أقامت حكومة كتالونيا قبل عام واحداستفتاءً للانفصال عن إسبانيا، وأعلنت الانفصال فعليا فى 21 أكتوبر ثم خسرت كل شىء، والأن يبدو أن الأزمة تدخل فى طريق جديد باقتراح استفتاء أخر هذه المرة على الحكم الذاتى فى كتالونيا نفسها.
الاقتراح قدمه رئيس الوزراء الإسبانى بيدرو سانشيز المنتمى للحزب الاشتراكى كحل لأزمة الانقسام السياسى والتى استمرت عاما كاملا بينما المظاهرات تسير فى الشوارع الكتالونية تطالب بالانفصال، حيث عقد سانشيز مشاورات مع رئيس الإقليم الكتالونى المنتخب كويم تورا المؤيد للانفصال.. وقال فى تصريح لراديو "كادينا سير" إن "الاستفتاء سيكون على الحكم الذاتى وليس حق تقرير المصير".
لكن يستبعد أن يكون هذا حلا للأزمة .. لماذا؟
حكومة كتالونيا الحالية مؤيدة بشدة للانفصال، وتنتمى للتيار اليسارى، والحكومة الإسبانية الحالية يسارية أيضا ولها تعاطف مع حكومة كتالونيا، لكنها لا تريد الانفصال، وبسبب هذا التعاطف تم تقديم مقترح الاستفتاء بحسب موقع "بيزنس انسيدر" وموقع "فيرست بوست"، لكن على أرض الواقع فإن الضغط من الرأى العام الإسبانى والتيار المحافظ يؤيد بقاء كتالونيا ضمن الدولة الإسبانية.
وتحولت المظاهرات التى خرجت أمس فى ذكرى الاستفتاء لاشتباكات مع قوات الأمن تعطى إشارة واضحة لكون الاستفتاء المقترح لن يكون الدواء المطلوب.
موقع "بوليتيكو" فى نسخته الأوروبية، قال صراحة إن أخر ما تحتاجه كتالونيا حاليا هو مزيد من الصلاحيات للحكم الذاتى، لأنه إذا عادت الأمور إلى سابق عهدها فإنه لن يكون سوى تأخير للانفجار السياسى بمحاولة انفصال جديدة.. كيف هذا؟.
فى هذا الصيف صدر قرار من محكمة ألمانية بالإفراج عن رئيس كتالونيا السابق كارليس بوتشيمون "الذى قاد الاستفتاء العام الماضى".. ورفضت المحكمة تهم التمرد التى قدمتها الحكومة الإسبانية ضده.. وهذا تسبب فى ضغط أوروبى على مدريد للتفاوض مع الكتالونيين.
وبذلك فإن القرار بجانب المظاهرات الحاشدة فى كتالونيا يجعل حكومة الإقليم المؤيدة للانفصال، تشعر بالقوة ولن ترى داعيا لتقديم تنازلات أمام مدريد بل على الأرجح ستطلب عودة الحكم الذاتى بمزيد من الصلاحيات لها.
بيدرو سانشيز المتعاطف مع برشلونة يرى إن الموقف يمكن حله عبر "تقديم مزيد من الصلاحيات فى الحكم الذاتى مقابل تخلى الكتالونيين عن مطالب الانفصال"، لكن ما تشير له الأحداث على الواقع هو أن التصويت فى الاستفتاء المقترح سيكون لصالح بقاء الحكم الذاتى ومنح صلاحيات أكبر بدون التخلى عن حلم الانفصال.
الكاتب الكتالونى إجناسى ريبو نفسه قال إن الحكم الذاتى نفسه هو السبب فى الأزمة الحالية، لأن الدستور الإسبانى الذى صدر عام 1978 منح كتالونيا صلاحيات واسعة بالفعل فى إدارة الإقليم، لكنه فى نفس الوقت به تناقض يقول إن مدريد صاحبة الكلمة العليا فى حكم كل إسبانيا، وهذا يعنى أن أى صلاحيات جديدة لحكومة كتالونيا ستلقى رفضا من باقى التيارات السياسية الإسبانية التى مازالت تحلم بحكومة مركزية قوية مسيطرة مثل فرنسا تحديدا أى أنه هناك حلما فى القضاء على فكرة الأقاليم نفسها والتوجه لدولة إسبانية مركزية وليس دولة اتحادية مثل ألمانيا حتى.
وتنتمى هذه الأحزاب لليمين واليسار بكل طوائفها، ولكنها ستعمل معا على حجب أى قرار من مدريد يأتى لصالح مزيد من الصلاحيات لكتالونيا، ولذا يمكن تخيل السيناريو التالى: إقامة استفتاء جديد تأتى بنتيجة مؤيدة لمزيد من الصلاحيات لكتالونيا، نتيجة الاستفتاء ستكون ملزمة لرئيس الحكومة بيدرو سانشيز، بينما الأحزاب الإسبانية تمنع تطبيق نتائج الاستفتاء، وبالتالى الباب مفتوح لأزمات وتوترات أشد بين برشلونة ومدريد، ثم العودة للاشتباكات فى الشوارع والمطالبة بالانفصال.