-لا يختلف اثنان على أن قضية الانقسام الفلسطينى هى نقطة ضعف بغض النظر حتى عن عملية السلام وكثيرًا ما تستخدمها إسرائيل كذريعة لتوسيع انتهاكاتها بحق الفسطينيين
وصف السفير سعيد أبو على، الأمين العام المساعد رئيس قطاع فلسطين والأراضى العربية المحتلة بجامعة الدول العربية، الوضع الفلسطينى الراهن، وما يواجهه من تحديات خطيرة بأنها لا تقل خطورة عن تلك التحديات المصيرية التى واجهتها فلسطين فى مرحلة النكبة عام 1948 إبان النكبة، وما أحاط به من تهديدات وضياع للأراضى الفلسطينية وتشريد للشعب الفلسطينى. كما كشف السفير «أبو على» فى حوار أجراه مع «انفراد»، عن ورقة قدمتها السلطة الفلسطينية حول مسألة زيارة العرب للقدس، معتبرًا أن هذه الخطوة تأتى مساندة للحق العربى فى القدس وليس تطبيعًا مع المحتل، قائلًا: «زيارة السجين ليست تطبيعًا مع السجان».. وإليكم نص الحوار:
فى البداية نود إفادتكم برؤية شاملة عن الوضع الفلسطينى فيما يخص توقف المفاوضات فضلًا عن ما يتردد عن صفقة القرن؟
- القضية الفلسطينية فى هذه الظروف تمر بالفترة الأكثر صعوبة والتى تتشابه مع فترة النكبة سنة ١٩٤٨، فى استحضار نفس التهديدات من خلال استهداف قضايا تشكل قلب القضية الفلسطينية وجوهرها وما نتج عن النكبة من تشريد للشعب. نتج عنه جموع اللاجئين الفلسطينيين سواء فى داخل ما تبقى من فلسطين أوخارجها فى دول الجوار وأنحاء عديدة من العالم.
جانب آخر ألا وهو موضوع القدس التى تمثل المعنى الحقيقى لفلسطين وجوهر القضية الفلسطينية. فبدون القدس لا يمكن الحديث عن فلسطين كمكان وتاريخ وجغرافيا وهوية وحضارة.
نتحدث أيضًا عن الإنسان والذى يمثل عنوان القضية الفلسطينية فيتم استهداف للاجئين بهذه الصورة المعلنة والرسمية من خلال استهداف وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» بالضغط المالى والجانب الإنسانى، وما يحمله من جانب سياسى. ونحن نعلم جميعًا أن الأونروا هى تفويض رسمى منذ إنشائها للقيام بمسؤولية سياسية فى المقام الأول وهى إعادة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وبلداتهم وقراهم وأراضيهم.
فهذه الوكالة تتحمل الأعباء الإنسانية للاجئين الفلسطينيين إلى حين العودة. لكن بعد وقف الولايات المتحدة تمويلها للوكالة فهذا يعد استهدافًا للأونروا ويقوض قدرتها على الوفاء فى الالتزام بالمهام الملقاة على عاتقها تجاه مجتمع اللاجئين وهذا يعنى تقويضا للاجئين أنفسهم.
الولايات المتحدة تخلت عن مسؤولياتها تجاه هذه المنظمة الدولية لمعاقبة الشعب الفلسطينى، والسلطة الفلسطينية، وحرمانه من حقه الطبيعى بالتزام دولى إلى مرحلة أبعد وهى تصفية قضية اللاجئين من خلال العمل على تفكيك منظمة الأونروا، وهذا ينعكس على القضية الفلسطينية والشعب الفلسطينى فى المقام الأول وحتى على الدول المضيفة لجموع اللاجئين بما يمثل تهديدا لاستقرار الأمن فى الدول المستضيفة للاجئين.
فالدول المضيفة تتحمل من الأعباء أضعاف ما تتحمله الأونروا من خلال ما تقدمه من دعم غير مباشر من استضافة تجاه مجتمعات اللاجئين الفلسطينيين من باب الوفاء بالمسؤوليات القومية تجاه القضية الفلسطينية ومن باب تقديم الدعم لنضال الشعب الفلسطينى ومساعدته لاسترجاع حقوقه الوطنية بإقامة دولته، وتحقيق العودة وفق قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة. أو حتى مبادرة السلام العربية التى جوهرها مسألتين هما إنهاء الاحتلال لإقامة الدولة الفلسطينية، وعودة اللاجئين مقابل السلام وتطبيع العلاقات العربية الإسرائيلية.
ما الهدف وراء كل هذا الضغط الإسرائيلى على القضية الفلسطينية؟
- الموضوع لا يتعلق فقط بقضية اللاجئين رغم أهميتها لأنها العنوان التاريخى لهذا الصراع الممتد عبر عقود، وما يمثله من اقتلاع الشعب الفلسطينى وتهجيره، إضافة إلى ذلك ما يتعرض له القدس الشريف، وهنا المسألة ليست فقط انحياز لسلطات الاحتلال الإسرائيلى والحكومة الإسرائيلية أو انتهاك للقوانين الدولية أو حتى الخروج عن سياق مواقف الإدارات الأمريكية. بل هى اعتداء على الشعب الفلسطينى باعتبار أن القدس أراضٍ فلسطينية محتلة ولا يحق للولايات المتحدة ولا يجوز لها أن تصل إلى هذا التمادى والصلف والاستهتار بقوانين الشرعية الدولية فى ارتكاب هذا العدوان المباشر على حقوق الشعب الفلسطينى واعتبارها أن القدس عاصمة لإسرائيل أو بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس.
الخطير فى الموضوع هو نفى الولايات المتحدة للرواية الفلسطينية للحقوق التاريخية للشعب الفلسطينى وانحيازها إلى رواية أسطورية إسرائيلية يمينية تمثل عنوانا للانحياز الدينى الطائفى. فعندما تقول إن القدس عاصمة إسرائيل التاريخية وإن إسرائيل الدولة اليهودية، فهو ينفى كل الوجود الإسلامى والمسيحى الفلسطينى والعربى فى مدينة القدس.
هل السلطة الفلسطينية تلقت تخوفات من الدول المستضيفة للاجئين خاصة بعد رفع الولايات المتحدة يدها عن دعم وكالة الأونروا؟
- ليس بالضرورة أن تعبر الدول عن رأيها بصورة خاصة من تداعيات وتبعات وقف تمويل الأونروا وهذه المسألة ليست بحاجة إلى إثبات. فالعالم كله يدركها.
نحن إلى الآن نتحدث عن جهود عربية فلسطينية بما فيها الدول المستضيفة للاجئين، للعمل دون وقوع الأونروا بالأزمة المالية الحقيقية التى تعصف بكيانها أو تحول دون قدرتها على تقديم الخدمات المطلوبة. فكادت الأونروا أن تصل لهذا الحد.
فمثلا العام الدراسى الحالى كان مهددًا فى المخيمات الفلسطينية التابعة للأونروا سواء فى قطاع غزة أو الضفة الغربية أو الدول المضيفة خاصة فى الأردن ولبنان باعتبار الحالة. ولكن بتجنيد الجهود العربية المتضافرة فلسطينا مع الدول العربية المستضيفة مع الأونروا والتحرك السريع، أمكن من تقديم الإسعافات الضرورية لتمكين الأونروا من مواصلة دورها وكان للتبرع العربى المانح للأونروا مثل تبرع المملكة العربية السعودية الكويت الإمارات وغيرها تأثير ودور فى استمرار الأونروا إلى أن عقد المؤتمر الدولى الأول بمبادرة مصرية أردنية فى روما ثم أخيرًا على هامش اجتماعات الأمم المتحدة فى نيويورك، برئاسة مصر والأردن وما تقدم فى هذين المؤتمرين من دعم مالى سخى قلص من العجز لدى الأونروا من 460 مليون دولار فى موازنتها إلى 60 مليون دولار.
هذا الدعم الدولى وزيادة الدول فى حصصها فى تمويل الأونروا سواء فى أوروبا أو من خلال الدعم العربى بحيث كان لهذه الجهود محصلتها ونتائجها الإيجابية للحفاظ على الأونروا.
وهنا أود أن أشير إلى أمرين، الأول هو أن العالم يرفض القرار الأمريكى تجاه الأونروا ولا يتفق معها، وهذا نتيجة منطقية عبرت عنها دول العالم من خلال تأكيد التزاماتها بل ومضاعفاتها.
أما الثانى فهو ما يعنيه هذا الدعم المالى وإن كان للقضايا الإنسانية أو الدور الخدماتى من تأكيد على الدور السياسى للأونروا لتمكينها من تحقيق الغاية التى وجدت من أجلها وإدامة تمويلها حتى نتمكن من حل قضية اللاجئين وفق قرارات الشرعية الدولية بالعودة والتعويض.
ولكن هذه الخيارات تعتبر مسكنات.. فماذا لو تحدثنا عن علاج طويل الأمد؟
- هذا ما نبحثه الآن على المستوى الفلسطينى والعربى وفى إطار الجامعة العربية للبحث عن تمويل مستدام للأونروا حتى نتمكن من معالجة قضية اللاجئين الفلسطينيين لتحقيق حل عادل وشامل يمكن الشعب الفلسطينى من إقامة دولته بإنهاء الاحتلال وممارسة حقه الطبيعى فى السيادة والاستقلال بالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.
انتقالا للمفاوضات الفلسطينية.. هل اطلعتم كجامعة عربية على تفاصيل صفقة القرن الشائع الحديث عنها فى وسائل الإعلام؟
- لا توجد نصوص مكتوبة ولا يوجد شىء متكامل عن هذه الصفقة. وكل من يتابع يجد تسريبات لوسائل الإعلام. لكننا نرى نتائج. فنحن لا نتطلع على ما هو مخطط مسبقًا، ولكن تداعيات وإسقاطات تحدث فى هذه المنطقة نجدها تستهدف القضية الفلسطينية.
الإدارة الأمريكية نفسها تقول إنها لم تنته من إعداد خطتها وكل ما مضى شهرين أو ثلاثة تقول أمريكا إنها ستعلن عن خطتها بخصوص هذا الأمر بعد شهر أو شهرين وهذا مازال شىء غيبى.
إذن هل الجامعة العربية أعدت تقديرًا لما يشاع عن صفقة القرن بحيث تستطيع التحرك حال تم الإعلان عن تلك الصفقة بشكل رسمى؟
- القرارات العربية التى تتخذ فى مجالس الجامعة العربية كلها تؤكد الموقف العربى الراسخ والثابت من القضية الفلسطينية بأننا مع السلام الذى يحقق الحقوق العربية والفلسطينية بإنهاء الاحتلال لكل الأراضى العربية منذ عام 1967 وإقامة الدولة الفلسطينية على هذه الحدود وعاصمتها القدس.
فإذا كانت صفقة القرن هذه تقوم على أساس مثلًا أن القدس خارج التفاوض واعتبارها عاصمة لإسرائيل فهى مرفوضة وهذا وحده يكفى لرفض هذه الصفقة وإسقاطها.
ولكن هل تتفق معى على أن الشارع العربى مل كثيرًا من مواقف الدول العربية تجاه أزمات المنطقة خاصة القضية الفلسطينية والتى لم تتعد البيانات الإعلامية؟
- بالتأكيد أن الشارع العربى يطمح فى مواقف أكثر حسمًا، وهذا ليس من اليوم ولكن منذ عقود. لكن بالنسبة لى أقيم الموقف فى إطار الجامعة العربية حسب مفردات هذا الموقف وطبيعة اختصاص المنظمات حول العالم. فالمنظمات ليست بديلة عن الدول بل هى انعكاس لإرادة الدول فى الأساس وبالتالى لا نستطيع أن نحمل المنظمات الدولية بما فيها الجامعة العربية مسؤولية أكثر من طبيعة اختصاصها وقدراتها. فهى تعمل فى الحقل السياسى والدبلوماسى والقانونى وبالتالى مواقفها تكون فى هذا الإطار.
هل يصطدم طموح الشارع العربى والفلسطينى فى القضية الفلسطينية بقرارات الجامعة العربية؟
- لا يجب أن يصطدم. فهناك ظروف وتحديات يواجهها الوطن العربى فى منتهى الخطورة تعصف بكيانات دول. فهناك دول تم تغييب دورها فى تهديدات وجودية فى منطقتنا العربية. ونحن فى كل هذا نبحث عن مصادر القوة فى وطننا العربى.
إذن هل تطور المواقف العربية مرهون بتطوير ميثاق الجامعة العربية؟
- لا.. بالعكس فإن تطور الموقف يؤدى لتطور الميثاق وليس العكس. ولكن آليات العمل العربى المشترك بالتأكيد فى حاجة لإعادة تقييم ومراجعة. فنحن نتحدث عن منظمة وميثاق وضع قبل 70 عاما وآن الأوان لتطويره.
إذن فلماذا تأخر تطوير ميثاق الجامعة العربية حتى الآن؟
- الإرادة العربية نحو هذا الموضوع متوفرة بالفعل ولكن الظروف الاستثنائية التى يحتازها عالمنا العربى بكل مخاطرها وتداعياتها وحجم الاستهداف واستنزاف القوى والانشغال بواقع مرير كل هذا يخيم بظلاله على تطوير مؤسسات العمل العربى المشترك بما فيها ميثاق الجامعة العربية. ولكن هناك سعى حثيث وإرادة حقيقية وجهود أيضًا تبذل ونتمنى أن تتوج بنتائج خيرة.
هل انحياز الولايات المتحدة لإسرائيل فى عملية السلام يستدعى العودة لإشراك الرباعية الدولية؟
- ما تطرحه فلسطين يتضمن الرباعية الدولية وأبعد منها لأنها أصلا تم تجريبها كآلية إشراف أو إطار مرجعى لعملية السلام وكانت حكومات إسرائيلية متعاقبة تحاول الإفلات، وكذلك الإدارة الأمريكية كانت تسعى باستمرار لتوجيه آليات الرباعية الدولية.
اليوم تطرح فلسطين والدول العربية مرجعية متعددة الأطراف بمعنى الرباعية الدولية بالإضافة إلى بعض القوى بما فيها دول عربية إن أمكن.
هل من الممكن أن يكون هناك عودة للمفاوضات المباشرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين؟
- مستحيل.. نحن جربناها طويلًا ولم نتوصل من خلالها لأى نتيجة إيجابية.
كيف نبحث عن مرجعية دولية لتطبيق القرارات الدولية وما زال الداخل الفلسطينى يعانى من انقسام؟
- لا يختلف اثنان على أن قضية الانقسام الفلسطينى هى نقطة ضعف بغض النظر حتى عن عملية السلام وكثيرًا ما تستخدمها إسرائيل كذريعة لتوسيع انتهاكاتها بحق الفسطينيين.
فخطورة الانقسام تهدد الشعب الفلسطينى ووحدته ووحدة نظامه السياسى ووحدة قضيته.. الفلسطينيون والعرب يحرصون على إنهاء هذا الفصل من التاريخ الفلسطينى «الانقسام الأسود»، وإعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية باعتبار أنها الضمانة الأساسية والأكيدة لصمود وانتصار الشعب الفلسطينى وهذا ما تحرص مصر على القيام به بجهودها الدؤوبة والمستمرة دون كلل أو ملل رغم كل الصعوبات الموجودة.
باعتباركم رئيس قطاع فلسطين والأراضى العربية المحتلة بالجامعة العربية، هل ترون أن اشتعال الأزمات فى الدول العربية قلل من الاهتمام بالقضية الفلسطينية؟
- من حيث المبدأ لا.. ولكن من حيث أسباب الانشغال نعم، فهناك ترتيب لانشغالات ربما تفرض نفسها ولكن جوهر العمل العربى المشترك ما زال مكرسا للقضية الفلسطينية.
فقد تختلف الدول العربية فيما بينها فى تقديراتها وفهمها تجاه الكثير من المواقف العربية، لكن لا يختلف أحد من العرب على أولوية القضية الفلسطينية وكونها القضية المركزية للأمة العربية.
ما تقييمكم للدعوات التى تطالب العرب بعدم الذهاب للقدس باعتبار أن هذه الخطوة بمثابة تطبيع مع المحتل الإسرائيلى؟ وفى نفس الوقت السلطة الفلسطينية تدعو العرب للذهاب للقدس لمساندة القضية الفلسطينية؟
- فى حقيقة الأمر هذه الخطوة لا تعنى إجراء تطبيع مع المحتل. بل هى إصرار على دعم ومساندة الشعب الفلسطينى والتمسك بالحق العربى فى القدس.
فهل مثلا ينبغى على الفلسطينيين المقيمين بالقدس أن يتركوها!، أو التسليم بالموقف الإسرائيلى بعزل القدس وتهويدها بالامتناع العربى عن الذهاب للقدس أو بإعمارها وتنميتها والتواجد فيها حتى تحت الاحتلال.
هل تحدثتم فى هذا مع الكنيسة المصرية والأزهر الشريف خاصة أنهما يتصدران المشهد فى هذا الأمر؟
- هناك اتصالات رسمية بين فلسطين وكل المؤسسات بما فيها المجالس الإسلامية وهناك كثير من المرجعيات الدينية التى تدعم الذهاب للقدس ولا ترى فى ذلك تطبيعًا، ولكن بعض الجهات تحذر وتراه تطبيعًا وعادة ما يؤكد الرئيس محمود عباس على زيارة القدس، باعتبار أن زيارة السجين ليست تطبيعًا مع السجان.
وهناك ورقة فلسطينية من إعداد دولة فلسطين تم إعدادها لتحديد الآليات الممكنة، وكيف ترى فلسطين إمكانية التواصل مع الداخل الفلسطينى مع القدس والأراضى الفلسطينية المحتلة والجهات الرسمية العربية والتى تعكف على دراسة هذه الورقة المطروحة أيضًا فى أروقة الجامعة، ولكن فى سياقات ألا يكون ذلك إلا من خلال السلطة الفلسطينية. بمعنى أن تكون الزيارات بترتيب مع السلطة الفلسطينية.