-واتحاد ناشرى الصحف الأمريكية يطالب الكونجرس بالتدخل ومنحهم حق التفاوض جماعيا مع منصات وسائل التواصل الاجتماعى
- رئيس تحرير «النهار»: الخطوة صرخة ضمير والأمر أكبر من أزمة تواجه الصحف المطبوعة
غاب الدولار وجفت الصحف.. بهذه العبارة يمكن إيجاز ما تواجهه الصحافة العربية وفى القلب منها الصحافة المصرية من أزمات مالية طاحنة، أودت بحياة العديد من الإصدارات اللامعة على مدى عقود، فبعدما عانت صاحبة الجلالة من القيود الأمنية وكانت محط ملاحقات قوى الاحتلال فى بلدان العالم العربى فى أربعينيات وخمسينيات القرن الماضى، تقف الصحافة فى الوقت الحالى أمام تحديات من نوع جديد ليدفع القائمون عليها والمؤمنون بحرية الرأى والتعبير ثمن الأزمات الاقتصادية العالمية، ودور شبكات التواصل الاجتماعى ومحركات البحث الشهيرة فى إتاحة المحتوى الإخبارى دون مقابل، ودون حماية واضحة لحقوق الملكية الفكرية.
وفى بيروت، فوجئ اللبنانيون، صباح أمس الخميس، بصدور العدد المطبوع لصحيفة النهار فى 8 صفحات بيضاء، بالتزامن مع تخصيص مساحات بيضاء فى مختلف أقسام الموقع الإلكترونى للصحيفة، وكذلك الحال فيما يتعلق بحساباتها على «فيس بوك» و«تويتر»، ليتبع ذلك موجة من ردود الفعل الواسعة خاصة فى أوساط الصحفيين والإعلاميين اللبنانيين الذين أكدوا عبر منصات السوشيال ميديا تضامنهم مع الصحيفة فى ظل الأزمات المالية التى تواجهها.
ورغم عدم إعلان الصحيفة عن السبب وراء هذه الخطوة، فإن المعلقين تداركوا سريعا أن الموقف رسالة احتجاج على الأوضاع المالية الصعبة التى تواجهها الصحف داخل لبنان فى ظل ارتفاع أسعار الورق المستورد، وزيادة تكاليف الطباعة، والتراجع الملحوظ فى عائدات الإعلانات والمبيعات وغيرها من الموارد التى تعيش عليها دور النشر، بخلاف اتجاه العديد من الأجيال الشابة فى لبنان والعالم العربى للاعتماد على السوشيال ميديا كمصدر أول، وربما وحيد للمعلومات دون النظر إلى معايير المصداقية والدقة وغيرها من القيم التى تشكل أسس العمل الصحفى والإعلامى السليم.
ومنتصف يوم أمس الخميس الأسود فى الصحافة اللبنانية، قالت نايلة توينى رئيس تحرير «النهار» فى مؤتمر صحفى، إن الخطوة تهدف لأن تكون «صرخة ضمير»، مؤكدة أن الأمر أكبر من أزمة تواجه الصحف المطبوعة، وإنما الدولة اللبنانية بأكملها، نافية وجود اتجاه للتوقف عن الإصدار فى الوقت الراهن، ودعت لإطلاق شعار «نهار أبيض بوجه الظلمة».
وقبل أيام، أقر وزير الإعلام اللبنانى ملحم رياشى بما تعانيه الصحافة اللبنانية من أزمات، مشيرا إلى أن عدد الصحف الصادرة فى بيروت بات ثمانية صحف فقط، متعهدا بالعمل مع مسؤولى دور النشر لوقف نزيف الخسائر، عبر اقتراحات عدة من بينها دراسة الإعفاءات الجمركية للورق ومستلزمات الصحف، وإعفاء وسائل الإعلام المكتوبة من رسوم الهاتف والكهرباء وغيرها، مقابل انتقال الصحف إلى الإعلام الرقمى خلال فترة ما بين عامين إلى ثلاثة أعوام، مع دراسة أن تؤول الملكية للدولة ولو بشكل مؤقت.
وخلال السنوات القليلة الماضية، غادر العديد من الصحف اللبنانية الساحة، وفى مقدمتها «السفير» التى صدرت من عام 1974 وتوقفت آخر 2016. كما غابت صحيفة «البيرق» التى تأسست عام 1911 بعد 90 عاما على الصدور، وكذلك انطفأت أنوار جريدة «الأنوار» التى كانت تصدر عن «دار الصياد» منذ أكثر من نصف قرن، وأيضا توقفت جريدة «البلد»، وغابت طبعة «الحياة» عن بيروت، وكذلك «الاتحاد»، وقبلهما «النداء»، وغيرها.
ومن بيروت إلى القاهرة، لا تختلف وتيرة الأزمات، حيث تدرس حاليا لجنة مشتركة من رؤساء تحرير ومجالس إدارات الصحافة القومية والخاصة رفع أسعار الإصدارات والبحث عن تطوير منافذ التوزيع وإجراء دراسات جدوى لإنشاء مصنع ورق بدلاً من الاعتماد على الاستيراد فى وقت تتكبد فيه الصحف القومية بالفعل خسائر فادحة، وتعانى بعض الصحف الخاصة إجراءات استثنائية للبقاء على الساحة، وهو ما عكسه موقف حزب التجمع الذى أعلن عنه منتصف العام الجارى المتحدث باسم الحزب نبيل زكى، بتأكيده أن الأمانة المركزية تدرس إغلاق جريدة الأهالى بشكل نهائى بعد ارتفاع أسعار ورق الطباعة.
ولا تقتصر الأزمات المالية التى تعانيها الصحف ودور النشر على العالم العربى وبلدان الشرق الأوسط، ففى الولايات المتحدة، طالب اتحاد ناشرى الصحف الكبرى، الكونجرس بالتدخل ومنحهم الحق فى التفاوض جماعيا مع منصات وسائل التواصل الاجتماعى فى حلقة جديدة من الصراع بين دور النشر والقائمين على تلك المنصات لنشرها المحتوى الإخبارى دون مقابل، رغم اقتسامها بشكل جائر، حصة الصحف المطبوعة والإلكترونية فى سوق الإعلانات الرقمية.
وذكر تقرير نشرته صحيفة «لوس أنجلوس تايمز» قبل قرابة عام، أن شركتى فيس بوك وجوجل تستحوذان على أكثر من %70 من سوق الإعلانات الرقمية فى الولايات المتحدة، والذى يبلغ 73 مليار دولار، وهو ما انعكس فى تراجع إيرادات الصحف الأمريكية من الإعلانات عام 2016 إلى 18 مليار دولار مقارنة بـ50 مليار دولار قبل ذلك.
وعن الدور السلبى الذى تلعبه منصات التواصل الاجتماعى ومحركات البحث فى صناعة الإعلام، قال ديفيد تشافيرن الرئيس والمدير التنفيذى لتحالف وسائل الإعلام الإخبارية، فى مقال سابق بصحيفة وول ستريت جورنال «إن فيس بوك وجوجل لا توظفان الصحفيين ولا تتعقب السجلات العامة للكشف عن الفساد، وإرسال المراسلين فى مناطق الحرب، إنهم يتوقعون أن يقوم صناع الأخبار، الذين يتعرضون للضغوط الاقتصادية، أن يقوموا بذلك العمل المكلف بدلا منهم».
الأزمة التى تعانيها كذلك دول أوروبية، وضع «تشافيرن» حلولاً مقترحة لها، بقوله: «الطريقة الوحيدة التى يمكن للناشرين أن يواجهوا بها هذا التهديد العنيد هى الاتحاد معا»، وأضاف: «إذا فتحوا جبهة موحدة للتفاوض مع جوجل وفيس بوك، عاملين على الدفع نحو تعزيز حماية الملكية الفكرية ودعم أفضل لنماذج الاشتراك وتحقيق حصة عادلة من الإيرادات والبيانات، فيمكن أن نبنى مستقبلا أكثر استدامة لصناعة الأخبار».