فى ذكرى وفاته الرابعة.."انفراد" تبحث فى تركة البابا شنودة.. نقل الكنيسة من عصر إلى أخر وأطلق مدارس الأحد.. قصر الطلاق لعلة "الزنا" وورّث تواضروس ملفات الراغبين بالطلاق والعالقين فى زيجات فاشلة

أربع سنوات مرت على رحيل البابا شنودة عن الدنيا، بطريرك كبير ترك إرثا أكبر، أربعون عاما على كرسى مارمرقص، بنى فيها ما بنى وهدم فيها ما رغب فى هدمه، لم يكن رجلًا عاديًا كان أكثر من مجرد رجل دين، راهب ذو اهتمامات متعددة تبدأ بالعقيدة تمر بالشعر ولا تتوقف عند السياسة، بكاريزما الزعماء آسر قلوب الملايين، وصار فى التاريخ رمزا وعلامة، مدرسة كبيرة لها تلاميذها ودراويشها وأعدائها وضحاياها، البابا الكبير يمضى ولكنه لا يمضى، وحدهم الأساتذة يبقون رغم قسوة القبر وظلامه.

البابا الكبير رحل، وترك لنا إرثا ثقيلًا، نكتب عنه الكتب، ونروى عنه الحكايات، ويردد البسطاء عنه الأساطير، وفوق قبره تكتب الأمنيات، وإلى جسده تذهب الدعوات.

فى ذكراه الرابعة، تقلب"انفراد" فى تركته الثقيلة، حصيلة أربعين عاما من الخدمة الكنسية والشد والجذب، الحرب والسلام، اللين والعنف، الضحك والبكاء، والحياة الصاخبة التى بدأت بقصة يتمه ولم تنتهى بيتم تلاميذه من بعده.

الإرث الكنسى نقل البابا شنودة الثالث كنيسته من عصر إلى عصر بعدما اعتلى كرسى "مار مرقص" عام 1971 حيث كان عدد الأساقفة أعضاء المجمع المقدس وهو أعلى هيئة كنسية 18 أسقفًا، قبل أن يصيروا 120 قبيل وفاته.

يؤكد المؤرخ القبطى كمال زاخر، أن عصر البابا شنودة الثالث أعاد الكنيسة مرة أخرى إلى تكوينها ودورها كما كانت قبل ذلك، حيث كان فى الكنيسة تيارين قبل رسامته بطريركا الأول تيار بطرس باشا غالى الذى تزعم فكرة إنشاء كيان مدنى داخل الكنيسة عرف باسم المجلس المدنى، أما التيار الثانى فتزعمه حبيب باشا جرجس مؤسس مدارس الأحد، وأكمل التياران بعضهما البعض وإن كانت الكنيسة تفاعلت مع آلية حبيب جرجس، وأخذت موقفا مقاوما من توجه بطرس باشا غالى لأنه شكل بدايات الخروج من النسق الأبوى فى الإدارة ويوضح زاخر، عندما جاء البابا شنودة دعم الاتجاهين المجلس الملى ومدارس الأحد مع اختلاف حجم الدعم،فقد كان ميله لمدارس الأحد باعتباره واحد من الرعيل الأول من مدارس الأحد حيث كان عضوا فى لجنتها العليا فى شبابه، ثم بدأ فى شد زمام الكنيسة تنظيميا.

تسلم البابا الكنيسة بإيبراشيات مترامية الأطراف وبعيدة عن بعضها، حيث كانت الإيبراشية الواحدة تضم ثلاثة محافظات أو أكثر، فعمل على تقسيمها من أجل الإجادة وسعيا نحو تعميق فكرة المؤسسة.

أما فيما يتعلق بملف الرهبنة، فقد كان البابا شنودة وحتى وفاته يحرص على قضاء ثلاثة أيام أسبوعيا بقلايته بالدير حتى لا ينسيه الكرسى حياته الرهبانية المقشفة، وينسب للبابا شنودة الذى كان يسمى الأب انطونيوس السريانى ومعه متى المسكين، ومكارى السريانى الذى صار أسقفا للخدمات فيما بعد، ينسب لهم إدخال جيل جديد من الشباب المتعلم إلى الحركة الرهبانية، حيث لفتوا النظر إليها كخريجى جامعات آثروا حياة الفقر الاختيارى على ما دونها.

ويوضح زاخر، أن البابا كيرلس السادس التفت إلى الشابين الجامعيين "انطونيوس ومكارى السريانى" وضمهما إلى سكرتاريته فصار الأنبا شنودة أسقفا للتعليم، والأنبا صموئيل أسقفا للخدمات، وعرفت الكنيسة المصرية مدرستين للرهبنة الأولى يتبناها "متى المسكين" ترفع شعار الرهبنة للرهبنة، والثانية يتبناها الأنبا شنودة وشعارها الرهبنة لخدمة الكنيسة، حيث كان للأخيرة أثرا بالغا بعدما أمدت الكنيسة بالكوادر المهمة والفاعلة.

ينسب للبابا شنودة أيضًا، أن أورث الكنيسة تقليدًا جديدًا هو اجتماع الأربعاء الأسبوعى، أو عظة البابا، حيث بدأها الأنبا شنودة حين كان أسقفا للتعليم واستمرت حتى الساعات الأخيرة قبل وفاته ينتظرها الملايين ويتابعها المسلمون قبل الأقباط.

يروى زاخر تاريخ العظة فيقول، أنها كانت كل جمعة ثم صارت كل أربعاء بناءا على تعليمات الأمن الذى لاحظ أن خطبة الشيخ كشك وعظة الأنبا شنودة تشهد اقبالا متزايدا من شباب المسلمين والأقباط فخشى أن يصطدم الطرفان، مؤكدا أن البابا شنودة نقل لغة الخطابة فى العظات الكنسية من اللغة الممتلئة بالمحسنات البديعية إلى لغة بسيطة أقرب إلى لغة الصحافة التى كان يعمل بها.

الإرث الاجتماعى لم يترك البابا شنودة، إرثا كنسيا فحسب بل ترك أيضًا ميراثا اجتماعيا كبيرا، أثر فى أقباط مصر طوال السنوات الفائتة، فالبابا الراحل هو صاحب فكرة الأسر الجامعية التى حفرت عميقا فى وجدان الشباب القبطى منذ الستينات وحتى اليوم حيث كانت اجتماعات تلك الأسر تعقد فى الكنائس القريبة من الجامعات وخرج منها ما يقرب من 80% من الكهنة وفقا لما يؤكده كمال زاخر.

كذلك فإن قاعدة "لا طلاق إلا لعلة الزنا" التى وضعها البابا الراحل عام 2008 وقصر بسببها أسباب الطلاق على الزنا بعدما كان الأقباط يكسرون السر المقدس لثمانية أسباب من بينها الزنا طوال السنوات التى سبقت ذلك، إلا أن تلك القاعدة التى فى ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب كلفت الكنيسة كثيرا وورثها البابا تواضروس مشكلة ضخمة تؤرق الكاتدرائية بعدما تراكمت ملفات الراغبين فى الطلاق والعالقين فى زيجات فاشلة، وحاول البابا الجديد أن يغير ما تركه سلفه إلا إنه واجه وما زال يواجه حربا ضروسا ممن اعتبروا ما وضعه البابا انجيلا جديدا لا يمكن الخروج عليه خاصة وسط ما ساقه البابا الراحل من حجج دينية استند إليها فى رأيه تختلف مع الحجج التى يسوقها أنصار توسيع أسباب الطلاق واللافت أن الطرفين يستندان إلى الإنجيل وأقوال الآباء.

الإرث السياسى كان راهبا بدرجة سياسى، أو سياسيا فى زى الرهبان، لذلك فإن ما تركه البابا شنودة من ميراث طويل ستعيش عليه الكنيسة سنوات وسنوات، ميراث أكد على وضعية الكنيسة القبطية فى التاريخ المصرى جزءا من مؤسسات الوطن وفصلا فى مسيرة شعبه.

اختلف البابا شنودة مع السادات بعدما أطلق الأخير يد الجماعات الإسلامية فى البلاد ليقاوم الشيوعيين وأنصار عبد الناصر، فاستشعر البابا الخطر على شعبه، ثم وصل الخلاف إلى مرحلة أخطر بعد أحداث الفتنة الطائفية التى وقعت عام 1972 بمنطقة الخانكة فغضب البابا وأعلن عن ذلك صراحة، فما كان من الرئيس إلا أن واجه ذلك بالحديث عن أطماع البابا فى تأسيس دولة للأقباط ، ثم وصل الخلاف إلى ذروته بعد رفض البابا إرسال وفود مسيحية إلى القدس فى أعقاب اتفاقية كامب ديفيد، حيث انضم البطريرك لحركة الجماهير الرافضة لها، وقرر مقاطعة الأقباط زيارة القدس بقرار من المجمع المقدس عام 1980 فما كان من الرئيس إلا أن أمر باعتقال البابا وتحديد إقامته وإلغاء قرار الموافقة على تعيينه بابا للإسكندرية.

يشير زاخر، إلى أن السادات رأى أن قوة البابا كانت تكمن فى أمرين، الأول فى مجلة الكرازة، والثانى فى الاجتماع الأسبوعى، ورأى أن هذا الأمر يدعم قوة البابا لذلك سحب ترخيص مجلة الكرازة ضمن قرارات سبتمبر، وألغى اجتماع البابا الأسبوعى.

منع البابا شنودة، الأقباط من زيارة القدس، مما شكل إرثا وطنيا كبيرا للكنيسة المصرية، حتى أن البابا تواضروس حين قرر كسر قرار المقاطعة وزيارة القدس فى نوفمبر الماضى لأسباب وصفها بالإنسانية تتعلق بتشييع الأنبا ابراهام مطرانها الراحل، واجه حربا ضروسا واشتبك مع تركة ثقيلة لا تنزاح بموت صاحبها، الذى رفض التطبيع بكل أشكاله.

وكذلك فإن البابا شنودة، وفى عصر الرئيس مبارك وبعد تجربته مع السادات حاول رسم أبعاد جديدة للعلاقة مع الرئيس المخلوع مبارك، فيقول زاخر، احتفظ كل منهما بشعرة معاوية التى يخشى أن تنقطع كخيط رفيع.

ربما قرر البابا تواضروس أن يقطع تلك الشعرة، ويتماهى مع الرئيس فى أكثر من مناسبة كان أبرزها حين انضم لخارطة الطريق يوم الثالث من يوليو عام 2013، إلى جوار شيخ الأزهر وباقى القوى الوطنية فرد الرئيس بزيارتين للكاتدرائية فى عيد الميلاد المجيد مرتين متتاليتين ليكتب البابا الجديد فصلا مغايرا للعلاقة بين الدولة والكنيسة لم تتضح سطوره بشكل كامل اليوم.




الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;