أثارت الأزمة الاقتصادية الحادة التى تعانى منها تركيا منذ أسابيع حالة من القلق فى العالم من تداعياتها على الاقتصاد الناشىء الذى حقق نموا ملحوظا فى العقد الماضى. لكن جزءا كبيرا من هذه المخاوف يتعلق بما تمثله تركيا كنموذج من الوارد جدا أن يتكرر فى العديد من دول العالم.
وقالت صحيفة "واشنطن بوست" فى تقرير لها، إنه بعد عشر سنوات من أسوأ حالة ذعر مالى يشهدها العالم منذ ثلاثينيات القرن العشرين، أدى تزايد أعباء الديون فى اقتصاد الدول النامية الرئيسية إلى إشعال مخاوف من اندلاع أزمة جديدة يمكن أن تمتد لما هو أبعد من الاضطراب الذى يجتاح تركيا.
وأوضحت الصحيفة أن فقدان ثقة المستثمرين فى الليرة التركية التى فقدت أكثر من 40% من قيمتها هذا العام، ما هو إلا استعراضا لمشكلات الديون التى يمكن أن تبتلع دولا مثل البرازيل وروسيا وجنوب أفريقيا وروسيا، بحسب ما يقول بعض خبراء الاقتصاد.
وقال سيبنيم كاليملى أوزكان، أستاذ الاقتصاد بجامعة ميريلاند، إن تركيا ليست الأخيرة بل هى مجرد البداية.
وحتى الآن يعتقد عدد قليل من الخبراء أن هناك أزمة أكبر وشيكة، على الرغم من أن الأرجنتين طلبت الأسبوع الماضى من صندوق النقد الدولى الإسراع فى خطة إنقاذ بـ 50 مليار دولار مع تراجع عملتها البيزو لمستوى منخفض غير مسبوق. لكن مخاطر العدوى المالية التى يمكن أن تضرب الأمريكيين بسحق الصادرات الأمريكية وتراجع شديد فى البورصات يجب أن يؤخذ فى الاعتبار بجدية أكبر فى ضوء الزيادة الهائلة فى الديون العالمية منذ الانكماش الاقتصادى فى عام 2008، كما يقول الاقتصاديون.
ووفقا لمعهد ماكينزى العالمى، فأن إجمالى الديون يصل إلى 169 تريليون دولار، بعد أن كان 97 تريليون عشية الركود العظيم.. وفى حين أن أزمات الديون السابقة أثرت على الأسر الأمريكية والحكومات الأوروبية التى لا تتبع الترشيد مثل اليونان، إلا أن الخوف يتركز هذه المرة على الشركات فى الأسواق الناشئة التى قامت بالاقتراض بكثافة بالدولار واليورو.
ففى تركيا على سبيل المثال، قامت الشركات والبنوك بالاقتراض فى السنوات الأخيرة لتمويل تشييد الجسور والمستشفيات ومحطات الطاقة وحتى ميناء للسفن.
وقام المستثمرون الأجانب، لاسيما البنوك الأوروبية، بالإقراض بحرية بحثا عن أعلى عائدات تقدمها هذه الأسواق فى الوقت الذى كان فيه الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى والبنك المركزى الأوروبى يبقيان معدلات الفائدة منخفضة.
وقال ديفيد روزنبيرج، الخبير الاقتصادى فى شركة إدارة الثروة "جلسكين شيف"، إنه كان من المفترض تصحيح فقاعة الديون، لكن ما حدث هو خلق المزيد منها.
وقد أصبحت هذه الديون مستحقة، بينما لا يملك المقترضون الأتراك مثل غيرهم فى الدول النامية الأخرى الدولارات واليورو الكافى لرد تلك الديون. والسبب فى ذلك، جزئيا، يعود إلى أن الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى يرفع معدلات الفائدة مع تحسن الأداء الاقتصادى فى الولايات المتحدة، ومع زيادة قوة الدولار مقابل غرق الليرة، فأن رد المقترضين الأتراك للقروض سيكون باهظا بشكل متزايد. فرد دين بـ 100 ألف دولار فى بداية هذا العام كان سيتطلب 379 ألف ليرة. لكن نفس القرض الآن يتطلب أكثر من 660 ألف ليرة.
وتحذر "واشنطن بوست" من أن الموقف قد يصبح أكثر خطورة. فالأموال تهرب من تركيا والأسواق المماثلة بعدما حان موعد رد الديون التى حصلت عليها الشركات فى السنوات الأخيرة.
وعلى مستوى العالم، ووفقا لماكينزى، فأن إجمالى 10 تريليون دولار من سندات الشركات يجب أن يعاد تمويله على مدار السنوات الخمسة المقبلة، وهو رقم غير مسبوق.