لم يستطع الرئيس السادات إقناع مستمعيه من الجانب المغربى بوجهة نظره فى توقيعه لاتفاقية كامب ديفيد مع رئيس الوزراء الإسرائيلى مناحم بيجين، وبحضور الرئيس الأمريكى جيمى كارتر فى واشنطن يوم 17 سبتمبر 1978، وحسب السفير سعد مرتضى فى مذكراته «مهمتى فى إسرائيل - مذكرات أول سفير مصرى فى تل أبيب»: «لم يكن الجو حارا، ومع ذلك راح الرئيس المصرى يجفف عرقه المنصب على جبينه بمنديله، وبعدما انتهى من حديثه خيم السكون على المجتمعين، وبدا واضحا من هذا الصمت الثقيل أن السادات لم ينجح فى كسب الجانب المغربى إلى صفه».
كان «مرتضى» شاهدا على هذه الزيارة لأنه كان سفيرا لمصر فى المغرب وقتئذ، واللافت فى شهادته أنها تأتى بالرغم من دور العاهل المغربى الملك الحسن الثانى السرى فى ترتيب لقاءات بين مسؤوليين مصريين وإسرائيليين مهدت لزيارة السادات إلى القدس، ويتذكر أنه فى مساء يوم 21 سبتمبر 1978، وصل السادات إلى الرباط قادما من واشنطن، ولم تكن هناك مراسم الاستقبال المعتادة لرئيس الدولة، ولا استعراض لحرس الشرف ولا موسيقى تعزف النشيد الوطنى المصرى، ويكشف: «كأنما قرأ مولاى حفيظ العلوى «وزير القصور الملكية والتشريفات» أفكارى، فأوضح لى أن التقاليد العسكرية لا تسمح بالاستقبال الرسمى بكل مظاهره بعد غروب الشمس، وطلب منى أن أوضح ذلك للمسؤولين المصريين تحاشيا لسوء الفهم».
فى صباح اليوم التالى «22 سبتمبر- مثل هذا اليوم- 1978»، توجه السادات يرافقه نائب رئيس الوزراء حسن التهامى، والدكتور بطرس غالى وزير الدولة للشؤون الخارجية، والدكتور أسامة الباز وكيل أول وزارة الخارجية إلى قصر الضميرات حيث استقبلهم الملك الحسن وكبار مستشاريه، ووفقا لمرتضى: «بدأ السادات فى عرض سرد تاريخى للنزاع العربى الإسرائيلى منذ بدء الحركة الصهيونية، ودعوة هرتزل، ووعد بلفور حتى صدور قرار الأمم التحدة بتقسيم فلسطين سنة 1947، وتحدث عن العدوان الثلاثى ضد مصر سنة 1956، ثم حرب الأيام الستة سنة 1967 التى فقدت فيها مصر وسوريا والأردن مساحات شاسعة من أراضيها، وأفاض فى شرح دور مصر خلال حرب 1973 وتعاونها مع سوريا، وكيف أن مصر حققت أول نصر عسكرى ضد إسرائيل، وأضاف أننا فى النهاية لم نصل إلى حل للنزاع العربى الفلسطينى باتباع سياسة الرفض والتمسك بالحصول على كل شىء أو لا شىء».
وقال السادات: «طريق رفض السلام، ستظل إسرائيل به محتفظة بالأرض المحتلة، وقد نرفض الآن ما نقبله بعد عشر سنوات فترفضه إسرائيل، وتأكدت بعد اتصالاتى بأطراف عديدة كان آخرها، الرئيس الرومانى تشاوتشيسكو، أن حكومة بيجين قادرة على توقيع السلام وراغبة فى ذلك، لهذا قمت بمبادرتى وزرت القدس، ورفض قادة العرب أن يؤيدوا موقفى، وكنت أريد استرداد الأراضى المحتلة بعد سنة 1967 عن طريق التفاوض والسلام.. تفاوضت فى كامب ديفيد وحصلت على سيناء بكاملها خالية من كل المستوطنات الإسرائيلية، مقابل السلام مع إسرائيل، أما فيما يتعلق بالشعب العربى فى فلسطين، فإننى اتفقت على مرحلة انتقالية يمارس بعدها الشعب الفلسطينى فى الضفة الغربية وغزة حقه فى تقرير مستقبله.. لقد حصلت على اتفاق»، وهنا رسم السادات بسبابته مستطيلا فى الهواء «فى حجم الانتصار الذى حققناه سنة 1973، وربما لووقف الإخوة العرب إلى جوارى لكنا حصلنا على شروط أفضل».
يؤكد مرتضى، أن السادات أوضح قصده من تصريحه باستعداده لتزويد إسرائيل بمياه النيل عبر سيناء والذى قوبل بالاستياء فى مصر والعالم العربى، فذكر أنه فى حرصه الشديد على إعادة الأراضى العربية إلى الشعب الفلسطينى، ذهب إلى حد عرضه أن يزود بمياه النيل كل مستوطنة إسرائيلية تنقل من الضفة الغربية وغزة إلى داخل إسرائيل، ولكن إسرائيل رفضت تمسكا بمستوطناتها، ويضيف مرتضى: «تساءل السادات فى ختام حديثه الذى استغرق أكثر من ساعة ونصف الساعة: «هل هناك حل آخر للمشكلة؟. إن إسرائيل تفرض حكما عسكريا صارما على شعب الأرض المحتلة، وحين زرت القدس تعالت نداءات بعض السكان تطلب منى مساعداتهم على التحرر من عسف الاحتلال الإسرائيلى».
يتذكر مرتضى، أنه بعد شرح السادات، دعا الملك الحسن مستشاريه ووزراءه إلى الاستفسار من الرئيس عما يريدون أو يرونه غامضا، فسأل أحد كبار المستشارين، عن مقررات قمة الرباط سنة 1974 التى تعتبر «منظمة التحرير» المتحدث الرسمى الوحيد باسم الشعب الفلسطينى، فأجاب، أنه لم يعالج القضية ذاتها، ولم يتفق على حل نهائى، لكنه سعى إلى الوصول لمرحلة انتقالية لتحسين أوضاع سكان الضفة الغربية وغزة، وسئل عن وضع مدينة القدس العربية، فقال إنه لم يتوصل بشأنها إلى اتفاق مع إسرائيل».