فى الوقت الذى تدعى فيه إسرائيل كذبا بأنها واحة الديمقراطية والأكثر حرية فى الشرق الأوسط، تتعرض منظمات "حقوق الإنسان" والمنظمات المدافعة عن السلام فيها لعمليات تضيق ممنهجة وضغوط مستمرة، وصلت لحد اتهامها بالعمالة والتجسس، حيث شن عدد من مسئولى تل أبيب على رأسهم رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو هجمة شديدة ضد منظمة "كسر الصمت" اليسارية الإسرائيلية بإدعاء أنها تجاوزت "الخطوط الحمراء".
تأتى هذه الاتهامات فى وقت يواجه فيه مسئولو نحو 50 منظمة حقوقية تعمل فى مجال حقوق الإنسان والسلام فى إسرائيل، لتهديدات مستمرة بالقتل، بالإضافة لقانون سنته الحكومة الإسرائيلية مؤخرا يلزم تلك المنظمات بكشف مصادر تمويلها بغرض تحجيم دورها الإنسانى.
تقرير يشوه صورة المنظمة
وعقب بث تقرير للقناة الثانية بالتلفزيون الإسرائيلى، حول عمل المنظمة، التى تجمع شهادات من الجنود المنتهية خدمتهم فى الجيش الإسرائيلى، بهدف كشف انتهاكات لحقوق الإنسان فى الضفة الغربية وقطاع غزة، أثيرت ضجة كبيرة فى إسرائيل ضد المنظمة، وصلت لحد اتهامها بالتجسس ضد المنظومة العسكرية.
وطالب سياسيون إسرائيليون فى حكومة تل أبيب بفتح تحقيق ضد المنظمة، بتهمة التجسس وجمع معلومات أمنية غير متعلقة بحقوق الإنسان، حيث قال نتانياهو، "إن المنظمة تقوم بجمع معلومات سرية واستخبارية حول نشاطات الجيش الإسرائيلى".
مزاعم التجسس تحوم حول المنظمة
وزعم تحقيق القناة الإسرائيلية المحسوبة على النظام السياسى فى إسرائيل، أن المنظمة اليسارية التى تنشط فى مجال حقوق الإنسان، تجرى مقابلات مطولة مع جنود إسرائيليين، وتطرح عليهم أسئلة تتعلق بأمور أمنية وسرية، حيث شملت المقابلات أسئلة حول أسلحة يستخدمها الجيش الإسرائيلى وأساليب قتالية.
وعلق رئيس جهاز الأمن العام الداخلى "الشاباك" سابقا ونائب الكنيست حاليا، آفى ديختير، بأن الأسئلة مقلقة للغاية، وبعيدة كل البعد عن أى نشاطات إنسانية، مؤكدا أنه تحقيق أمنى بهدف كشف معلومات سرية عن الجيش الإسرائيلى.
مطالب بفتح تحقيق
وأشار مسئولون أمنيون بتل أبيب إلى أن المعلومات التى جمعتها المنظمة اليسارية، لو نقلت إلى دولة أجنبية، لكانت بمثابة مهمة تجسس خطيرة، وطالبوا بفتح التحقيق معها على خلفية هذا النشاط.
وقال نتانياهو: "إن منظمة كسر الصمت تجاوزت خطا أحمر جديدا، وإن الجهات الأمنية تفحص القضية فى هذه الأثناء".
وذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، إن هناك تساؤلات حول تجاوز المنظمة اليسارية لأهدافها المعلنة، أى أخذ إفادات جنود حول انتهاكات لحقوق الفلسطينيين فى المناطق المحتلة بالضفة الغربية وغيرها.
وفى المقابل علقت مديرة المنظمة، يولى نوفاك، قائلة إن المنظمة لا تجمع معلومات مصنفة سرية وإنها على اتصال دائم مع الرقابة العسكرية.
نقل معلومات عسكرية
فيما نقلت الإذاعة العامة الإسرائيلية عن الوزير زئيف إليكن، عن حزب "الليكود" قوله إنه مذهول من بيانات تقرير القناة الثانية التى تثير شبهات قوية بشأن قيام المنظمة بنقل معلومات عسكرية سرية إلى جهات أجنبية بما فيها فلسطينية، ورأى أنه يتعين على جهاز "الشاباك" والشرطة العسكرية الشروع فى تحقيق فورى ضد المنظمة حول إمكانية تجسسها ضد الجيش الإسرائيلى.
فيما وصف النائب بالكنيست يئير لبيد، رئيس حزب "هناك مستقبل" منظمة "كسر الصمت" بأنها منظمة "مقيتة"، تسعى إلى التآمر على إسرائيل وتقويضها، على حد وصفه.
وأوضح لابيد، المحسوب على المعارضة الإسرائيلية، أن توجيه الانتقاد إلى جيش الاحتلال داخل الدولة أمر مشروع، غير أن منظمة "كسر الصمت" تعمل على تشويه سمعة إسرائيل فى الخارج، وتلحق بها أضرارا فادحة، على حد قوله.
يعالون يأمر بالتحقيق
وفى أول رد فعل عملى، أمر وزير الدفاع الإسرائيلى موشيه يعالون، الجهات المختصة فى الجيش الإسرائيلى بفتح تحقيق بشأن احتمال حصول المنظمة اليسارية على معلومات سرية من جنود مسرحين عن فترة ادائهم الخدمة العسكرية.
من جانبها أكدت وزيرة العدل الإسرائيلية عن حزب "البيت اليهودى" اييليت شاكيد، إن السلطات المختصة تدرس التقرير لمعرفة ما إذا كان يشير إلى أبعاد جنائية فى نشاطات منظمة "كسر الصمت".
إسرائيل تلزم المنظمات بكشف مصادر تمويلها
واقعة الهجوم على "كسر الصمت" لم تكن الحادثة الأولى فى مسلسل الضغوط الإسرائيلية على منظمات المجتمع المدنى، بل أن اللجنة الوزارية الإسرائيلية لشئون التشريع، صادقت نهاية العام الماضى، على مشروع قانون يلزم الجمعيات ومنظمات المجتمع المدنى التى تتلقى دعما ماليا أجنبيا بكشف مصادر تمويلها.
وقالت وزيرة العدل اييليت شاكيد، حينها إن السبب وراء طرح مشروع القانون هو أن التبرعات التى تتلقاها الجمعيات تستخدم أداة لتنفيذ سياسات الدول المتبرعة، حسب قولها.
الاتحاد الأوربى ينتقد إسرائيل
وأضافت شكيد فى أعقاب انتهاء التصويت: "أن سفير الاتحاد الأوروبى صرح ضد القانون، وقال إنه يمس الديموقراطية، وطلب من إسرائيل الامتناع عن أنشطة تمس بحرية التعبير والتنظيم، وأنا أريد طمأنته بأن القانون لا يمس بتاتا بحرية التعبير، بل أعتقد أن تدخل الدول الأجنبية فى نظام وسياسة دولة آخرى هو الخطر الحقيقى على الديموقراطية، لا يمكن للاتحاد الأوروبى دعم جمعيات تعمل باسم إسرائيل، بينما يتم استغلالها عمليا من قبل دول أجنبية لتنفيذ سياساتها".
فيما اتهم رئيس الكتلة البرلمانية "القائمة العربية المشتركة" بالكنيست أيمن عودة، نتانياهو، بمحاولة إسكات كل انتقاد موجه إلى سياسة حكومته.
تكميم الأفواه
و وصفت رئيسة حركة "ميرتس" اليسارية الإسرائيلية، النائبة زهافا جلؤون قرار الحكومة بأنه محاولة لكتم أفواه المنظمات اليسارية ومنظمات حقوق الإنسان، لمجرد انتقادها سياسة الحكومة.
ويجبر مشروع قانون الجمعيات الذى طرحته شكيد، ممثلى الجمعيات التى تعتمد على تمويل من دول مختلفة، من الأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبى، على تعليق شارات على صدورهم أثناء تواجدهم فى الكنيست، والإشارة إلى مصادر تمويلها فى كل منتدى وكل منشور، إضافة إلى فرض قيود مختلفة عليها.
قلق فى أوروبا
وقد اثار القانون قلقا فى صفوف المعارضة البرلمانية وجهات أوروبية والتى حاولت منع تمريره، وسيتم طرح القانون للتصويت عليه فى القراءة الأولى فى الكنيست خلال هذا الاسبوع.
وكتب رئيس المعارضة الإسرائيلية يتسحاق هرتسوج على صفحته فى "الفيس بوك": حينها: "أن هذا القانون سىء ويكتم الافواه ويشوه السمعة ولا يناسب تدوينه فى كتاب القوانين، مضيفا أن الدولة التى حفرت على رايتها حرية التفكير والتعبير كانت الوحيدة فى الشرق الأوسط التى أتاحتها، لكن شكيد ضد ذلك. إنها تريد شرطة أفكار، والحكومة وخاصة رئيسها، يريدون بأن يتم سماع رأى واحد فقط، أنهم يخافون من الآراء الأخرى وضعفاء جدا أمام من لا يتفق معهم".
تهديدات بالقتل
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل دعت المنظمات الإسرائيلية غير الحكومية المدافعة عن السلام بداية شهر فبراير الماضى، إلى التحرك لمواجهة الحملة الشرسة التى تستهدف مسؤوليها وتتهمهم بأنهم عملاء للخارج ما جعلهم عرضة للمضايقات والتهديد بالقتل.
وقالت يولى نوفاك، رئيسة منظمة "كسر الصمت" التى توفر منبرا للجنود للكشف عن تصرفات الجيش المخالفة للقانون: "نحن نواجه حملة منظمة تهدف إلى تدمير المجتمع المدنى فى إسرائيل وموجة هجمات لا سابق لها يتم التشجيع عليها على أعلى مستوى بما فى ذلك من رئيس الوزراء (بنيامين) نتانياهو".
ونظمت 5 منظمات فى تل ابيب فعالية مشتركة للتعبئة والتعبير عن قلقها أمام الهجمات التى قالت إنها تزداد شراسة ضدها منذ أشهر، وقالت خلال مؤتمر صحفى إنها تتحدث باسم نحو 50 منظمة مدافعة عن السلام أو عن حقوق الإنسان، نظمت الفعالية تحت حماية شركة أمنية خاصة لإبعاد متظاهرين رفعوا لافتات كتب عليها "خونة"، ويؤكد مسئولو هذه المنظمات أنهم تلقوا تهديدا بالقتل ويتعرضون للمضايقات حتى فى منازلهم.