كشف الدكتور سعد الدين إبراهيم، أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية ومدير مركز ابن خلدون، عن كواليس لقاءاته بعناصر جماعة الإخوان فى تركيا، مشيرا إلى أن اللقاءات تضمنت مقابلة مع شباب الجماعة بقيادة «عصام تلمية» مدير مكتب «يوسف القرضاوى» السابق، مؤكدا أن الاستجابة لمبادرته المصالحة مع «الإخوان» ستجنب مصر نزيف المزيد من الدماء،
وإلى نص الحوار:
طرحت مبادرة المصالحة مع الإخوان فإلى أين وصلت هذه المبادرة؟
- مبادرة مصالحة «الإخوان» مع الدولة أثارت نقاشا عاما فى الداخل، وفى الخارج اهتموا بالمبادرة، ولم أقم بأى متابعة للأمر، وقد اقترح البعض على أن أقوم بعرضها على مجلس النواب لكى يتبناها.
هل تفكر فى عرضها على مجلس النواب؟
- لم أعرضها ولم أنوِ عرضها على مجلس النواب، فأنا أعتبر أن إثارة المبادرة فى وسائل الإعلام تكفى لكى يتبناها مجلس النواب، وأنا أرى أن هناك فريقا يرفض تماماً أى حديث عن المصالحة مع «الإخوان»، ويعتبر فكرة المصالحة خيانة للدولة وللمجتمع.
بعدما طرحت مبادرة المصالحة هل تواصلت مع «الإخوان» بشكل مباشر؟
- نعم تواصلت مع جماعة الإخوان مرتين فى تركيا، الأولى مع شيوخ جماعة الإخوان والثانية مع شبابهم.
مع أى الشخصيات التقيت بالتحديد من شيوخ وشباب الإخوان؟
- من شيوخ الإخوان التقيت الدكتور «محمود حسين»، ومعه عدد من كبار الإخوان فى إسطنبول، أما المرة الثانية فالتقيت شباب الإخوان وعلى رأسهم «عصام تليمة»، فى إسطنبول.
ماذا دار فى هذه اللقاءات مع شيوخ الإخوان وشبابهم؟
- تحدثنا عن المصالحة، والشيوخ يريدون ترك الجماعة قوية بعد وفاتهم، أما الشباب، وعلى رأسهم «عصام تليمة» الذى حرص على تعريفى بأنه من «آل تليمة»، كان لقائى به ظريفا، ولكنه ضد المصالحة وجميع شباب الإخوان رافضين للمصالحة.
لكن «محمود حسين» كذب حدوث لقاء جمع بينكما أو أى أحاديث عن المصالحة معك، فما ردك؟
- لأن شباب الجماعة هاجموه، وهو لا يريد انشقاقات أكثر من ذلك، فجماعة الإخوان كما فهمت تمر بحالة من الانشقاق لأسباب مادية، فشيوخ الجماعة متحكمون فى ثروة الجماعة، وشباب الجماعة يعيشون على الفتات فى إسطنبول، ويريدون أن يكون لهم دور فى إدارة أموال الجماعة.
هل تواصلت مع أحد من السلطات لطرح مبادرة المصالحة بشكل رسمى؟
- لا لم يحدث أى اتصالات مع السلطات، فأنا لم أتصل بالسلطة وهى لم تتصل بى، فأنا لا أدرى بمن أتصل وبأى من الشخصيات فى السلطة، فكان يوجد بينى وبين السلطات تواصل قبل 25 يناير، ولكنه تواصل عدائى، وكل فترة كان يتم القبض على، وقبل عام 2000 كان اتصالى بالسلطات وديا قبل موضوع التوريث، الذى أغضب الشعب على النظام والسلطة، وقد كان رجال نظام «مبارك» يستشيروننى فى أمور كثيرة، و«سوزان مبارك» و«جمال» و«علاء» تلاميذى.
ما ردك على من يصفونك بأنك عميل للأمريكان؟
- عندما أسمع هذا الكلام أقول الأمريكان لم يطلبوا منى شيئا، ولو طلبوا منى جائز أوافق، فالأمريكان لم يطلبوا منى أن أكون رجلهم فى مصر، وهذا الكلام من بقايا التفسير التآمرى الموجود منذ عهد عبد الناصر، فأى شخص مستقل أو له علاقة بالغرب، يقولون عنه عميل الغرب، وأنا فى إحدى المرات سألت الأمريكان لماذا لم تطلبوا منى شيئا، قالوا لى: «أنت تقوم بالدور من غير ما نعطيك فلوس».
ما خطوات إجراء مصالحة مع الإخوان؟
- أن تتوقف «الإخوان» وأنصارها عن استخدام العنف حتى لا يستمر سقوط الدماء، وأن تقلع الجماعة عن أى عمل سرى مقابل أن تطلق الدولة سراح «محمد مرسى» وقيادات الإخوان.
هل لديك قناعة بأن الإخوان ارتكبت أعمال عنف؟
- نعم
هل هذا لا يقنعك بأن الإخوان إرهابية كما تصفها الحكومة المصرية؟
- لا، فجماعة الإخوان ليست إرهابية، إنما بعض أفرادها ارتكبوا أعمال عنف، يمكن القول إن «الإخوان» ليست جماعة إرهابية، وإنما بينهم إرهابيون، وأنا شخصيا لا أستطيع أن أقول على جماعة الإخوان جماعة إرهابية، إلا لو كان لدى من الأدلة ما يكفى، فالجسم الإخوانى ليس إرهابيا، وأنا تفسيرى أن هناك شبابا ناقمين بعد إزاحة الجماعة بعيدا عن السلطة بالطريقة التى أزيحوا بها، وبالتالى كان رد فعلهم أعمالا انتقامية من رموز السلطة، أى الجيش والشرطة والقضاء.
لكن الحكومة المصرية تعتبر الإخوان إرهابية والرأى العام يردد هذا الوصف فلماذا إذن تخالف هذا الرأى؟
- «أنا مايهمنيش الرأى العام أنا كمثقف ودارس فى علم الاجتماع أقول رأيى وتوصيفى للأمور، ولا أنا مرتبط بالسلطة، ولا أنا ملتزم بما تقوله السلطة لا فى مصر، ولا فى أى بلد أخرى».
الكونجرس الأمريكى مشغول الفترة الحالية بمشروع قانون يدرج الإخوان تنظيما إرهابيا، هل للجماعة وجود داخل الكونجرس يستطيع إيقاف هذا المشروع؟
- نعم، جماعة الإخوان لها تأثير على أعضاء فى الكونجرس، لأنهم تعلموا من اللوبى الصهيونى، فاللوبى الصهيونى جزء من تأثيره على الكونجرس، إنه يتبرع للحملات الانتخابية لأعضاء مجلس النواب وأعضاء مجلس الشورى، سواء للجمهوريين أو للديمقراطيين، وبالتالى يكون عنده قناة اتصال ووسائل ضغط على أعضاء الكونجرس من كلا الحزبين، «الإخوان» فى أمريكا يفعلون كاللوبى الصهيونى، فمن «الإخوان» عدد كبير من ميسورى الحال، سواء رجال أعمال أو مهنيين، يتبرعوا للحزبين القويين فى أمريكا، كما أنهم يمولون بعض وسائل الإعلام الأمريكى، وبالتالى فـ«الإخوان» لها نفوذ فى أمريكا، وممكن أعضائها يوصلون وجهة نظرهم، وذلك بعكس الحكومة المصرية التى لا تتحرك إلا بعد قيام جماعة الإخوان بخطوات استباقية.
ما العوامل التى جعلت «الإخوان» تتمتع بكل هذا النفوذ فى الكونجرس الأمريكى؟
- الإخوان كتنظيم على رأى «جمال البنا» الشقيق الأصغر لحسن البنا مؤسس الجماعة، فيه صفتا «اللينينية» و«الماسونية»، «ماسونية» بمعنى السرية، و «لينينية» بمعنى الانضباط الحديدى حتى لا يخرج الأفراد عن طوع الجماعة، ولذلك فمن انشقوا عن الجماعة، وعملوا نقدا ذاتيا تم فصلهم من التنظيم.
هل ستستمر فى التواصل مع قيادات «الإخوان» فى إسطنبول؟
- أنا لم أذهب مخصوصا للإخوان فى إسطنبول، ولكنى كنت ذاهبا لإلقاء محاضرة، وعندما سافرت اتصلت بصديقى الدكتور أيمن نور، والرجل مشكورا عزمنى على العشاء مرتين، مرة مع شيوخ الإخوان، ومرة مع شباب الإخوان، فالدكتور أيمن نور هو الذى نظم لقاءاتى مع الإخوان بشكل ودى.
نعود للمبادرة، ما هى الدوافع التى جعلتك تطرح فكرة المصالحة مع الإخوان؟
- أنا لم أطرح هذه المبادرة من أجل «وجع الدماغ»، فأنا داعية مجتمع مدنى ولى دور فى الحياة العامة، ولى أدوار معروفة بسببها دخلت السجن، ولن أتخلى عنها فى شيخوختى، فأنا حريص على أمن هذا المجتمع وسلامته، وعلى أن تسود روح الوئام بين الفرقاء، وحريص على الديمقراطية، والديمقرطية تعنى إدارة الخلافات بشكل سلمى.
هل انتقاد مبادرتك سيجعلك تتراجع عنها؟
- لا، لن أتراجع، فأنا كأب روحى لحركة حقوق الإنسان فى مصر، وصاحب دعوة، لن أتراجع بسبب هجوم من عدة أفراد، فأنا مؤمن بما أفعله ولدى الرغبة فى طرح السلم الاجتماعى، ويكفينى حقن دماء مواطن مصرى واحد يستحق مبادرتى، وفى حالة عدم تحقيق المصالحة، سوف يستمر سقوط الدماء، فحيثما يستطيع الإخوان الاعتداء على فرد من الجيش أو الشرطة فإنهم لا يترددون.
فى أى وقت طرحت مبادرة المصالحة مع الإخوان؟
- منذ حوالى شهر عندما كنت فى تركيا.
هل ترى أنها فشلت؟
- لا، وأنا أترك الحكم للآخرين، وهناك يقبلونها ولكن بصوت واطى، وفى كل الأحوال أجرى على الله.
ننتقل إلى الأوضاع بالداخل.. ما رأيك فى أداء مجلس النواب؟
- فى ظل تركيبته والظروف التى انتخب فيها لا بأس به، لأن الذين انتخبوا هذا المجلس 28% ممن لهم حق التصويت، وهذا تقريبا ربع المجتمع، فأنا أعتبر هذا المجلس ربع شرعية وليس شرعية كاملة.
ما رأيك فى بيان الاتحاد الأوروبى الذى وجه لمصر انتقادات حادة؟
- الانتقادات التى وجهها البرلمان الأوروبى لمصر فعلية، وما كان ينبغى لمصر فى هذه الظروف أن تتجاوز فى هذا ملف حقوق الإنسان، لأن عيون العالم كلها مسلطة علينا، فأنا كأب روحى لحركة حقوق الإنسان فى مصر، وأول أمين عام للمنظمة العربية لحقوق الإنسان، أستطيع القول إن كل ما يمس هذا الملف يمثل حساسية خاصة، فالنظام للأسف الشديد اقترف تجاوزات خطيرة فى هذا الملف وبدون داعٍ، ويوجد ما بين 60 و100 ألف محبوس بدون محاكمة، وبدون إحالة، وهذا انتهاك لحقوق الإنسان.
وماذا عن أداء السلفيين؟
- السلفيون هم ورثة الإخوان، فقد كانوا يقولون عن السياسة نجاسة، ولذلك كانوا أحبة النظام فى عهد مبارك، وأول ما الإخوان سقطوا يريدون أن يرثوهم فى كل شىء، والآن يعتبرون السياسة شهادة، بعدما كانون يعتبرونها نجاسة، والسلفيون لديهم قدر كبير من الطموح الباطنى وظهورهم بمظهر «غير المهتم» بالسلطة، هو من باب التقية على الطريقة الشيعية.