ليست الأم فقط هى من تحمل وتنجب، هذه الكلمات رددها الأجداد وهم يؤكدون أن هناك أما أعظم هى من تربى وتهب حياتها لطفل لم تلده لتثبت كل يوم أنها كلمات صادقة نابعة عن حكمة عميقة، وخلف كل سيدة تنطبق عليها تلك الكلمات قصة كبيرة، ورواية تحمل بداخلها دراما وتفاصيل يجب أن تروى.
الأم مشاعر حنان ودفء واحتواء وحضن يشعرك بالأمان، وهذه المشاعر تتجسد فى ماما «نزاد» رئيس مجلس الأمناء لدار محمد عماد راغب فى مدينة 6 أكتوبر.
للوهلة الأولى عندما تقع عيناك على ملامحها البريئة وابتسامتها الصافية من المستحيل أن تكتشف أن هذه الإنسانة عاشت مأساة كان من الممكن أن تنهى حياتها ولكن القدر كتب لها بداية جديدة عندما تسمع حكايتها كأنك تشاهد فيلم أبيض وأسود.
قالت «نزاد» لـ«انفراد» إن لديها قصة حزينة وراء فكرة إنشاء دار لكفالة الأيتام حيث إنها فقدت ابنها الوحيد «محمد» الذى سميت الدار باسمه فى حادث سيارة وكان عمره 22 سنة.
وأضافت قائلة: «قررنا أنا وزوجى بناء جامع ودار باسم محمد وأثناء البناء، جاء أحد أفراد الأمن قال لى، إن لديه حالة تحتاج لمساعدة وهى سيدة تعانى من مرض السرطان، وتأكدت من صحة المعلومات وأنها بالفعل تحتاج لمساعدة، ومشكلة هذه السيدة أنها كان لديها طفل عمره 5 سنوات من زوج توفى وطفلة رضيعة من زوج آخر لا تعرف أين هو.
تابعت «نزاد» حديثها: «بالفعل قررنا الوقوف بجانب هذه السيدة ومساعدتها حتى دخلت العمليات لاستئصال ورم سرطانى وأخذت الطفلين منها لرعايتهما وللأسف تدهورت حالتها وتوفيت، وقمت برعاية طفاليها وتربيتهما وتعليمهما أحسن تعليم حيث إننى قمت بنقلهما من المدارس الحكومية إلى إحدى المدارس الخاصة، والحمد لله كنت لهما أما وحضنا وأمانا ولم أقصر معهما والبنت الآن فى المرحلة الإعدادية والولد فى الجامعة.
قصة أخرى عاشت بطلتها حياة مليئة بالتحديات، رغم فقدانها نعمة البصر، منحها الله القدرة على التركيز والمشاركة فى الحياة، ولم تستسلم لضغوطات من حولها، واستطاعت أن ترسم اسمها بحروف من نور، ليتعلم منها الجميع الصبر والعطاء بلا حدود.. إنها «أم المكفوفين» وفاء عبد النعيم، رئيس جمعية النور للمكفوفين بأسوان، نموذج جديد لمعنى الأمومة مع اختلاف تفاصيل القصة ولكن يبقى الشعور بالأمان هو الذى يجمع بين هذه القصص.
نظرا لأنها كفيفة فهى تفهم جيدا ما يحتاجه المكفوفون وتحاول أن تقدم لهم المساعدات من خلال دورات تدريبية على القراءة والكتابة وغيره، وأضافت أن من ضمن المعوقات التى تقابلها أن المكفوفين لا يتم قبولهم فى كليات اللغات والترجمة.
وأوضحت أنه رغم التعب والإرهاق الذى تتعرض لهما فى عملها إلا أن شعورها بأنها تقدم شيئا جميلا يجعلها سعيدة، مؤكدة أن كثيرا ممن حولها يلجأون لها فى حل مشاكلهم، وكشفت عن أن المكفوفين الموجودين فى الدار يكرمونها كل عام فى عيد الأم واختتمت حديثها قائلة: «رغم أنى ما اتجوزتش بس شعور الأمومة بداخلى لا يقل عن أى أم حقيقية».
قصة غريبة للسيدة دينا عباس التى ربت الطفل أسامة ، وتقول: «كان أسامة يعانى من ضمور فى المخ ولكنها لم تيأس ولم تمل من المسؤولية واعتنت به وذهبت به للأطباء حتى بدأت حالته تتحسن، وأكدت «دينا» أن «أسامة» يظن أنها زوجة شقيقه ويقول لحماتها يا «ماما» موضحة أن أسامة حاليا عمره 6 سنوات ورغم أنها أنجبت بعد ذلك ولديها طفل وطفلة إلا أن «أسامة» مازال الفرحة الأولى لها ولم تشعر يوما أن حبها له تغير».
الأمهات ذوات الاحتياجات الخاصة.. «سوبر ماما» فى عيون أبنائهن
كتبت - نهير عبد النبى - نور الأجهورى
فى عيد الأم تحدثت «انفراد» مع ثلاثة نماذج من الأمهات ذوات الاحتياجات الخاصة، بإعاقات مختلفة يستحقون لقب «سوبر ماما»، ورغم إعاقتهن، تمكنت كل واحدة منهن من أن تنجح فى حياتها العملية والزوجية ودورها كـ«ام»، وفى السطور التالية نتعرف على حكاية «سوبر ماما».
«هى الأم والأخت والبطلة الوحيدة فى حياتى.. هى فعلا «سوبر ماما» هكذا بدأت سارة الجوهرى نجلة الفنانة حنان النحراوى حديثها لـ«انفراد» قائلة: أصيبت والدتى بـ«حمى شوكية» وهى صغيرة أدت إلى الصمم، ولكنها وجدت فى الرسم تعبيرا مختلفا عن الكلام حتى أدمنته وأصبح لها لوحات عديدة تعبر عن ما بداخلها، وعملت موظفة فى شركة هندسية بعد تخرجها فى الجامعة، ولكن لم تنس موهبتها الأصلية وهى الرسم. وأضافت: كان الدكتور عبد السلام البنا أول من ساعدها فى مشوارها الفنى وسفرها فى العديد من البلاد، منها الصين وتركيا وأمريكا، وحصلت على العديد من الجوائز، بعد وفاة الدكتور عبد السلام البنا تبناها أستاذ محسن شعلان رئيس قطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة والذى قرر أن يضعها فى مكان جيد وتكون عضوا مؤسسا ليستمر اسمها فى معرض سعد زغلول، وتابعت إقامة معارض لمدة ست سنوات وحازت العديد من الجوائز.
وتحكى: يستغرب الكثير عندما يراها صماء ومع ذلك زوجة وفنانة ولكن لا يعلمون أن هذه الصماء كافحت وصبرت وتزوجت وأنجبت نماذج مشرفة فى المجتمع، أنا وإخوتى متعلمون ومتفوقون فى حياتنا، فى بداية الأمر تعبت كثيرا فى تربيتنا، وكانت جدتى هى التى تجلس معها وتعلمها، وكانت تصمم أن تعرفنا على الجيران لنتحدث معهم ونعرف لغة الحوار. وتتابع: لا ترفض لنا أى مطالب ولم تشعرنا للحظة واحدة بأنها صماء حتى لأبسط الأسباب تتناقش معنا وتحاورنا، مثل الأمهات الأسوياء الذين يمتلكن القدرة على النقاش والتحدث، فإذا عجبنى فستان ما على الفور تقرر تعمله لى بنفسها، حتى أصدقائى يحسدوننى عليها ودائما يقولون لى «خدى مامتى وادينا مامتك»، اسمها حنان وهى فعلا مليئة بالحنان والعطف.
أما هدى عبد العزيز مصابة بشلل الأطفال منذ كان عمرها 9 أشهر، وحينما وصل عمرها 15 عاما، أجرت عملية للاستغناء عن الجهاز الحركى، ولم تكمل تعليمها وتزوجت فى سن صغير ة، ولكن بإصرارها وعزيمتها قررت أن تحصل على الدبلوم بعد الزواج.
قالت السوبر ماما هدى لـ «انفراد»: تزوجت فى سن صغيرة من شخص لا يعانى من أى إعاقة، ووجدت منه الاحترام والتشجيع، وبعد حصولى على الدبلوم قررت أن أخوض تجربة العمل وأنشأت شركة للتوريدات الكهربائية والإلكترونية، واعتمدت على نفسى حتى أصبحت عضوا بالمجلس الاقتصادى لسيدات الأعمال، وعضوا بالاتحاد العربى للمرأة المتخصصة، وتم تكريمى العام الماضى من وزيرة التضامن الاجتماعى دكتورة غادة والى، وفى يوم المرأة العالمى، لأنى سيدة أعمال من ذوى الإعاقة، وذلك نادرا ما يحدث.
قراء «انفراد»: البطولة هى أمى.. أبناء «المكافحات» يقصون رحلات البطولة لست الحبايب.. الحرب ضد الفقر والظروف.. رفض الزواج مرة أخرى.. تضحيات تتوجهن بتاج «المثالية»
كتبت - ريهام عبد الله - سارة صلاح
«أمى، لن أسميكِ امرأة، سأسميكِ كل شىء» كانت كلمات الشاعر الفلسطينى الراحل محمود درويش لوصف والدته، فالأم منها وبها الحياة، فغريزة الأمومة التى خصها بها الله جعلتها كائنا استثنانيا قادرا على تحمل المشقات والعناء وصعوبة الحياة فى سبيل حماية صغارها والدفاع عنهم، فحبها غير مشروط فجل ما تتمناه من الحياة أن ترى أطفالها أفضل منها دون أن تنتظر مقابلا، تسهر على راحتهم دون أن تلفت الانتباه لذلك، تمنحهم حبا وحنانا واهتماما حتى فى أشد حالات احتياجها، فهى الملجأ والدفء والحضن ومنطقة الأمان والراحة، فلا فرق بين يديها وبين السماء، مثلما عبر فيكتور هوجو الأديب الفرنسى الكبير قائلا: «إذا صغر العالم كله فالأم تبقى كبيرة».
شاركت صحافة المواطن فى «انفراد» القراء فى سرد قصص كفاح الأمهات فى احتفالات عيد الأم، بإرسال قصصهم الخاصة لإلقاء الضوء على بطلات مجهولات يقبعن خلف حوائط منازلهن، وإتاحة الفرصة لاختيار الأم المثالية.
أغلب القصص حوت معاناة السيدات بعد وفاة أزاوجهن، كأولى الصدمات اللاتى اصطدمن بها فى رحلة الحياة، وكيف أنهن عاندن الظروف ورفضن الزواج الثانى من أجل أطفالهن، ونزول كثيرات منهن للبحث عن عمل، لتوفير عيش كريم لذويهن.
القارئ أديب عزيز سرد قصة كفاح والدته، بعد وفاة والده، مبكرا وكانت والدته تبلغ وقتها 26 عاما، وكيف أنها قاومت رغبات والديها فى الزواج الثانى لتربية أطفالها الثلاث فقال «أبى توفى وتركنا ولدين وبنتا وأمى قامت بتربيتنا ولم تتزوج وكان عمرها 26 سنة رغم جمالها وإلحاح والديها لكى تتزوج رفضت بشدة وكانت تأخذ معاشا فى وقتها سنة 1983 معاش ضعيف جدا لا يفتح بيتا لشخص واحد، تعبت وربتنا تربية عظيمة الآن أعمل محاسبا وفادى أخى أيضا يعمل وأختى متزوجة ولها أولاد».
سيدة سوهاجية صعيدية أصيلة هى والدة القارئ أحمد تمام، يروى أحمد فترة وفاة والده حينما كان يبلغ من العمر 39 عاما بسبب إصابته بالفشل الكلوى، وكانت والدته تبلغ من العمر 29 عاما فقط، وكان عدد سنين عمره 9 سنوات، وشقيقته التى تكبره 12 عاما، يسرد أحمد قصة كفاح والدته: «استمرت أمى مع صراعات الحياة حتى حصلت أختى على بكالوريوس خدمة اجتماعية وحصلت أنا على بكالوريوس هندسة البترول وساعدتنى أيضا فى مصاريف زواجى وخلال هذه الفترة أكملت أمى تعليمها فى الاتجاه الذى تحبه وحصلت على معهد إعداد دعاة معتمد 4 سنوات والآن هى فى السنة الثالثة فى معهد قرآن هذه هى ست الحبايب الأم المثالية».
شيماء إحدى القارئات اللاتى شاركن بقصص كفاح والدتها، وكيفية تحمل والدتها الفترة العصيبة التى مرت بها عائلتها بعد تعرض زوجها لحادث جعله طريح الفراش، والمعاناة التى ألمت بها بسبب ترددها الدائم على الأطباء حتى عفى الله عن زوجها، وتقول: «أمى تزوجت أبى فى 1971 وهو موظف يعمل بأحد المصالح الحكومية ذات الدخل المنخفض، أنجبت أخى الدكتور خالد الأستاذ المساعد بجامعة حلوان عام 1973 وأختى سحر طبيبة بشرية باطنى عام 1975 إلى أن حدثت حادثة لأبى عام 1979 وأصبح طريح الفراش لا يتحرك وتحملت المعاناة واللف على الأطباء إلى أن عافاه الله وبدأ يتحرك مرة أخرى منتصف عام 1980»، مضيفة: «أمى تحملت الكثير من المعاناة وماما الآن عمرها 73 سنة وربنا يشفيها وبابا تخطى الثمانين وعاد فى خدمته كالأطفال هى التى تقوم بخدمته وحيدة أمى أحسن ست فى الدنيا».
أحد القراء اختار السيدة سعدة حافظ بدوى الملقبة بـ«أم حسن» من أهالى دكرنس بمحافظة الدقهلية، كإحدى السيدات التى يستحققن لقب الأم المثالية، فيروى: «بدأت معاناتها عند وفاة الزوج مبكرا وهى فى سن 27 عاما تاركا لها 4 أبناء ذكور الأكبر فى الصف الرابع الابتدائى والأصغر عمره 5 شهور تركها وأولادها بلا مأوى وطردها شقيق الزوج الراحل من البيت تعانى وحيدة»، متابعا: «بعد مرور سنتين توفى الجد ودخلت ف صراع مرير مع أشقاء زوجها المتوفى على الميراث والشغل فى البيت والأرض المستأجرة حتى تم عزلها وأولادها فى بيت مهجور من الطوب اللبن والطين وكانت كل يوم تشتغل فى الأرض الزراعية عند الناس مقابل أجر بسيط» ومستمرا فى سرد قصة كفاح أم حسن: «كبر لها ابنان فى سن الشباب وحصلا على دبلوم زراعى والابن الثالث أتم مرحلة الدبلوم الصناعى واشتغلوا فى العمالة حتى استطاعوا بناء بيت صغير حديث على مدار عدة أعوام».
القارئ سيد محمد سعد شعيب حكى لصحافة المواطن قصة كفاح والدته نجاح حنفى محمود، واحتمالها لمرض زوجها، على الرغم من إصابتها بالغضروف، واهتمامها بصحة زوجها ومواعيد أدويته، مشددا على أن والدته هى الأم المثالية، وأنها تستحق التكريم، ويسرد: «والدتى أم لخمسة أبناء 2 ذكور و3 بنات علمتنا وزوجتنا كلنا وأمى عندها غضروف ومريضة ووالدى مريض ويبلغ 67 عاما ولكن هى تقوم بالإشراف على الدواء ويأخذه فى ميعاده أمى هى الأم المثالية وتستحق التكريم».
أسامة محمد حسين يوسف شارك خدمة صحافة المواطن بقصة والدته «جميلة سليمان»، فعلى الرغم من عدم خوضها تجربة التعليم والدراسة إلا أنها أحسنت تربية أبنائها الأربعة ليتخرج منهم المحامى والصحفى والموظفة بوزارة الزراعة، خاصة فى ظل غياب والدهم الدائم بسبب طبيعة عمله فيقول: «أنها أمى الغالية اسمها «جميلة» وهى جميلة فعلا، أنجبت 4 أبناء «3 أولاد وبنت واحدة»، سهرت على تربيتهم وحدها، بسبب طبيعة عمل والدى حيث كان والدى «حفظه الله» يعمل بالقوات المسلحة، ويغيب مدة طويلة حسب مهام عمله، واستطاعت «جميلة سليمان» الفلاحة بنت الحاج سليمان التى لا تقرأ ولا تكتب، أن تغمر أسرتها الصغيرة بالحب والحنان وتحسن تربيتهم، حتى أخرجت لنا «المحامى والصحفى والمدير والموظفة بوزارة الثقافة» تلك هى وظائف أبنائها الأربعة بعد تخرجهم من جامعاتهم المختلفة»، ويستطرد القارئ: «حرصت أمى «جميلة» على تربية أبنائها تربية إسلامية معتدلة، وأرسلت أبناءها إلى «كتاب القرية» لكى يحفظوا القرآن الكريم، وهو ما نجح فيه اثنان وفشل الثالث «اللى هو أنا».
يوسف محمد سعيد رشح والدته للقب الأم المثالية بسبب معاناتها فى سن صغيرة بعد وفاة والدها وحرمانها من التعليم نزولا على رغبتها والدتها لمساعدتها فى شؤون المنزل، ومن بعدها زواجها فى سن 16 فيسرد: «سيدة أمية تربت يتيمة الأب حيث إنها لم تراه مطلقا حرمت من التعليم نزولا على رغبة والدتها حتى تساعدها فى إدارة شؤون منزلهم وتربية أخيها الصغير إلى أن تزوجت فى سن السادسة عشر من أبى المجند البسيط لتعانى حياة الفقر التى أفقدتها أربعة أبناء لها فى مقتبل العمر ولكنها وأبى بالصبر والكفاح استطاعا أن يكافحا لتربية خمسة أبناء آخرين تربية جيد لم يحرموهم فيها من أى شىء».
«حكاية أم» فى ظروف صعبة.. وجع قلب الأمهات على ولادهم.. «وفاء» أم لطفلة مصابة بمرض نادر.. ونجوى ذاقت طعم فقد ابنها وهو عايش
كتبت - دعاء العطار
بكاء متواصل، انهيار تام، إحساس بالعجز وقلة الحيلة، وحزن يصاحبها، هذه بعض ما تشعر به أم جاء ابتلاؤها فى ابنها، فأسوأ ما قد تُبتلى به أم، هو ابتلاؤها فى أهم شخص لديها فى الوجود.. شخص تتمنى لو ينتقل ما يشعر به من آلام إليها هى وستكون راضية، وسعيدة، فليس هناك من هو أغلى عند أى أم من فلذة كبدها، تطرق حينها كل الأبواب، تسير فى كل الطرق الممكنة وغير الممكنة، المهم أن تُعيد إلى ابنها ابتسامته.
«إنتى حامل فى توأم».. تستقبل «وفاء» هذه الجملة بسعادة غامرة، فبدلاً من أن يرزقها الله بفرحة واحدة رزقها بفرحتين، فجاءت الطفلتان «هنا وحنين» إلى الدنيا لتملآ البيت على والدتهما بهجة، إلى أن جاء هذا اليوم الذى لاحظت فيه الأم على ابنتها «هنا» أنها «تدعك» دوماً فى عينيها، بعد سنة ونصف من ولادتهما، فكان شكها فى البداية أنها مجرد «حساسية» عابرة، فلم تكن تعرف أبداً أن ما ينتظرها هى وابنتيها أكبر من ذلك بكثير، ذهبت إلى أحد الأطباء فشخصها تشخيصاً مبدئياً بأنها بالفعل قد تكون «حساسية»، لكن الأمر بدأ فى التطور، فإحدى العينين تدلى أحد جفونها، والعين الأخرى بدأ فيها «حول خفيف»، قامت بتغيير الدكتور والذهاب إلى أحد الأطباء فى القاهرة، وهى من «الغربية»، وفى الطريق الذى يستغرق ما يقرب من الـ4 ساعات، كان القلق يأكل قلبها على ابنتها التى تمنت لها كل الـ«هنا» فى هذه الحياة.
«ده حول»، كان هذا التشخيص الذى قاله الدكتور للأم والأب، فما كان من الأم إلا الانهيار التام، ولم تكن تعرف أيضاً أنها ستتمنى فيما بعد أنه «ياريت جيه على قد الحول»، فانهارت فقط لأن إحدى ابنتيها ستُصاب بحول ينتقص من جمالها، فما كان من الطبيب إلا أن طمأنها وأخبرها أن «الحول» لم يعد مشكلة فى هذه الأيام، خرجت من عند الطبيب تبكى، «بقيت أكلم نفسى.. وأكلم ربنا طول الطريق.. ومش شايفة الناس اللى حواليا»، تصف بهذه الكلمات، «وفاء»، خوفها الجم على ابنتها.
الحالة تبدأ فى التدهور أكثر وأكثر، جفن العين يتدلى للدرجة التى تغطى العين تماماً، تنحجب الرؤية عن «هنا»، فحتى «اللعبة» التى أمامها لا تراها، تبدأ تتحسس الطريق، والأرض، فعلمت حينها الأم أن الموضوع أكبر من مجرد «حول»، ولا تدرى ماذا يحدث لابنتها بالضبط، فتطرق أى باب قد يصل بها لبادرة أمل، وتسمع عن طبيب «شاطر» فى الإسكندرية، فتشد الرحال إليه.
«أنا شاكك إن ده وهن فى عضلات العين»، نطق طبيب الإسكندرية بهذه الكلمات ليشخص تشخيصاً مبدئياً لمرض لم تسمع عنه الأم من قبل أصاب ابنتها، فلا تعلم ماهيته، ولا تعلم حتى إن كان خطيراً أم هيناً، يخبرها الطبيب أنه لابد من القيام باختبار ما ليتأكدوا من إصابتها بهذا المرض بالفعل، الاختبار يقتضى أن «تتكهرب» الطفلة ذات العام ونصف العام، يبدأون فى الاختبار، فيبدأ لون جسد «هنا» وشفاهها فى التحول إلى اللون الأزرق، «ماما.. ماما» تستنجد بأمها، ولا حيلة للأم ولا قوة لإنقاذ ابنتها، فتصف «وفاء» الموقف قائلة: «تخيلى بنتك بتنده عليكى عشان تنجديها.. وانتى مش فى إيدك حاجة»، يخبرها الطبيب أنه «على عينه» أن يجرى لها هذه التجربة، وبعد الانتهاء يؤكد: «البنت دى اتحملت اللى ميتحملوش حد عنده 60 سنة»، تُكشف التجربة أنها بالفعل مريضة بهذا المرض الذى هو نادر، فتقول «الدكاترة قالوا واحد من المليون بس اللى بيُصابوا بيه»، وبالتالى فعلاجه ليس متوافراً بصورة كبيرة.
مرض نادر.. طفلة إحدى عينيها «مغلقة»، والعين الأخرى بها «حول».. علاج نادر وأسعاره تفوق «الإيد القصيرة»، طفلتان بعدما كانتا تلعبان وتقومان بالعديد من الحركات التى تدخل البهجة والسرور على والدتهما، بدأت تبتعد إحداهما عن الأخرى،.. «كانت مستغرباها.. وبعدين بدأت تتعود» تقول الأم مبررة، هكذا بدأ الحزن يسكن قلب الأم، وبدأت تبحث عن العلاج، ليفاجئها الأطباء أن العلاج المتاح فى مصر ليس سوى تنشيط لجفن العين ليصل الدم إليه، وإن توقفت عنه، سيعاود الجفن التدلى من جديد، فليس علاجاً جذرياً، فالعلاج الأكثر فاعلية «بره مصر»، وبأسعار ليست فى مقدورهم، ورغم كل ذلك حرصت الأم أن تستمر فى عملها وتصطحب ابنتها معها «عشان تبقى طبيعية.. وتتعود»، فكانت حريصة أن تمارس الابنة طفولتها، رغم سماعها تعليقات من الناس من قبيل: «هى البنت دى مالها.. عاملة كده ليه؟».
بينما تتجه «نجوى» للقبلة لتقابل الله وتصلى فريضته، كان ابنها «إياد» يتجه إلى مصيره «المجهول»، فبينما كانت تصلى.. نسيت الباب مفتوحاً، نزل إياد، ذو السنوات الخمس، والمُصاب بالتوحد، للشارع.. تنهى أمه الصلاة.. وتنزل وراءه بعد دقائق معدودة فلا تجد سوى كلمات من فتاتين فى الشارع يخبرونها بأنه: «كان بيلعب مع ولدين كبار.. وأخدوه ومشيوا»، تبحث عنه فى كل مكان، تهرول هى وزوجها إلى قسم الشرطة، تحرر محضراً، تصفه بأنه «كلام على ورق»، تطبع صوره وتوزعها فى الشوارع وتلصقها على الحيطان، تؤجر عربات «تنادى عليه»، تجرى وراء أى نقطة نور تظهر لها فى هذا الظلام الحالك، ولا شىء جديد.
«حتة منى راحت.. بموت كل يوم» تصف «نجوى» حالتها فى غياب ابنها، مؤكدة أنها استقبلت الخبر بانهيار تام، وبكاء متواصل، وبعد محاولة من الآخرين لتهدئتها.. تقول «بقى حزنى معايا.. عايشة وأنا ميتة.. كل اللى خلانى أقوم من جديد ابنى أحمد.. عشان ميضيعش هو كمان».
أما السيدة رضا، ذات الـ37 عاماً فتحكى، عن رحلتها مع مرض «أحمد»: الأمر بدأ بـ«وجع عادى فى البطن وترجيع»، وعندما ذهبت إلى المستشفى، قال الطبيب إنها «الزايدة»، وبالفعل قاموا بإجراء العملية له، ولكن رغم ذلك الألم لم يتوقف، عاود من جديد، فلم يستطع الأطباء تحديد سبب الألم، فقاموا بعملية أخرى لاكتشاف ماهية المرض، وكانت الصدمة: «سرطان الغدد الليمفاوية»، تقول «رضا» عن حالتها النفسية وقتها: «لا عدو ولا حبيب يشوفها.. ولا يدوق اللى دوقته».
رضا لم تجد لأحمد مكاناً فى مستشفى «57357»، فدلها البعض على المعهد القومى للأورام، لتبدأ رحلة علاج ابنها، أصبحت تأتى من «طوخ» وتنام على كرسى بجانبه، بينما تقوم ابنتها بشؤون البيت المختلفة، إلى أن تعافى أحمد، وحمدت الله، ولكن لم تستمر فرحتها طويلاً، فسرعان ما عاد المرض من جديد ليهاجم ابنها، لتبدأ هى الأخرى فى رحلة الألم من جديد، «نفسى ربنا يشفى لى ابنى» هذا كل ما تتمناه «رضا» فى الحياة.
أما «شيماء» فرزقت بطفل رائع، تفرح بولادته فرحاً جماً.. لكن سرعان ما تُسلب فرحتها، بهذه الإعاقة الغريبة التى لا تفهمها.. فعلى ظهره «كيس» لا تعرف ماهيته.. تذهب لكل الأطباء، فلا يعرفون ما هذا أو يعرف بعضهم ويشخص المرض ولكنه يخاف أن يقوم بالعملية، وهى تائهة لا تعرف ماذا تفعل لابنها هذا المولود الصغير، حتى أخبرها أحد الأطباء أن «النخاع الشوكى خارج بره ضهره فى كيس»، ولابد من إجراء عملية، وبالفعل قاموا بإجرائها، لكنها أثرت فيما بعد على عضلات الساق، فأصبح لا يستطيع السير.
ورغم الظروف الصعبة التى مرت بها شيماء، فإنها لم تستسلم، فقامت بشراء الكثير من الوسائل التعليمية، والألوان.. وقامت بتشغيل القرآن والموسيقى له، حتى تجذب انتباهه، وتنمى قدراته منذ الصغر.
كبر «بشار» وأصبحت قدماه لا تحتمله، لكن أمه تحدت ذلك وغرست فيه مبدأ: «ربنا أخد مننا حاجة.. لكن مدينا حاجات كتيرة تانية»، وكانت تردد عليه دوماً: «كتير عندهم رجلين.. لكن مبيعملوش بيها حاجة»، مؤكدة أنه ليس مُعاقاً ولكنه «متحدى للإعاقة»، وبناءً على هذا المبدأ، قامت بالاشتراك له فى الكثير من الكورسات، وبحثت له عن الكثير من المدارس الخاصة لتقدم له فيها، فكان الرد: «إحنا مبنقبلش معاقين»، حتى وجدت مدرسة فى سيناء، فانتقلت به من السويس إلى هناك عند والدها، ولازمته، ولم يكن التعليم ما يشغل بالها فقط.. فقامت بجعله يمارس رياضة كالسباحة، والكاراتيه، فأخذ لقب أصغر سباح فى المحافظة، وبالتمارين والرياضة استطاع بشار أن يسير على «مشاية».
بنات وستات ضحين بأعضائهن للأب والزوج والأبناء.. أم بتول: روحى رجعتلى لما اتبرعت لبنتى بالكبد.. وأم سيمون: «لو كانوا هياخدوا روحى عشان تعيش كنت أديهالها»
كتبت - أمل علام
فى عيد الأم نتذكر تضحيات الأمهات والفتيات بأجزاء من أجسادهن من أجل حياة الأبناء والأزواج، بل وحتى الآباء، ونبدأ مع تضحيات الأمهات لأبنائهن بالأعضاء البشرية حتى يستطيعوا استكمال حياتهم، ومن ذلك نسرد قصتين عن التضحية، القصة الأولى « أم سيمون» التى تبرعت بجزء من كبدها بعد معاناتها مع المرض 10 سنوات، و«أم بتول» التى تبرعت لابنتها بجزء من كبدها لإنقاذ حياتها بعد صراع مع المرض استمر 4 سنوات هى كل عمر بتول.
وإلى القصة الأولى حيث قالت شيماء شعبان، 33 سنة، ربة منزل: «كانت بنتى بتول البالغة من العمر 4 سنوات تعانى من عيب خلقى فى الكبد اكتشفناه وهى فى عمر 15 يوما وأجرينا لها عملية لإزالة انسداد فى القنوات المرارية، لكنها لم تنجح لأن الانسداد كان فى قنوات الكبد نفسها، وبعد ذلك طلب الطبيب إجراء عملية زراعة كبد لأن ابنتى أصيبت بتليف فى الكبد، ولما قرر الأطباء إجراء زراعة كبد لها قررت أن أتبرع لها وأجريت معها التحاليل وظهرت النتائج مناسبة وتبرعت لها ورفضت أن يتبرع والدها لأنه هو من يرعانا»، مضيفة: «بعد إجراء الجراحة تحسنت حالة «بتول» بعد معاناة استمرت طوال عمرها وهو 4 سنوات وبشفائها عادت لى روحى حيث لم أنجب سواها وشعرت بالسعادة ، لأنى لما بشوفها كويسة باكون أسعد إنسانة فى الدنيا».
وتابعت شيماء المقيمة فى قرية أم خنان التابعة لمركز قويسنا بالمنوفية: «الدكتور قال لى على مخاطر العملية ولكنى جازفت من أجل ابنتى عشان تعيش وأشوفها كويسة وهى دلوقتى بتاكل وبتشرب وأصبحت طبيعية وبتاخذ أدوية مناعة»، موضحة أن من أجرى لها عملية زراعة الكبد هو بروفيسير من اليابان يجرى عمليات الأطفال فى معهد الكبد القومى بجامعة المنوفية.
الحالة ثانية هى «شيماء الرفاعى عارف»، والتى تحكى قصة عطائها قائلة: «ابنتى سيمون وائل حسنى ولدت بانسداد فى القنوات المرارية، وأجرينا لها عملية استبدال قنوات مرارية وهى فى عمر شهرين، ثم أصيبت بتليف فى الكبد، نتيجة هذا الانسداد وعندما تخطى عمرها 10 سنوات أجرينا لها عملية زراعة كبد وخلال المدة السابقة على العملية كنت أبكى وخايفة أفقدها وتوجهنا إلى معهد الكبد ووافق الأطباء على زراعة كبد لـ«سيمون» وتبرعت لها بجزء من كبدى فى عملية جراحية تمت يوم 28 ديسمبر الماضى.
وأضافت «أم سيمون» أن ابنتها أصبحت حالتها مستقرة وتتابع حاليا فى معهد الكبد الذى أجرى فيه الجراحة فريق طبى مصرى مع خبير يابانى فى زراعة الكبد، والذى يأتى إلى معهد الكبد القومى بجامعة المنوفية كل 3 أشهر لإجراء العمليات المستعصية للأطفال.
أم سيمون قالت إنها من المنصورة وعمرها 30 سنة ولديها بنت أخرى اسمها شهد وولد اسمه محمد وسيمون هى الكبرى وتقول: «كنت سعيدة جدا بالتبرع لها بجزء من كبدى وأصبحنا فرحانين أكثر بعد تحسنها، الحمد لله ان ربنا شفاها ومكنتش مصدقة أن الزرع ممكن يخليها طبيعية وسعيدة إنى اديتها جزء من كبدى عشان أشوفها مبسوطة زى باقى البنات».
وإلى تضحيات الزوجات لأزواجهن وقد ضربت «هناء عدلى» أروع مثال على ذلك عندما تبرعت لزوجها «وائل سيد ساويرس» بجزء من كبدها ولم تتردد لحظة فى إنقاذ حياته من الموت.
وقال وائل ساويرس، 34 سنة: «أصبت بفيروس سى واكتشفته عام 2010 وأنا مساعد صيدلى واكتشفت ان الفيروس أحدث تليف بالكبد وقال لى الدكتور رفعت كامل أننى أحتاج زراعة كبد بعد أن رأى التحاليل وأبدت زوجتى هناء رغبتها فى التبرع وهى ابنة عمى وعملت التحاليل وظهرت أنها مطابقة».
وتسرد هناء عدلى 29 سنة قصة تبرعها بجزء من الكبد لزوجها قائلة: «كان لازم أعمل كده، ما ينفعش أعيش من غيره، أو أشوفه بيتألم وتعبان»، وتكمل: «وأنا باعمل التحاليل ذهبت أنا وأخوه وقلت له محدش حيديه كبد غيرى».
«خديجة» وابنة خالتها «أسما» فتاتان ضربتا أروع مثل فى التضحية، عندما تبرعت الأولى بفص من الكبد لوالدها «محمد أشرف» وتبرعت الثانية «أسما» بالفص الثانى لنفس المريض»زوج خالتها» الذى أجرى له الأطباء عملية زراعة كبد.
خديجة محمد أشرف روت لـ«انفراد» قصتها فقالت: «تبرعت لوالدى بفص من الكبد لإنقاذ حياته ورغم أنى طالبة فى السنة الثالثة بإحدى الجامعات الخاصة لم تمنعنى دراستى عن التبرع بجزء من كبدى لأبى، وخطيبى شجعنى ولم يكن أمامى حل آخر وأنا أرى والدى يعانى منذ يوليو الماضى وحالته تتدهور بشدة».
وأضافت: خضعنا للجراحة ونجحت العملية، وأنا الآن بصحة جيدة وبابا صحته بتتحسن وأنا مبسوطة جدا لأنى كنت سببا فى شفائه وعندما كان مريضا كان حالتنا صعبة، خاصة إن لى أخت عمرها 6 سنوات وكانت بتصعب على جدا وخفت تتحرم من حنان بابا».
بدورها أكدت «أسما هجرس» البالغة من العمر 24 عاما والتى تبرعت بالفص الآخر من الكبد لزوج خالتها أنها وافقت على العملية رغم أن المريض مش والدها موضحة: «هو مثل بابا وإنسان كويس وحنين علينا كلنا لذلك كان الجميع تنافسوا على التبرع له، وأنا كنت باعيش فى بيته بالشهور وهو قريب مننا، وعندما تعب كنا زعلانين عليه لأنه كان يعانى من الاستسقاء، ولم أتردد لحظة فى التبرع بالكبد له والحمد لله أجريت العملية بنجاح».