واصل علماء 73 دولة اجتماعاتهم فى القاهرة أثناء مشاركتهم بمؤتمر الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم والمنعقد تحت رعاية الرئيس عبدالفتاح رئيس الجمهورية، والمنعقد تحت عنوان "التجديد فى الفتوى بين التطبيق والنظرية"، حيث عقدت جلستان تحدث خلالهما عدد من العلماء عن حقوق الإنسان والجوانب الطبية.
قال الداعية الحبيب بن على الجفرى، إنه كان للدول الإسلامية صولات وجولات فى التعامل مع نصوص المعاهدات المتعلقة بحقوق الإنسان تراوحت بين التحفظِ، لاعتبار النقاط المتحفظ عليها مخالفة للشريعة الإسلامية، وكونِها تتعارض مع الدساتير والقوانين الوطنية، كما طرأت على المنطقة تغيرات متوالية على مستوى الحكومات والمؤسسات الدينية والشعوب، فالحكومات المسلمة تتعرض لضغوطات متعددة منذ الاعتداء الأمريكى على أفغانستان والعراق تضاعفت وتيرتها فى مرحلة الثورات سنة 2011، وما ترتب عليها من دمار واشتعال للصراع الإقليمى، مما جعل قدرتها على مقاومة الضغوط المتعلقة بالمعاهدات تفتقد قدرًا غير قليل من صلابتها، وكذلك فقدت الشعوب الكثير من حماستها تجاه القضايا الدينية بسبب استغلال الجماعات الإسلامية للشريعة المطهّرة فى صراعاتها وتنافساتها على السلطة، وساورت الشكوك شرائح متسعة من الشباب تجاه الخطاب الدينى لهول ما ظهر من الجرائم التى ارتكبتها التنظيمات المسلحة باسم الدين.
تشكيك متراكم مارسته الجماعات الإسلامية
وأيضًا فقدت المؤسسات الدينية الأصيلة قدرًا غير قليل من تأثيرها ومرجعيتها على إثر التشكيك المتراكم الذى مارسته الجماعات الإسلامية فى مصداقية هذه المؤسسات، ثم جاء دور متطرفى العلمانيين و"الحداثيين" ليكملوا ما بدأته الجماعات الإسلامية المتطرفة فى حماسة غير مسبوقة، فتوالت حملاتهم الطاعنة فى هذه المؤسسات العريقة وفى أهليتها وسلامة مناهجها، وكأنهم الخلف المعد لهذه الجماعات.
من جانبه، قال الدكتور أحمد عطية، وزير الأوقاف والإرشاد اليمنى، أن إقرار حقوق الإنسان بمفهومها الإسلامى، وأهمها حقه فى الحرية والمساواة تعد مدخلا لإقامة المجتمع الصالح، وبما أن الأسرة نواة المجتمع نجد الإسلام يحوطها بحمايته ويهيئ لها كل أسباب الاستقرار والتقدم، أما بالنسبة للمجتمع ككل فالسلطة فيه تعد أمانة فى عنق الحاكم، وتقرر فيه السياسات التى تنظم شئونه طبقا لمبدأ الشورى وتتوافر فيه الفرص المتكافئة للجميع، حتى يتحمل كل فرد فيه مسئولياته بحسب قدرته وكفاءته وبهذا قضى الإسلام على الطائفية وأساليب التفرقة بين الطبقات وجعل المساواة حقا مقررا فى الإسلام: "من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد".
وتقدم وزير الأوقاف اليمنى بعدد من التوصيات لأمانة المؤتمر منها تحديد علاقة الفتوى بالحقوق الإنسانية، ومنهجية تأصيلها، سواء الفتوى الفردية أو الفتوى الجماعية، تفعيل الاجتهاد الجماعى فى دراسة قضايا حقوق الإنسان لأنه أنجح وأدعى لمراعاة المصلحة العامة، والتى تتوفر فيها مجموعة الآراء لأهل الفقه والخبرة ولتخصصات العلمية والإنسانية، المزيد من الدراسات الشرعية حول تقدير مناط الحقوق الإنسانية ومصالحها فى المستجدات، والإفادة من نظريات النظم السياسية والاجتماعية وآليتها فى معايير حقوق الإنسان على الوجه الذى تُستوفى فيها المصلحة، تفعيل الفتوى الشرعية من خلال نظام مؤسسى يتصدر فيها الكفاءات الشرعية، وتمتين علاقتها بالتقنين للقوانين الدستورية، وهى تمثل الهوية الدينية، توجيه المزيد من الجهود حول الدراسات البحثية للمستجدات والنوازل التى تتعلق فيها حقوق الإنسان فى السلم والحرب، أو الأزمات السياسية البينية.
تطوّر علمى أحدثته البشريّة
من جانبه، قال الشيخ محمد أحمد حسين، المفتى العام للقدس والديار الفلسطينية، رئيس مجلس الإفتاء الأعلى خطيب المسجد الأقصى المبارك، :"لقد طرأت على النّاس فى هذا العصر قضايا مستجدّة، لم تكن معروفة فى العصور السّابقة، وكان ظهورها نتيجة التطوّر العلمى الذى أحدثته البشريّة، وتطوّرت هذه الحياة بأشكالها جميعها تطوّرًا سريعًا مذهلًا، لم يمر مثله من قبل، فكانت النّوازل تنزل، وغلب على معظمها طابع العصر المتميّز بالتّعقيد والتّشابك، ممّا جعل الحاجة ماسّة إلى بحث هذه القضايا والنّوازل، وبيان أحكامها الشّرعيّة من قبل أهل العلم والاجتهاد والاختصاص، حيث معرفة أحكام هذه القضايا والنّوازل المعاصرة ضرورة شرعيّة، تستلزم بحثًا علميًّا منهجيًّا؛ لأنّ أفعال المكلّفين تختلف باختلاف الزّمان والمكان والعرف المُتَّبع، وتدور عليها الأحكام الشّرعيّة من حِلّ وحُرمة، وندب وكراهة واستحباب".
وتقدم المفتى العام للقدس والديار الفلسطينية، رئيس مجلس الإفتاء الأعلى خطيب المسجد الأقصى المبارك، بعدد من التوصيات أن المستجدّات الطبّيّة: هى الوقائع الطبّيّة الجديدة الخاصّة بالإنسان، والتى لم يعثر بشأنها على نص أو اجتهاد سابق، حاجة النّاس توجب الاجتهاد والنّظر فى النّوازل الحادثة، لمعرفة الحكم الشّرعى، ولا بدّ للنّاظر فى القضايا المعاصرة والمستجدّات الطبّيّة من ضوابط عدّة للوصول إلى الحكم الشّرعى الأقرب للصّواب، والتى من أهمّها: تحديد النّازلة والتّأكّد من وقوعها، واستشارة أهل الاختصاص فيها لتصوّرها وفهمها فهمًا دقيقًا، ولا بدّ من تكييفها فقهيًّا، لمعرفة الأصل الذى تنتمى إليه، كما يجب على النّاظر فى النّوازل والمستجدّات أن يراعى تحقيق المصالح فى حكمه وفتواه، حتّى لا يخرج عن كلّيّات الشّريعة ومقاصدها العليا، بالإضافة إلى أن الاجتهاد الجماعى له الدّور الأكبر والأبرز فى معالجة القضايا الطبّيّة المعاصرة.
الإفتاء فرض من فروض الكفاية
وأوضح الشيخ أحمد ممدوح سعد، أمين الفتوى، ومدير إدارة الأبحاث الشرعية، أن الإفتاء منصب شريف عظيم، جليل؛ شرَّفه المولى سبحانه وتعالى حين أفتى عباده، قال تعالى: "ويستفتونك فى النساء قل الله يفتيكم فيهن" وشرفه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين تولاه فى حياته، بتشريف ربه له؛ حيث قال تعالى: "وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون"، وقد تولى هذا المنصب الشريف فى حياة النبى صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته أصحابه الكرام بتشريفه لهم صلى الله عليه وآله وسلم، ثمَّ تولى أهل العلم بعدهم هذا المنصب الشريف فقد جاء من حديث أبى الدرداء رضى الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن العلماء ورثة الأنبياء".
وأشار إلى أن الإفتاء فرض من فروض الكفاية، فإذا وقع من بعضهم سقط الحرج عن الجميع، ومتى لم يقع فالكل آثمون، والمفتى قائم بمنصب الإفتاء نيابة عن الأمة التى يجب عليها تحقيق هذا المقصود المهم وإلا لحقها الإثم، وقد قيل: القيام بفرض الكفاية أولى من القيام بفرض العين؛ لأنَّ القائم بفرض الكفاية يسقط الفرض عن نفسه وعن غيره، وفى فرض العين يسقط الفرض عن نفسه فقط، وقد ذكر الإمام النووى حكم الإفتاء فى مقدمته النفيسة لكتاب المجموع حيث قال: "اعلم أن الإفتاء عظيم الخطر كبير الموقع كثير الفضل لأن المفتى وارث الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم وقائم بفرض الكفاية".