نقلا عن العدد اليومى...
-ياسر برهامى: الأشاعرة فرقة فيها انحراف والمنتمون لها من أهل القبلة وليس من أهل السنة.. ويخالف آراءه من أجل"الخطابة"
على الرغم من أن «التقية» مبدأ شيعى بالأساس، فإن السلفيين يمارسونها يوميًا، ويتخذون منها وسيلة لمداراة عدائهم تجاه المذاهب الإسلامية المختلفة، بخاصة المذهب الأشعرى، نسبة إلى الإمام أبى الحسن الأشعرى، وهو المذهب العقائدى الرسمى لمؤسسة الأزهر الشريف.
وتلعب التيارات السلفية لعبة أساسها «المراوغة»، إذ تهاجم الأزهر وتطعن فى عقيدته الأشعرية فى كتب شيوخها وفى قاعات الدرس وبمعاهدهم ومساجدهم، فيما يجامل قياداتها المشيخة علنًا وأمام وسائل الإعلام، ويؤكدون التزامهم بمنهج الأزهر الوسطى، وهذا ما لا يحدث.
وتعتبر مناهج المعاهد السلفية المنبع الأول للإرهاب والتطرف، ومن أجل التصدى لها، ألزمت الحكومة، هذه المعاهد بدراسة منهج الأزهر ووضعها تحت سيطرة وزارة الأوقاف، وتم تعيين عمداء لها من أساتذة ومشايخ الأزهر، إلا أن ذلك لم يكفِ لتَكفَّ هذه المعاهد عن دس سمومها فى العسل ونشر أفكارها المتشددة المضادة للتفكير والتطور، والتى تتضمن آراء تكيفرية للغير وبعضها تحريضية.
وتصر المعاهدُ السلفيةُ، وخاصة التابعة لجمعية أنصار السنة، على الاستمرار فى تدريس مناهجها المتشددة فى الباطن، وإظهار التزامهم بتدريس مناهج الأزهر الشريف فى العلن، خوفا من إغلاقها.
«السلفيون» وإرهاب الفرقة الناجية:
يعتبر أغلب السلفيين أنهم وحدهم أصحاب المنهج الصحيح والعقيدة السليمة، وأنهم أصحاب الحق، ووحدهم الفرقة الناجية، ويفهمون حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «تفترق أمتى على نيف وسبعين فرقة، الناجية منها واحدة»، خطأ، ويعتقدون أنهم فقط أهل السنة والجماعة، والباقون على ضلال، ويعتبرون أى رؤية تخالف وجهات نظرهم من عند الشيطان، على حد كتاباتهم.
ويلعن أتباع المنهج السلفى، الآخرين، ويهاجمونهم، ويطعنون فى عقائدهم حتى وإن كانوا مسلمين مثلهم ويشهدون بوحدانية الله ورسالة النبى محمد صلى الله عليه وسلم، حيث لم تنج فرقة إسلامية من تشكيك السلفيين فى عقيدتهم، ويقولون صراحة بكفرهم وخروجهم من زمرة المسلمين عامة، أو من مذهب أهل السنة بخاصة، لكن الملاحظ وعند الحديث عن المذهب الأشعرى، المذهب العقائدى الرسمى لمشيخة الأزهر، تتراجع نبرة السلفيين العدائية الواضحة تجاه المذاهب الإسلامية المتباينة، بل يتحول مسار الخطاب السلفى عن «الأشاعرة» إلى مستويين، أحدهما للترويج الإعلامى والتداول بالمجال العام وبين الجماهير، وآخر للتداول بقاعات الدرس والتعليم ويُعرف باسم «الخطاب الدرسى».
ويتراوح موقف شيوخ السلفية بين هذين الموقفين، فالأول فيه قبول بالمذهب الأشعرى والاعتراف به، يصل الأمر إلى تفخيم المؤسسة الراعية للأشاعرة «الأزهر» بمشيخته وجامعته، والثانى الخطاب الدرسى التكفيرى الرافض للأشعرية بوصفها مذهبًا يعطل عن الله صفاته، ورؤية عقائدية «فاسدة».
وتجدر الإشارة إلى أن أتباع السلفية يعرفون باسم «الحنابلة المتأخرين»، الذين ظهروا فى القرن الرابع الهجرى، ناسبين جلّ آرائهم وفتواهم إلى الإمام أحمد بن حنبل، كذلك يتبنون رؤى مواقف ابن تيمية الذى ظهر فى القرن السابع الهجرى، ومن بعده محمد بن عبد الوهاب فى القرن الثانى عشر الهجرى.
ويعتقد السلفيون فى إثبات كل ما جاء من أسماء وصفات وأخبار عن الله فى القرآن والسنة النبوية من غير تأويل ولا تفسير بغير الظاهر، فهم يثبتون لله المحبة والغضب والسخط والرضا والنداء والكلام والنزول إلى الناس فى ظل من الغمام، ويثبتون الاستقرار على العرش، والوجه واليدين!! وهم يقصدون بالظواهر «الظواهر الحرفية، لا الظواهر ولو مجازية»، وهو ما يخالف رؤية المذهب الأشعرى، التى يرى أن ألفاظ الصفات لها معان ظاهرة، وهى الحسية التى نراها وهى محالة على الله تعالى، ومعان أخرى «مجازية» يعرفها العربى من غير تأويل، على حد تعبير أبو حامد الغزالى.
كما يرى الأشاعرة أنه من الخطأ الوقوع فى التشبيه والقول بأن لله وجها، الأمر الذى ينطبق على اليد وغيرها من الصفات، مستدلين على إثبات ذلك بالنقل والعقل، ومن هنا يأتى الهجوم على المذهب الأشعرى من المنتمين للسلفية.
ياسر برهامى ينافق الأزهر من أجل «الخطابة»
يعد الداعية ياسر برهامى، نائب رئيس الدعوة السلفية، أكثر السلفيين مراوغة تجاه الأزهر، ففى وقت يتنصل فيه من الطعن فى عقيدة الأزهر، وذلك وقت الاحتياج للحصول على تصريح خطابة، وهو ما يضطره لمغازلة المشيخة والقائمين عليها، وفى وقت آخر يطعن فى عقيدة الأشاعرة.
ويرى برهامى فى كتابه «المنة فى شرح اعتقاد أهل السنة»، أن «الأشاعرة أهل بدع وضلال، وإقرارهم بالصفات المشهورة المعلومة من الدين بالضرورة فى الجملة منع من تكفيرهم، وإن كان عندهم تعطيل للاستواء «يقصد استواء الله على العرش»، ونحو ذلك من الصفات، ولكنه ليس على سبيل الإنكار لصريح القرآن، بل على سبيل التأويل».
ويتابع نائب رئيس الدعوة السلفية: «صار الناس بسببهم يقولون عن عقيدة تأويل الأسماء والصفات بأنها عقيدة أهل السنة»، معتقدين أن الأشاعرة هم أهل السنة، وليسوا كذلك، لأن الأشاعرة فرقة فيها انحراف بلا شك» على حسب النص الذى جاء فى كتاب برهامى.
وكثيرًا ما يشدد نائب رئيس الدعوة السلفية على أن الأشاعرة «من أهل القبلة وليسوا من أهل السنة، منسوبون إلى أهل السنة لأنهم أقرب الفرق إلى أهل السنة».
المعاهد السلفية: الأشاعرة سم فى جسد الأمة!
فى قاعة الدرس، وبمستوى لغوى ضارب فى التخصصية، وفى مساجدهم ومعاهدهم، يشن شيوخ السلفية هجومًا كاسحا على الأشاعرة الذين يشيرون عليهم بأهل التأويل، والذين يسيرون فى «الطريق الخطأ»، ويرفضون مبدأ التشبيه عند الحديث عن صفات الله، ثم يقعون فيه، على حد قول الخطاب السلفى.
وفى مقطع فيديو شهير على موقع التواصل الاجتماعى «يوتيوب» بعنوان «الدرر الفاخرة فى إبطال مذهب المعطلين والأشاعرة»، يقول الشيخ السلفى محمد سعيد رسلان: «أهل التأويل «الأشاعرة» يقولون إن الظاهرة المتبادرة من نصوص الصفات معنىً لا يليق بالله، وهو التشبيه، فالمقصود هنا أن هؤلاء المعطلة المؤولة هم الخطأ، وهم الذين يقولون ظاهر النصوص التشبيه، فيجب أن نؤولها إلى معنى يستلزم التشبيه على زعمهم، «يتهمهم بالوقوع فى التشبيه الذى فروا منه» وزادوا على ذلك، تحريف الكلم عن مواضعه، وتعطيل الله عز وجل عما يجب له، هؤلاء جريرتهم عظيمة فكيف إذا كانوا دعاة إلى ذلك؟ وكيف إذا كانوا يبثون ذلك السم فى الأمة؟»!!
إذن الأشاعرة مؤولة، معطلة، وفى الوقت ذاته مشبهة، ومحرفين للكلم عن مواضعه، ومذهبهم «سم الأمة»، بالنسبة للسلفيين! ويستتبع ذلك، حفاظًا على الأمة «استئصال السم».
ويرى الخطاب السلفى الأصولى أن منبع سمّ الأشاعرة وفسادهم «جهلهم»، وحسبما جاء على لسان الشيخ رسلان، «فإن أهل التأويل سموا أنفسهم أهل العقل، وهم فى الحقيقة لا عقل ولا نقل، وأما أهل التفويض فهم لا يفهمون شيئًا، فإذا سألتهم عن أى شىء قالوا لا ندرى، وإن قيل لهم ماذا عن «ثم استوى على العرش»، قالوا لا نعلم معناها»، ويرى أيضًا: «يقولون نحن أهل العقل، ولهذا لجأوا إلى القول الباطل، فطريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أعلم وأحكم، وهذا من جهلهم، لأنه حيث وجدت السلامة فلابد من العلم والحكمة، إذن طريقة السلم أسلم، وأعلم وأحكم، وهذه جملة صادقة كاذبة، فأما شطرها الأول صادق، «طريقة السلف أسلم» وأما شطرها الثانى فباطل، طريقة الخلف أعلم وأحكم؛ بل طريقة السلف أسلم وأعلم وأحكم، ولازمها مدمر جدًا؛ لأن من لوازمها، أن يكون الخلف، ومن هم الخلف عند هؤلاء؟ المتكلمون. أن يكون المتكلمون وأفراق الفلاسفة من المعتزلة وغيرهم أن يكونوا أعلم وأحكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، هذا لازم لا يقول به مسلم بل من قاله يكون كافرًا» على حد قوله.
السلفيون أعداء التطور
وكما يطعن الخطاب السلفى فى عقيدة الأشاعرة صراحة، فإنه يرفض التطور بتقديم منجز «السلف» بوصفه تامًا وناجزًا ومكتملًا، والسلف أنفسهم أكثر تطورًا وقدرة على الوصول للسلامة والإحكام والإحاطة بالعلم، الأمر الذى يقول بأن السلامة فى «التقليد» والرجوع إلى الوراء والتمسك بالمواقف التاريخية بعد إسقاط شروطها التاريخية والسياقية، وتصويرها بوصفها فترة الكمال.
ويفسر المفكر الراحل نصر حامد أبو زيد دفاع الأصوليين عن منجز السلف، بالدفاع عن التقليد «المحتمى» فى السلف، بكل ما يمثله السلف فى الضمير الإسلامى من قيمة علمية وفكرية، موضحا أن «التقليد والاحتماء فيه يقف ضد التطور والتفكير العقلانى، ويغلق باب الاجتهاد، بما أن السلف نجحوا فى رسم الطريق وتحديد معالمه، وأى محاولة للخروج عن المسار «ضلال».
السلفيون يحسبون «الأزهر» على خير!
المستوى الثانى من الخطاب الوهابى فى التعبير عن موقفه من الأشاعرة تمثل بمراوغة لغوية، فهم من «أهل السنة والجماعة» وهم خارجها فى الوقت نفسه، ولا يجزم الخطاب السلفى بصحة معتقد أو خطأه، فالموقفان ليس عدلًا، حسب منطوق محمد صالح العثيمين «الأشاعرة من أهل السنة والجماعة فيما وافقوا أهل السنة والجماعة، وهم مخالفون لأهل السنة والجماعة فى باب الصفات؛ لأنهم لا يثبتون الصفات لله إلا سبعًا فقط، ومع ذلك لا يثبتونها على الوجه الذى أثبتها عليه أهل السنة، فلا ينبغى أن نقول إنهم من أهل السنة على الإطلاق، ولا أن ننفى كونهم من أهل السنة على الإطلاق».
وهى مراوحة تصلح بالطبع على الفرق والمذاهب كافة، فالشيعة- حسب الرؤية السابقة- من أهل السُنة فيما وافقوا السنة فيه؛ وحال مد منطق الرؤية على استقامته، فالمسيحيون من أهل السنة فيما وافقوهم فيه، لكنها المراوغة، ووحدها المراوغة!!
ويتمثل «العثيمين» دور القاضى، انطلاقًا من النص: «وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل»، ويبدو حياديًا تجاه فرقة إسلامية، هذا الحياد الذى يتهتك إذا اكتشفنا «الشك» فى عقيدتهم، بالتالى فأهل السنة أصحاب عقيدة ثابتة الرؤية، وبارزة البنيان، لا ريب فيها، فطالما ليسوا من أهل السنة على الإطلاق فخروجهم النسبى أو الجزئى مجرد تحصيل حاصل.
ويتابع العثيمين: «فإخراجهم من أهل السنة مطلقًا ليس من العدل، وإدخالهم فى أهل السنة مطلقًا ليس من العدل، فالواجب أن نعطى كل ذى حق حقه»!!
مكانة الأزهر تحميه من هجوم السلفيين!
وما يفسر وجود خطابين لدى السلفيين من الأشاعرة، هو مكانة مؤسسة الأزهر وما يمثله من سلطة رمزية تدعم مكانته، فيتراجع الخطاب الأصولى للسلفية الرافضة للأشعرية، والمعتبر الأشاعرة خارج أهل السنة والجماعة، ما يعنى عدم انتمائهم للإسلام إنما للآخر الدينى الكفرى، ويظهر الخطاب العام الموجه للجماهير وتلخصه عبارة: «نحسبهم على خير»، لأن العداء للأزهر وعقيدته يعنى بالضرورة استعداء للسلطة الكامنة وراء المشيخة، وما يحمله من ثقل رمزى فى أذهان ونفوس المصريين وغيرهم، وهى السلطة المبنية بالأساس على الهيبة والمكانة المرتبطة بالمؤسسة ودورها التاريخى والاجتماعى.
وهناك تفسير آخر، للموقفين المختلفين للسلفيين من الأشاعرة، ملخصه الارتباك الذى يقع فيه شيوخ السلفية عند التطرق إلى «علماء سلف» ثقات بالنسبة لهم يعتقدون فى الأشعرية، ويتخذونها مذهبًا، ومنهم: القرطبى، ابن كثير، أبو إسحاق الشيرازى، القاضى أبو بكر الباقلانى، والفخر الرازى، وغيرهم.