فى كل يوم يقرأ أكثر من مليار ونصف المليار مسلم فى صلواتهم المختلفة آيات القرآن الكريم، يقولون "ألم" ويقولون "كهيعص" ويقولون "ألر" ويقولون "طه" ويقولون "طمس" ويقولون "حم"، الغالبية العظمى لا تعرف معنى هذه الحروف، والقلة المتبحرة فى علوم الشرع لا تجزم بمعنى محدد وواضح لها، والجميع يجتهد فى كشف أسرار هذه الحروف ومعانيها، وهو الأمر الذى أثار جدلاً واسعًا خلال الأيام الماضية التى شهدت إعادة الحياة إلى هذه القضية مرة أخرى، فربما تكون تلك القضية من القضايا القديمة، وربما تكون من الأمور التى قتلت بحثًا ودراسة، وربما يعرف العارفون لها أكثر من مخرج وأكثر من تأويل، لكنها فى كل الأحوال قادرة على إثارة شهوة البحث والدراسة، وقادرة أيضًا على إثارة الجدل.
أكبر دليل على ما سبق هو ذلك الانتشار الكبير الذى يحققه فيديو لباحث سعودى يحاول تفسير الحروف المتقطعة باللغة الآرامية كما يدعي، فبرغم أن الفيديو منشور منذ عامين، وبرغم أنه شغل البعض لفترة، لكنه أستطاع فى الآونة الأخيرة أن يكتسب أرضا جديدة، وأن يجتذب الكثير من المتابعين مرة أخرى، ليفتح بهذا الباب أمام إعادة النظر والتحليل، وفى الفيديو الذى يصل إلى 15 دقيقة، يتعرض لؤى الشريف لتفسير الأحرف المقطعة فى القرآن الكريم باللغة "الآرامية" ويقول "إذا ما تأملنا كتاب الله (يقصد القرآن الكريم) سوف نجده متخما بالكلمات ذات الأصول الآرامية، والبحث الذى أقدمه بين أيديكم الآن هو بحث لغوى، وليس بحثا فقهيا ولا غيره".
وأكد لؤى الشريف أنه سيتحدث بشكل لغوى وعلمى وسيعتمد على قواميس تؤكد كلامه، مضيفًا أن موضوع الحروف المتقطعة كان ولا يزال موضوعًا جدليًا، والناس الذين حاولوا أن يفسروه واجتهدوا فى ذلك لم يعرفوا كيف يفسرونه على الوجه الصحيح، لأنهم لم يعرفوا كيف يصلوا إلى أصل الموضوع.
وتابع لؤى الشريف: "كلنا يعرف أن الحروف المتقطعة هى من الأمور التى سكت عنها الله تبارك وتعالى وسكت عنها النبى عليه الصلاة والسلام، لذا نجد أن الجميع يفسرونها على أنها إعجاز لا يعلمه الله".
واستغرب لؤى الشريف من ذلك متسائلاً: "هل من المعقول أن نقول للناس أن القرآن جاء بلسان عربى مبين ثم نقول لهم إن هذه الحروف طلاسم لا يعلمها إلا الله"، متابعًا: "أكيد لها معنى، وهناك علماء فى القديم والحديث حاولوا أن يجتهدوا فى المعنى، وهذا شىء جميل، لكن للأسف كانت اجتهادات غريبة، وضرب أمثلة لهذه الاجتهادات، قائلا: هناك علماء بحثوا فى علاقة الحروف المتقطعة مع ترتيب الحروف الأبجدية العربية وربطوا ذلك بالمعنى، لكن هذا غير صحيح".
واستطرد لؤى الشريف، أن الموضوع بسيط وسهل لكن علينا أن نقف معه منذ البداية، فالحروف العربية الأبجدية الـ22 حرفًا، مأخوذة قياسًا على الحروف السريانية، مؤكدًا أن هناك حروفًا فى العربية أصلها "22 حرفًا فقط" لأن هناك حروف مثل (س وش) هى حرف واحد و(ف و ق) حرف واحد أيضًا.
وأضاف لؤى الشريف أن الخيط الثانى لفهم الأمر هو أن كل حرف من الحروف السريانية له معنى، لذا فإن مقولة أن الحروف فى العربية ليس لها معنى بذاته صحيحة فى العربية، لكن هذه الحروف بالآرامية لها "معنى" فـ ألف له معنى وباء له معنى وهكذا.
ويقول لؤى الشريف لو أمسكنا الحروف المتقطعة فى القرآن وهى 14 حرفًا، سنجد أنها جميعًا لها معنى، والمعنى متماشٍ مع السياق.
معنى "الم"
وبدأ لؤى الشريف تفسيراته اللغوية قائلا: "أعرف أنها صدمة لكن تحملوا" وبعدها تناول قول الله "الم" فكتبها باللغة العبرية، مؤكدًا أنه يستخدم الكتابة باللغة العبرية لكنها المعنى نفسه، لأن الحروف السرياينة كتابتها معقدة، مؤكدًا أنه ضعيف فى كتابتها، متابعًا بأنه يستخدم موقع morfix للترجمة العبرية، حيث إن "الم" (silence speechlessness وتعنى "صمت الكلام" وهى كلمة استخدمها الملك داوود فى خطبه بكتاب "الزبور".
معنى "الر"
وكتبها الشريف بالعبرية أيضًا، وأكد أن نطقها الحقيقى هو "ألير" وتعنى أن تتأمل أو تتبصر فى شىء، ومفادها التأمل بقوة، ويمكن أن نلاحظ أن كل الآيات التى جاء فيها "الر" جاء بعدها شىء يتبصر فيه مثل "كتاب" ولم يأت أبدًا بعدها "نون والقلم وما يسطرون" بل نجد "الر، كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن عليم خبير" سورة هود، فتكون القراءة "تبصر كتابًا أحكمت آياته" كذلك فى سور الحجر ويونس ويوسف وغيرها من الآيات.
معنى طه
حرف الهاى مأخوذ منه الكلمة الإنجليزية "hey" عندما تنادى أحدًا، وحرف "طاء" معناه فى الثقافات القديمة "رجل" لذا فإن طه معناها "يا رجل" وهو ما يتناسب مع أول سورة "طه" حيث يقول الله: "ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى" بما يؤكد أن هناك خطابًا موجهًا، إذا هى ليست اسمًا من أسماء النبى عليه الصلاة والسلام، وأن ما يحدث هو سوء فهم عن الكثير من الناس.
معنى كهيعص
فى الآرامية كلمتان، الأولى كيتس "هكذا" "يدعتس" "يعظ"، وعليه تكون القراءة "أى هكذا الله يعظ فى قصة ذكريا وزوجته العاقر وابنه يحيى".
ومن الممكن أن يكون "كهيعيص" من أسماء الأنبياء، فكثير من الأنبياء أسماءهم دعاء مثل "يوسف" معناها "الله يزيد" يحيى يوحنا "الله حنان"
ويقول لؤى الشريف: "كتاب الله عربى لكن يستحيل فهمه بشكل كامل إلا إذا كان عند المفسر أو عند القارئ معرفة باللغة السريانية، نعم هو عربى لكن هناك كلمات ما هى عربية وجمل ليست عربية، أنت تقول "آمين" 5 مرات فى اليوم، فما معنى "آمين" فى العربية، ليس لها معنى، لكنها تعنى فى السريانية "ليكن"، كذلك كلمة "حوبًا" التى استخدمت فى القرآن فهى تعنى "الذنب أو الاعتداء".
الشيخ على جمعة: كلام قديم ووجهة نظر
رأى الدكتور على جمعة، المفتى السابق لجمهورية مصر العربية، أن الحروف المقطعة التى فى القرآن الكريم مجموعة فى قول القائل "نص حكيم قاطع له سر" وهى 14 حرفا وحروف اللغة 28 يعنى هى على النصف من ذلك، والعلماء أكثروا فى تفسير تلك الحروف، ومن هذه الطرق أن اللغات تنتمى إلى مجموعات، فهناك اللغات السامية ومنها "الأرامية والسريانية والعربية والعبرية والكلدانية ونحو ذلك"، وهناك لغات ترجع إلى اللاتينية، وهناك لغات ترجع إلى الأنجلوسكسونية، وهذه اللغات يقولون إن مجموعة اللغة السامية تتقارب فى كثير من ألفاظها وهذا كلام قديم ألف فيه المؤلفون فبعضهم أرجع معانى تلك الحروف المقطعة إلى اللغة الهيروغليفة وألف فيها مؤلفا مطبوعا، وبعضهم يقول إنها من اللغة السريانية وقد نسى أنه يفسرها باللغة السريانية الحديثة وليس اللغة السريانية التى نزل فى أيامها القرآن، ومن لهجات السريانية الآرامية التى كان ينطق بها سيدنا عيسى على الراجح، ولما كتب الإنجيل القديم باليونانية اختلف العلماء هل هو كتب باليونانية ابتداء أو أنه ترجم عن الآرامية التى هى لسان سيدنا عيسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام؟ قولان. فعندما يكتشف أحدهم شيئًا هو يكون فرحًا به ولكن المصيبة ليست فى هذا، (الم) أصمت، (ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ) أسكت، طب مهو فيه أصمت فى لغة العرب وفيه أسكت!، لزومه أيه بقى (الم) إذا كانت معناها اصمت، المصيبة الثانية هى أنه يعتقد أن هذا هو الحق الذى يكفر منكره، لا نحن بقالنا 1400 سنة نتكلم فى هذا الكلام.
المسلمون بذلوا كثيرا، فعندما يأتى من يقول إن (الم) وإن اللغة السريانية فيها المعنى على مستوى الحرف وإن (الم) يعنى اصمت، وإن (طه) يعنى يا رجل، طب مهو يا رجل هذه قالها ابن عباس يعنى ليست جديدة.
ورد على جمعة قائلاً: أنت تفسر بالسريانية الحديثة، هذا شىء جاء على ذهنك فقلته لا شىء فى هذا فهناك حرية، لا تتكبر.
أستاذ عبرى: تعسف شديد
ومن جانبه قال الدكتور محمد عبود، أستاذ الأدب العبرى بجامعة عين شمس، بالنسبة لتفسير الحروف المقطعة ومحاولة ربطها باللغات الآرامية والسريانية والعبرية فى هذا الفيديو فهو تعسف شديد ولى عنق الحقيقة واستغلال لعدم معرفة القارئ والمشاهد بهذه اللغات، والمسألة أشبه بأن يأتى شخص ويقول إن القرآن به كلمات إنجليزية مثل التلاعب بالألفاظ بأن "طه" هى Tea، وكلمة كهف Cave، وطويل Tall، Water وهى مطر، ويدعى أنها كلمات جاءت بالقرآن.
وأضاف الدكتور محمد عبود، أنه اتضح فى الفيديو أن مقدمه يدعى إلمامه بالآرامية والسريانية فى حين أن كل استشهاداته ومقارناته هى بين القرآن واللغة العبرية، فيدعى أن "الم" هى كلمة عبرية و"الر" كلمة آرامية، بمعنى تأمل وهذا الكلام غير صحيح بالمرة وقياسًا على ذلك جاءت جميع الأمثلة التى أوردها ورددها، بل ويتضح أيضًا من الفيديو أن معرفته بالعبرية ضئيلة سواء بطريقة كتابته على اللوحة أو فهمه لمعانى الكلمات.
وأشار الدكتور محمد عبود، إلى أن اللافت أن معظم الأفكار المتداولة فى هذا الفيديو مسروقة من كتب المستشرقين القدامى، لكن الفارق الوحيد أن هؤلاء المستشرقين لم يعيشوا فى عصر مواقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك، وتويتر، وسناب شات"، وكانت توجهاتهم هى خدمة دولهم الاستعمارية، أما الآن فهم يريدون تحقيق الأهداف المرجوة من الفيديوهات عن طريق جمع اللايكات والمشاركات الإلكترونية.
أستاذة أدب سريانى: تأويلات خاطئة
ومن جانبها أكدت الدكتورة سمر فراج، أستاذ الأدب السريانى بجامعة القاهرة، أن ما جاء بالفيديو ليس له علاقة باللغة الآرامية والسريانية ولا العبرية على الإطلاق، حيث يقول المتحدث أن "طه" معناها يا رجل، وهذا غير صحيح لأن كلمة رجل فى الآرامية معنها جذرًا، وأداة النداء فى الآرامية هى "أ" وليس "ه".