلس الوزراء ضمن هذه الدوائر المفرغة التى يتحرك فيها كل فكر جديد، أو كل نشاط مختلف، أو كل ابتكار داخل الجهاز الإدارى فى المحافظات.
والمحافظون فى مقابل كل هذه المعاناة ليس لديهم رفاهية التواصل المباشر فى القاهرة، ليس لديهم مستشارون يرتبون لقاءاتهم مع الإعلام، وليس لديهم مخصصات كتلك التى ينعم بها الوزراء فى الحكومة، وليس لديهم اتصال مباشر مع رئيس الوزراء، إلا إذا شاء رئيس الوزراء أن يتواصل بنفسه فى أزمة أو قضية أو مشكلة من مشكلات العمل اليومية.
باختصار، نحن نعين المحافظ ونتركه فى دوامة متشابكة الدوائر، عنيفة الدوران، ثم نطلب منه أن يتحول إلى أسطورة من أساطير «مارفل ستوديو» رجل حديدى، أو كابتن أمريكا، يهزم الأشرار، ويحقق الخير، ولا يقبل منه إلا الانتصار.
هذه الدوامات القانونية والإجرائية والمركزية إذا استمرت فلا تتوقعوا من المحافظين أكثر من تسيير دولاب العمل اليومى كالمعتاد، وتنفيذ أوامر الوزارة هنا فى القاهرة كالعادة، فهل هذا ما نريده بالفعل من المحافظين الجدد، أم أن البرلمان والحكومة على استعداد أن يتعاملا مع الأمر على نحو مختلف هذه المرة، وأن يجعلا من أصعب المناصب القيادية فى مصر قيمة استثنائية وقوة مضافة للبلد.
يمكن أن ننجح أكثر، وننجز أكثر، إذا وفرنا للمحافظين الجدد «بيئة عمل» تساعدهم على الانتصار، وتحررهم من الأغلال التى يعرفها الجميع.
# مصر من وراء القصد