رغم تمسكها بالاتفاق النووى المبرم بين إيران والدول الكبرى فى 2015، ودورها فى إنقاذه، ووعودها إلى جانب شركائها الأوروبيين بالالتفاف على العقوبات الأمريكية وتمكين طهران من بيع نفطها عبر حزمة ضمانات اقتصادية، إلا أن هذا البلد الأوروبى يشارك الولايات المتحدة وحلفائها فى مخاوف على رأسها 3 ملفات كبرى منها برنامج طهران الصاروخى ومستقبل برنامجها النووى ودورها الإقليمى، وفى هذا الإطار أعلنت فرنسا أمس تجميد أصول رجلين إيرانيين وإدارة الأمن فى وزارة الأمن والاستخبارات الإيرانية لمدة 6 أشهر بموجب مرسوم نشر فى الجريدة الرسمية.
وفى التفاصيل قال وزير الداخلية جيرار كولومب، ووزير الاقتصاد دريان وبرونو لو مير، ووزير الخارجية جان-إيف لو، قالوا فى بيان مشترك ردا على تجميد أصول مالية لفردين إيرانيين وأصولا مملوكة للمخابرات الإيرانية، "أن هذا العمل له خطورة شديدة على أراضينا ولا يمكن أن تبقى دون رد فعل، فسيادة القانون لها أولوية فى البلاد".
وأعلنت السلطات الفرنسية، أن هذا الإجراء تم اتخاذه ضد هذين الشخصين لأن لهما صلة بمشروع الهجوم (الذى أحبط) فى فيلبينت (سين-سانت-دينيس) فى 30 يونيو 2018.وقال الوزراء فى بيانهم، "لقد اتخذت فرنسا تدابير وقائية هادفة ومتناسبة فى شكل اعتماد تدابير التجميد الوطنية لأصول السيد أسد الله أسدى، وهاشمى مغدام، والرعايا الإيرانيين، فضلا عن مديرية الأمن الداخلى بوزارة الاستخبارات الإيرانية".
وقال جان-إيف لو دريان، فى تصريح للحكومة "إن الهجوم الفاشل فى فيلبينت يؤكد على الحاجة إلى مقاربة ملحة فى علاقاتنا مع إيران"، وأكد أن هذا الإجراء سارى المفعول لمدة ستة أشهر، ونتج عنه أمر نشر الثلاثاء فى الجريدة الرسمية.
أسباب الخطوة الفرنسية
لم يكن الإجراء الفرنسى مفاجأة، وتأتى الخطوة حاملة دلالات عديدة، فقبل أسابيع طلبت وبالتحديد فى 19 سبتمبر الماضى، طالبت فرنسا وفقا لمسؤولون فرنسيون، الحصول من طهران على معلومات عن مؤامرة فاشلة لتفجير مؤتمر للمعارضة الإيرانية في باريس في يونيو الماضى، وكان شرطا من أجل تعيين سفير فرنسي جديد لدى طهران، وقال مصدر رئاسى فرنسى "إيران وعدت بإعطائنا حقائق موضوعية في الأسابيع القادمة ستسمح لنا بمواصلة علاقاتنا الدبلوماسية كما هي اليوم".
ورغم وعود طهران، إلا أن تقاعسها عن الإدلاء بمعلومات حول ضلوعها المباشر أو غير المباشر فى الاعتداء على المؤتمر السنوى للمعارضة "منظمة مجاهدى خلق" المحظورة داخل إيران والتى تصفها "بالارهابية"، يعد ذلك أحد أبرز أسباب الإجراء الذى اتخذته فرنسا اليوم، ففى يونيو الماضى ألقي القبض على دبلوماسي إيراني يعمل في السويد و 3 أشخاص ، وكشفت النيابة العامة الاتحادية البلجيكية احباط مخططاً لاعتداء بالقنبلة كان يستهدف تجمعاً لحركة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة في يونيو بالقرب من باريس. وأوقف في اليوم ذاته بلجيكيان من أصول إيرانية في بروكسل وبحوزتهما 500 جرام من المواد المتفجرة، وقال معارضون إيرانيون إن أسد الله أسدي (46 عاماً)، أحد المشتبه بهم.
وسوف يترتب على هذه الخطوة مزيدا من تدهور العلاقات الفرنسية - الإيرانية المتوترة أصلا، وجاء تصريح وزير الخارجية الفرنسى، جان إيف لودريان في البيان قائلاً: "الاعتداء الذي تم إحباطه في منطقة فيلبنت يؤكد على ضرورة اتباع نهج مختلف في العلاقات مع إيران".، فوسط توعد واشنطن بفرض عقوبات على شركات أوروبية تتعاون مع طهران، بدأت الشركات الفرنسية "فرارها" من إيران. وفي 20 أغسطس، أعلن وزير النفط الإيراني، بيجان زنجنه، أن شركة النفط والغاز الفرنسية "توتال" قد خرجت رسميا من بلاده. كما قامت الخطوط الجوية الفرنسية "إير فرانس"، اغسطس الماضي، بإلغاء تسيير رحلاتها إلى العاصمة الإيرانية، وقد خفضت الشركة الفرنسية بالفعل رحلاتها من باريس إلى طهران من 3 إلى 1 في الأسبوع بالشهر نفسه، بحسب مكتب الاتصالات في الشركة، على أن تنتهي في 18 سبتمبر الجارى، و28 اغسطس طلبت فرنسا من دبلوماسييها وموظفي وزارة خارجيتها تأجيل كل سفر غير ضروري إلى إيران، بسبب تشدد موقف طهران إزاء فرنسا.
تثير 3 ملفات رئيسية مخاوف باريس، وجائت على لسان وزيرة الدفاع الفرنسية فلورنس بارلي، اليوم الثلاثاء، التى اعربت عن قلقها إزاء البرنامج الصاروخي النووي الإيراني الذي قالت أنه يمثل تهديداً متنامياً ومصدر قلق للمجتمع الدولي، وبرنامج طهران للصواريخ البالسيتية النووية وقالت أنه يمثل تهديداً وإنها مبعث قلق كبير، وهو الأمر ذاته الذى أكد عليه الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، خلال كلمته باجتماع مجلس الأمن الذى ترأسه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى الـ 26 من سبتمبر الماضى، حيث جدد في دعوته إلى إجراء "مفاوضات جديدة حول إيجاد إطار للاتفاق النووي لما بعد 2025-2030 وحول تطوير إيران لدقة ترسانتها الصاروخية ومداها والاستقرار الإقليمي".