تتصدر مصر مشهد القمة الصينية الأفريقية فى بكين، تتصدر مصر عن جدارة وعن وعى حقيقى بالملفات الكبرى التى تأسست عليها الدبلوماسية المصرية لسنوات طويلة، ثم نسيناها لسنوات عجاف طويلة، غبنا فيها عن الملف الأفريقى، وتراجعنا فيها على صعيد التعاون مع القوى الكبرى فى العالم سياسيا واقتصاديا.
صدارة مصر للمشهد ليست مجاملة للقاهرة، بقدر ما تعبر عن حجم الجهد الذى بذلته الإدارة المصرية الحالية بقيادة الرئيس السيسى لاستعادة الروح الخلاقة للتعاون مع بلدان أفريقيا، وإعادة بناء جسور الثقة التى تقطعت أوصالها لسنوات طويلة، حين فقدت مصر بوصلة التوجه الاستراتيجى على الصعيدين الإقليمى والدولى.
صدارة مصر لمشهد القمة فى بكين تتوج رحلة طويلة من العمل السياسى المصرى على أصعدة مختلفة:
1 - تجاوزت مصر كل الاستفزازات الإقليمية وأعادت تأسيس علاقة صحيحة وسلمية وقائمة على التفاهم والتعاون المشترك مع بلدان القارة.
2 - قفزت مصر على كل الخلافات السابقة مع السودان، وأسست لفجر جديد بين القاهرة والخرطوم وقطعت الطريق على كل من حاول ضرب العلاقة بين شعب وادى النيل.
3 - حافظت مصر على اتزانها الدبلوماسى ولغتها القانونية السليمة مع إثيوبيا، وأدارت ملف سد النهضة بعيدا عن كل مروجى الفتنة بين البلدين على الصعيد الدولى، ولم تنجرف القاهرة إلى التصريحات العنترية، وأعادت حالة من التفاهم إلى طاولة المفاوضات.
4 - وسعت مصر من مجالات التعاون الاقتصادى مع بلدان أفريقيا على المستوى الثنائى.
5 - وسعت مصر من نشاطها فى المؤسسات الأفريقية السياسية والاقتصادية، وأشركت القطاعين الحكومى والخاص فى هذا التعاون.
6 - لم تتأخر مصر عن مد يد العون لبلدان القارة فى كل المحن أو الكوارث الطبيعية التى يتعرض لها أى بلد أفريقى.
7 - ذهبت مصر إلى كل بلدان القارة شرقا وغربا ولم تقصر علاقتها على بلدان دول حوض النيل وحدها.
8 - نظمت مصر علاقاتها على أساس المصالح المشتركة، وليس على الشعارات الجوفاء التى يمكن الالتفاف عليها بسهولة، عندما تلوح أى مصالح اقتصادية هنا أو هناك.
هذا على الصعيد الأفريقى، أما على صعيد العلاقات مع الصين، فتدرك بكين أيضا أن مصر ثالث أكبر شريك تجارى لها فى قارة أفريقيا، كما تؤمن الصين بأن الاستراتيجية التى تنتهجها القاهرة الآن لا تضع البيض كله فى سلة واحدة، ولا تؤمن بأن أوراق اللعبة فى يد أى من القوى الكبرى منفردة، لكن القاهرة تؤمن بتوازن علاقتها الدولية مع كل بلدان العالم اقتصاديا وسياسيا وعسكريا.
لكل هذا تحظى مصر بصدارة المشهد فى بكين، وهى صدارة مستحقة على مستوى العلاقات الأفريقية، وعلى مستوى العلاقات مع الصين، ومع استمرار هذه الاستراتيجية التى ينتهجها الرئيس، تستعيد مصر قوتها الدولية عن جدارة وبخطوات محسوبة وواثقة، وليس بكلام أجوف وصرخات لا قيمة لها ولا ترجمة لمعانيها فى لغة المصالح بين دول العالم.
هذه القوة المصرية مرشحة للنمو أكثر على صعيد العلاقات بين الصين وأفريقيا مع قيادة مصر المرتقبة للاتحاد الأفريقى، لتعود القاهرة من جديد درة التاج الأفريقى، وتعود مصر إلى إحدى أهم الدوائر الاستراتيجية فى علاقاتها الدولية.
شكرا للصين على هذا الكيان الفاعل والإيجابى، وشكرا لأفريقيا التى فتحت ذراعيها لصوت العقل والحق والمنطق ولغة العصر.