رحل، صباح اليوم، الباحث والمفكر على مبروك، أستاذ الفلسفة بكلية الآداب جامعة القاهرة، لكنه ترك خلفه فكرا وعملا طيبا سيبقى ما بقى الإنسان يفكر ويتأمل، فقد أصدر "مبروك" العديد من الكتب والمقالات والأبحاث العلمية التى تعرض لكل ما هو شائك فى حياتنا الفكرية، فهو واحد من أبرز الكتاب والمفكرين المصريين والعرب الذين حاولوا إعادة قراءة التراث الإسلامى والنصوص المؤسسة له، وسنتوقف عند عدد من كتب على مبروك:
النبوة...من علم العقائد إلى فلسفة التاريخ
يتناول على مبروك فى هذا الكتاب مبحث النبوة كما جاء فى علم الكلام الإسلامى، من خلال أنساقه المعرفية والأيديولوجية الرئيسية، الشيعى، الأشعرى، المعتزلى، ويمهد لهذه الدراسة بالكشف عن مبحث النبوة فى التاريخ الدينى السابق على الإسلام، وذلك بقصد إيضاح الطبيعة الإنسانية والتاريخية لظاهرة النبوة وللوعى الدينى إجمالى.
عن الإمامة والسياسة، والخطاب التاريخى فى علم العقائد
يتحدث كتاب على مبروك (الإمامة والسياسة) عن الخطاب التاريخى فى علم العقائد، وعلاقته بالنسق لدى كل من الأشاعرة والمعتزلة وهما أهم مدرستين فى علم الكلام وأصول الدين.
ويدور الكتاب حول فكرة محورية ترتبط بموضوعات الإمامة والسياسة وعلم العقائد، وفى الوقت نفسه يقوم بإسقاط على الفكر العربى المعاصر وأزمته التى لازمته منذ عصر النهضة حتى اليوم دون أن يستطيع تجاوز معطياتها وتناقضاتها.
ويحدد على مبروك السمة الجوهرية التى يتسم بها الخطاب العربى وهى لا تاريخيته، ومن هذه اللاتاريخية يرى الكاتب أن الخطاب العربى يتميز بثبات البنية العميقة، وقيام نظامه المعرفى على النقل والاستعارة للأصول الجاهزة
لعبة الحداثة بين الجنرال والباشا
فى كتابه لعبة الحداثة يسعى "مبروك" للبحث عن إنتاج حداثة عربية، تستطيع اللحاق بالمسيرة الكبرى للحداثة العالمية، من دون أن تفقد طابعها المميز والخاص، وكى لا تكون الدولة العربية المنشودة استعادة من الخارج (الدولة الأوروبية الحديثة) أو استرداداً لنموذج السلف الإسلامى (الدولة الدينية).
وفى هذا الكتاب يلتمس مبروك ضرباً من التفكير، فى شروط التطور الخاص لهذه المجتمعات العربية والإسلامية، وهو فى هذا المقام، يسخر من النخب الثقافية المقلدة والمثقفين الذين يستنسخون ما تنتجه أوروبا، ويثرثرون عن العولمة والكوكبة والقرية الكونية الواحدة، ومجتمعاتهم غارقة فى عجزها
ما وراء تأسيس الأصول...مساهمة فى نزع أقنعة التقديس
يعد كتاب "ما وراء تأسيس الأصول" محاولة لنزع أقنعة المقدس فى الثقافة العربية الإسلامية، إذ يتخذ المؤلف من مفهوم "الأصل" نموذجاً للكشف عن آليات التقديس والتقليد والاتباع التى يعانى منها الخطاب العربى الإسلامى عبر تاريخه الطويل، فمفهوم "الأصل" وبما يحمل داخله من سلطة الاتباع والانصياع، لعب دوراً كبيراً فى تحويل العقلية الإسلامية إلى عقلية اتباعية، لدرجة أنه أعاد تأسيس البنية الثقافية للمجتمع العربى، وتسيَّد على كل أشكال الوعى السياسى والدينى والتاريخى.
وانطلاقاً من هذه العلاقة الوثيقة بين ثقافة الأصول وثقافة التقديس يحلل المؤلف دور كل من الشافعى والأشعرى فى التأسيس لثقافة الأصول والتقديس، والأثر الذى تركاه على الثقافة العربية الإسلامية من خلال تحويلهما النص القرآنى من نص للإبداع يجمل إمكانات متعددة إلى نص للاتباع والتكرار وتكريس المقدس.
ثورات العرب...خطاب التأسيس
فى الكتاب يوضح "مبروك" أنه الكتاب سيتعامل مع الحدث الثورى ليس باعتباره مجرد سقوط لنظام، لكنه إعلان لفشل خطاب نهضة ساد خلال القرنين الماضيين، وإذا كنا بإزاء حدث ثورى كبير فنحن بصدد الانتقال من هذا الخطاب إلى خطاب آخر هو "خطاب التأسيس".
ويتصدى الكتاب بشكل أساسى، عبر فصوله لمحاولة بلورة الخطاب التأسيسى الجديد لكل المفاهيم الإشكالية مثل الدين والدولة والموروث بحيث تتحول معه الثورات العربية إلى حدث تأسيسى موازٍ لعلاقة جديدة بين المجتمع والدولة، وعلاقات جديدة مع التراث والحداثة، وسيكون الخطاب الجديد بمثابة إعادة تأسيس جديد لكل تلك المفاهيم الإشكالية.
واعتبر مبروك أن الحوار المصرى الراهن حول الدولة المدنية لم يجاوز بعد منطقة الشعار، وأن كل ما يقال فى سبيل تحقيقه ينصب فى غالبيته على الجانب الإجرائى والسياسى والأيديولوجي، وكأن هذه الإجراءات معزولة عن الشروط الثقافية والعقلية التى تحققها.