نقلا عن العدد الورقى..
منذ ما يقرب من شهرين، وتحديدًا فى 31 يناير الماضى، أعلنت مديرية الصحة بمحافظة كفر الشيخ عن اكتشاف حالة مصابة بفيروس نقص المناعة «الإيدز» داخل وحدة غسيل الكلى بالمستشفى التابع للمحافظة، وبناء عليه تم إعلان حالة الطوارئ، وتعقيم الوحدة بأكملها، خوفًا من انتشار الفيروس، وعلى الرغم من أن الواقعة السابقة تتطلب من الفريق الطبى المعالج داخل الوحدة اتباع الإرشادات الوقائية على أكمل وجه، فإن ما يحدث على أرض الواقع جاء مغايرًا تمامًا، مما ينذر باحتمالية ظهور حالة جديدة مصابة بالفيروس نفسه، وهذا ما تم الكشف عنه بعد التجول بين أرجاء الوحدة لتقييم أداء العاملين فيها، ومقارنته بما نص عليه دليل وزارة الصحة الصادر عام 2004 فيما يتعلق بالإرشادات الوقائية الواجب اتباعها لمكافحة العدوى، بداية من المواصفات القياسية لإنشاء وحدات الغسيل الكلوى، والمسافات بين الأسرة، والتى يجب ألا تقل عن ثلاثة أمتار، مرورًا بتطبيق معايير النظافة وتطهير الغرفة باستمرار، واتباع التعليمات من قبل طاقم التمريض والأطباء من حيث عدم التنقل بين المرضى دون تطهير الأيدى، أو ملامسة الماكينات دون قفازات، وتخصيص ممرضة لخدمة كل مريض.
المرافقون مع المرضى
بداية الرصد كانت مع باب وحدة غسيل الكلى المفتوح على مصراعيه، والذى يسمح لأى شخص بدخول الغرفة دون السؤال عن هويته، فى تجاهل تام لحساسية المكان الذى يمكث فيه المرضى، واحتمالية نقل أى فيروسات خارجية للداخل. تحت ستار الانضمام لإحدى الجمعيات الخيرية، جاء التجول بين أسرة المرضى، والتى يصل عددها إلى 40 سريرًا، منها 16 سريرًا مخصصة لمرضى الفشل الكلوى المصابين بفيروس «سى»، هذه الأسرة مقسمة إلى أربعة أقسام، وتشرف على كل قسم ممرضة واحدة فقط، وهذه كانت المخالفة الأولى، حيث إن عدد الممرضات القليل يجعلهن غير عابئات باتباع الإرشادات الوقائية بطريقة سليمة، مثلما فعلت إحداهن عندما قامت بتركيب «خراطيم» ماكينة الغسيل لأحد المرضى دون ارتداء القفازات، ويجعلهن أيضًا غير مكترثات بما يقوم به المرافقون للمرضى من حيث تقاسمهم الأسرة مع ذويهم فى انتظار انتهاء ساعات الغسيل، أو اصطحابهم الأطعمة والمشروبات فى الداخل. «نعمل فى اليوم الواحد لخدمة ما يقرب من 120 مريضًا مقسمين على 3 شيفتات، ناهيك عن الحالات الطارئة».. هكذا بدأت إحداهن حديثها، مضيفة: «استقبال المرضى يبدأ فى تمام الساعة السادسة والنصف صباحًا، وآلية العمل تستمر حتى التاسعة والعاشرة مساء، ورغم ذلك نقوم بعملنا على أفضل وجه، وفقًا للإمكانيات المتاحة، ونتحمل الحالة النفسية للمرضى ومعاملتهم السيئة لنا».
مكث فى أحد الأسرة رجل خمسينى، يشكو من عدم توافر معامل داخل المستشفى لإجراء التحاليل المطلوبة، مما يكبد المرضى عناء التنقل بين المعامل الخارجية، ناهيك عن نفقاتها المرتفعة، حيث تتحمل إدارة المستشفى إجراء تحاليل الفيروسات فقط، وخلال حديثه معنا تعامل المريض مباشرة مع ماكينة غسيل الكلى الخاصة به دون استشارة فريق التمريض، وعلل ذلك قائلاً: «إحنا اتعلمنا نخدم نفسنا بنفسنا، لازم ألحق نفسى قبل الدم ما يتجلط، هنا الغلطة بموتة» مضيفًا: «أحيانا بيكون فى الشفت ممرضة وحيدة تقوم برعاية كل المرضى الخاضعين للجلسات».
قرارات ما بعد ظهور الإيدز
إحدى الممرضات كشفت أن القرارات الاحترازية من إدارة المستشفى بالنسبة لوحدة الغسيل بعد اكتشاف الحالة المصابة بالإيدز تمثلت فى تخصيص ماكينتين للحالات الطارئة فقط طوال اليوم، خاصة أنه قبل ضجة «الإيدز» كان هناك «شفت» رابع يمكن من خلاله استقبال حالات الطوارئ على أى ماكينة شاغرة، وأضافت الممرضة أن الحالة عندما جاءت للوحدة لم تكن مصابة بالإيدز، لكن بعد أيام تم الكشف عن ذلك، مشيرة إلى أنه فى الوقت الحالى لا يمكن دمج الحالات الطارئة إلا بعد إجراء تحليل «الأليزا» الخاص باكتشاف الفيروسات، والذى يُعد بمثابة ضمانة يمكن بعدها اعتبار المريض من الحالات الأساسية التى يحق لها الغسيل على الماكينات، بعد صدور قرار العلاج على نفقة الدولة.
وأشارت الممرضة إلى أن فريق التمريض يعانى من قلة العدد، موضحة أن كل ممرضتين مسؤولتان عن 10 حالات، بمعنى أنه فى الـ«شفت» الواحد تُشرف 8 ممرضات على 40 حالة، مما يتسبب فى إرهاقهن، لافتة إلى أن الوحدة تحتاج إلى مطهرات وصابون بكثرة، إضافة إلى أن التعقيم أحيانًا لا يكفى، نظرًا لكثرة الحالات التى يتم استقبالها بشكل يومى.
الدكتور محمد عز العرب، أستاذ الفيروسات بالمعهد القومى للكبد، علق على الأمر قائلًا إن ماكينة غسيل الكلى فى حد ذاتها لا تنقل العدوى، إنما الوضع يتعلق بالفلاتر أو الأساتر ومرشحات دم المريض، وضرورة تخصيصها لكل مريض، مضيفًا أن الممرضات يجب عليهن استخدام قفاز خلال كل خطوة من الخطوات المتبعة لإخضاع المريض لجلسة الغسيل، إضافة إلى عدم الاعتناء بوضع السرنجات فى عبوات «الهيبارين»، لاسيما أن السرنجات تكون ملوثة بدم المرضى، ذلك الأمر الذى يؤثر على نقل الفيروسات بصورة كبيرة.
وشدد ممثل منظمة الصحة العالمية فى مصر على ضرورة تغيير الممرضات للقفازات خلال خطوات إخضاع المرضى للجلسات، موضحًا أن وجود نقاط دماء غير ظاهرة أحيانا يُشكل خطورة كبيرة فى إمكانية نقل العدوى من شخص لآخر إذا ظلت الممرضة مرتدية القفاز نفسه، لافتًا إلى أن عدم ارتداء الممرضة لقفاز من الأساس خطأ كبير لا يقبل التهاون فيه من قبل المسؤولين، ولفت «عز العرب» إلى أن وزارة الصحة عليها ضرورة توعية العاملين فى وحدات الغسيل الكلوى بالاشتراطات المفترض اتباعها، لا سيما أن ذلك الإجراء حماية للعاملين قبل المرضى من انتقال العدوى لهم، مضيفًا أن التوعية يجب أن تشمل الأطباء والممرضات وعاملات النظافة، وحتى الأمن الذى يعمل بالقرب من الوحدة.
واتفقت معه الدكتورة إيمان البحيرى، استشارى مكافحة العدوى بكلية طب قصر العينى، قائلة: الأخطاء التى تحدث داخل وحدات غسيل الكلى تقتل المريض ولا تعالجه، وتضاعف من حجم المصابين منهم بفيروس «سى»، وتؤدى لانتشار فيروسات أخرى كفيروس نقص المناعة «الإيدز»، فلا يجوز نهائيًا تنقل الممرضات بين المرضى دون ارتداء القفازات أو ملامسة المرضى ماكينات الغسيل دون الرجوع للطاقم الطبى، وبالتالى فإن القضاء على مثل تلك المشاكل يتطلب تدريب الممرضات والأطباء بشكل دورى من قبل مديريات الصحة على طرق مكافحة العدوى، والاشتراطات الواجب اتباعها.