انطلقت فعاليات المؤتمر العالمي الرابع للأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، المنعقد تحت مظلة دار الإفتاء المصرية، ورعاية رئاسة الجمهورية، والذي تستمر وقائعه على مدار ثلاثة أيام من 16 وحتى 18 أكتوبر الجاري، تحت عنوان "التجديد في الفتوى بين النظرية والتطبيق"، وهو المؤتمر الذي تقود مصر من خلاله قاطرة تجديد الفتوى في العالم الإسلامي، ويحضره أكثر من 70 وفدًا من الدول الإسلامية.
وقال الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية ورئيس المؤتمر في كلمته بالجلسة الافتتاحية إن المؤتمر هذا العام يأتي في ظرف غاية في الأهمية والخطورة، حيث لا زال تهديد جماعات الظلام الإرهابية يلقي بظلاله على العالم بأسره، وإنَّ من الأهمية بمكان حتى نقضي على هذه الأفكار الشاذة، أن نتكاتف جميعا على محاربة الإرهاب الأسود وتجفيف منابعه ومواجهته بكافة الوسائل المشروعة، وفي مقدمة هذه الوسائل مشروعاتُ التجديد وتصحيحِ المفاهيم التي تقوم بها المؤسسات الدينية وفي مقدمتها الأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية والأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم.
وأشار المفتي إلى أنه لم يخرج عن المنهج السليم للإفتاء إلا جماعات آمنت بأفكار شاذة مغلوطة، تغولت على التراث دون امتلاك وإحكام لمفاتيحِ العلوم، وقواعدِ الفهم الصحيح والمنهج السديد، وأعرضت هذه الجماعات بالكلية عن التلقي عن أهل العلم الثقات من العلماء العاملين، الذي نقلوا العلم بالإسناد المتصل إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فضلا عن جهل هذه الجماعات الشديد بالواقع الذي نعيش فيه وإهمال إدراكه إدراكا صحيحا، وفهم التغيرات التي تطرأ على المجتمعات والثقافات نتيجة حركة التطور المعرفي والحضاري.
وطالب مفتي الجمهورية جميع المؤسسات بتوحيد الصف وضرورة التكاتف لمحاربة الإرهاب الأسود وتجفيف منابعه ومواجهته بكافة الوسائل المشروعة، وفي مقدمة هذه الوسائل مشروعاتُ التجديد وتصحيحِ المفاهيم التي تقوم بها المؤسسات الدينية وفي مقدمتها الأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية والأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم.
ومن جانبه قال الدكتور مختار جمعة، وزير الأوقاف نائبا عن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، أن التجديد في الفتوى أمر حتمي لا مناص منه، وأن مراعاة مقتضيات الزمان والأحكام أمر حتمي في الفتوى مع تفريقنا الواضح والهام بين الثابت والمتغير، موضحًا أن "إلباس الثابت ثوب المتغير هدم لثوابت الدين، وإلباس المتغير ثوب الثابت طريق الجمود والتحجر والانغلاق والتخلف عن ركب الحضارة".
وتابع جمعة: "إن علماءنا الأوائل اجتهدوا في عصرهم في ضوء ظروفهم وعلينا أن نجتهد في ضوء المتغيرات وأن نراعي ظروف عصرنا، ولا بد من إعمال العقل وإحياء المناهج العقلية ومراعاة المتغيرات بأحوال الزمان والمكان، وضرب وزير الأوقاف مثلًا مؤكدُا "لو خرجنا من بلدنا إلى بلد آخر لأفتيناهم بعادة بلدهم وهو ما فعله الإمام الشافعي في مذهبيه، وكذلك إذا قدم علينا أحد من بلد وكانت عادته على خلاف البلد الذي نحن فيه فإننا لا نفتيه إلا بعادة بلده، وليس بعادة البلد الذي نحن فيه"، وشدد على أن كثيرا من الأحكام تتغير بتغير الزمان، وأننا بحاجة ماسة إلى إحلال مناهج التفكير محل مناهج الحفظ والتلقين".
ومن جانبه أكد المستشار حسام عبد الرحيم، وزير العدل، أن المؤتمر يأتي ضمنَ سلسلةٍ مباركةٍ من الجهودِ المتواصلة التي تبذلها دارُ الإفتاءِ المصريةِ في مسيرةِ تجديدِ الخطابِ الديني بقيادةِ الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية.
وأضاف أن هذه الجهودُ تعملُ على تجديدِ الخطابِ الدِّيني، وتعمل كذلك على الخروجِ بصورةٍ عصريةٍ مشرقةٍ للإسلام، وتجمعُ بين الأصالةِ والمعاصرةِ، وتحققُ المحافظةَ على الثوابتِ الدينيةِ مع مواكبةِ العصرِ الحديثِ بكل مستجداته وتحدياته، مضيفا: "لا شكَّ أن قضيةَ الفتوى الشرعيةِ من الأمورِ التي تحتل أهميةً قصوى في قضية تجديد الخطاب الديني، لتصحيح ما علق بها من تشويهات وتشوهات، للتباحثِ والتشاورِ والدراسةِ العميقة".
وأوضح أن المجتمعَ العالميَ قدْ تأذَّى كثيرًا من الآثارِ السَّلبيةِ التدميريةِ التي تسببتْ عنها موجةُ الفتاوى المضللةِ المنحرفةِ التي تصدرُ عنْ أشخاصٍ وجهاتٍ غيرِ مسؤولةٍ وغيرِ مؤهلةٍ، مشيرا إلى أن السنوات الأخيرةُ شهدت موجةً غيرِ مسبوقةٍ من التكفيرِ والعنفِ والإرهابِ في العالم كله، عانينا منها في مصر وواجهناها بكلِّ قوةٍ وعزيمةٍ وشرفٍ على المستوى العلمي الذي تقومُ به المؤسساتُ الدينيةُ كالأزهرِ الشريفِ ودارِ الإفتاءِ المصريةِ، وكذلك على المستوى الأمني الذي تقومُ به القواتُ المسلحةُ الباسلةُ وكذلك رجالُ الشرطةِ الشرفاءِ، لافتا إلى أن مصر بذلت ولا زالت من دماءِ أبنائها الشهداءِ ما سوف يحفظه التاريخُ في صحائفَ من نورٍ.
وحذر الشيخ أحمد النور محمد الحلو مفتى تشاد، من التقول على الله بغير حق والإفتاء والتحليل والتحريم بغير علم، مضيفًا أن الإفتاء أمر عظيم الخطر كثير الفضل فقد كان كبار العلماء الأوائل يهابون الجواب على كثير من المسائل كالإمام مالك وغيره، وقد كانوا يراعون كل الأعراف ويلتمسون كل طريق وسط سمح، وشدد مفتي تشاد في كلمته على ضرورة التيسير والتبشير دون التعسير والتنفير، قائلًا: "هذا هو الصراط المستقيم، مؤكدًا على ضرورة سؤال أهل الذكر لأن الحوادث لا تتوقف مادام السائل والمسئول أحياء"، وعن التجديد في الفتوى قال إن التجديد أقل ما يقال فيه أنه فرض من فروض الكفاية على الأمة التي تقوم بها ما دام الأزهر موجود فالخوف والخطر مفقود بإذن الله.
ومن جانبه أكد الدكتور يوسف ادعيس، وزير الأوقاف الفلسطينى، إن القدس الشريف هي عاصمة فلسطين الأبدية ومن يرى غير ذلك فليذهب لمزبلة التاريخ، حيث إن الأقصى يتعرض لحملة مسعورة من قطعان المستطوطنين ويدنسون المسجد الأقصى وما كانوا يتجرأون علي ذلك في ظل صمت عربى .
وأضاف، "أرسل تحية من مصر لنساء القدس اللائى يدافعن عن الأقصى ، ولن ننسى مساعي مصر للم الشمل والمصالحة الفلسطينية ولا ننسى مواقف الأزهر الشريف من القضية الفلسطينية ولا ننسي أيضا دور الشعب المصرى ووقوفه معنا في السراء والضراء".
وتابع: "إن أمتنا فى العصور الأخيرة بدأ يدب فيها مرض عضال يحرمون الحلال ويحللون الحرام فبثوا سموم فتوايهم بين الناس وقد رأينا من يخرج علي المسلمون يفتوهم بغير علم فضلوا وأضلوا، لافتا إلي ضبط الفتوى سيكون له أثر كبير في تصحيح الكثير من الأوضاع الخاطئة التي نعيشها فحاجة الناس للمفتى لا تقل عن المأكل والمشرب.