فى الوقت الذى تلقى فيه المهندس شريف إسماعيل رئيس مجلس الوزراء تقريرا من الدكتور أحمد عماد وزير الصحة مؤكدا فيه على نجاح الوزارة فى توفير اللبن المدعم على مستوى الجمهورية، كشفت جولة ميدانية لـ"انفراد" عدم حقيقة تصريحات وزير الصحة على أرض الواقع، فلا تزال معاناة الأهالى فى الحصول على هذه اللبان لأطفالهم مستمرة بسبب اختفائه من الصيدليات الكبرى أو الصغرى منها على حد سواء وهو ما تم رصده فى عدد من الصيدليات.
كانت البداية فى صيدلية "س" بحى شبرا وقال أحد العاملين بها: "لا يوجد لبن مدعوم فى الصيدلية منذ فترة كبيرة وبالتحديد منذ شهرين، على الرغم من الطلب المتزايد عليه من الأهالى نظرا لارتفاع سعر الألبان الأخرى التى تباع بسعر السوق ويصل سعرها إلى 50 جنيها للعلبة الواحدة، مع العلم أن متوسط استهلاك الطفل الواحد يصل إلى 4 علب شهريا.
مضيفا فى الوقت الذى يشكو فيه أصحاب الصيدليات من نقص الألبان ويطالبون الوزارة بالتدخل للقضاء على تلك الأزمة نجد أن التصريحات الوزارية تنفى وجود نقص فى الألبان، وتؤكد على توافره ونجاحها فى توفير الاحتياطى منه مما يجعل الصيدليات محل اتهام من جانب الأهالى الذين يتهمونها بإخفاء اللبن المدعوم بغرض بيعه فى السوق السوداء لتحقيق مكاسب تجارية.
وفى شارع القصر العينى الذى يشتهر بوجود عدد كبير من الصيدليات الكبرى كانت الإجابة بعدم وجود الألبان المدعمة حاضرة بقوة داخل عدد من الصيدليات.
وأوضح أحد العاملين فى صيدلية "ع" أن الألبان المدعمة أصبحت سلعة نادرة داخل الصيدليات بسبب عدم توافرها على الرغم من الاحتياج الشديد لها والطلب المتزايد عليها من جانب الأهالى، بالتزامن مع عدم وجود تدخل إيجابى من وزارة الصحة لإنهاء هذه الأزمة.
وتابع: نقص الألبان المدعمة يأتى ضمن قائمة كبيرة وصلت إلى 500 صنف دوائى لا غنى عنها للمرضى وتعانى من نقص حاد فى الأسواق.
لم يقتصر أمر اختفاء الألبان المدعمة داخل الصيدليات الخاصة فقط وإنما امتد إلى الصيدليات الحكومية ومنها صيدلية الإسعاف بالقرب من نقابة المحاميين.
حيث اصطف عدد كبير من الأهالى فى طوابير منتظمة حاملين فى أيديهم شهادات ميلاد أبنائهم على أمل الحصول على تلك الألبان للرجوع بها إلى أطفالهم قبل أن يخرج إليهم أحد العاملين فى الصيدلية طالبا منهم الانصراف بسبب نفاذها من الصيدلية، طالبا منهم الحضور مجددا فى موعد لم يحدده قائلا: "اللبن المدعم فيه مشكلة ومقدرش أحدد ميعاد للناس لأنه مش بييجى بانتظام".
وقال جابر خليل أحد الواقفين أمام الصيدلية: "حضرت من محافظة الغربية مخصوص للحصول على تلك الألبان من أجل ابنى الوحيد البالغ من العمر 5 أشهر، الذى لا يتناول غيرها بناء على تعليمات الطبيب لأن الألبان الأخرى تسبب له اضطرابات فى الهضم.
وأوضح الرجل الخمسينى العمر والذى يؤكد أنه ميسور الحال قائلا: "أنا أقدر أجيب علبة اللبن بـ 50 جنيها بس هاعمل ايه ابنى ما بيكلش غير اللبن المدعم وشكلى هارجع من غيره".
"م، س" محاسب شاب لم يتخط عمره الخامس والعشريين حضر من أكتوبر من أجل صرف حصته الأسبوعية من اللبن المدعم المرحلة الأولى لابنه الذى لم يكمل الشهرين، والذى فوجئ بقيام العاملين داخل الصيدلية بصرف المواطنين بدعوى عدم وجود اللبن المدعم حيث قال: "على الرغم من بعد المسافة بين صيدلية الإسعاف وبين أكتوبر حيث محل سكنى وعملى فى نفس إلا أننى أتحمل معاناة التنقل للحصول على تلك الألبان المدعمة التى لا تتجاوز ثمنها 6 جنيهات للعلبتين التى يتم صرفهما للطفل الواحد مقارنة بسعر الألبان الأخرى، التى تصل قيمتها إلى 50 جنيها للعلبة الواحدة".
الزحام الشديد وعدم استيفاء الأوراق أو بالتحديد شرط الختم من الوحدة الصحية سمح بوجود عدد من السماسرة الذين انتشروا فى الطابور بدعوى قدرتهم على الحصول على علب الألبان، والتغلب على معاناة الانتظار فى الطابور أو شرط الختم من الوحدة الصحية.
ومن جانبه قال محمود فؤاد مدير "الحق فى الدواء": إن أزمة الألبان المدعمة سبق وأن حذر منها عدد كبير من المتخصصين والحقوقيين فى ظل تجاهل تام من وزارة الصحة لتلك التحذيرات.
وأكد فؤاد أنه صرح أكثر من مرة أنه إذا استمر الحال على ما هو عليه فإن مصر سوف تضطر إلى السحب من الاحتياطى الاستراتيجى وهو ما يحدث خلال تلك الفترة.
وأوضح فؤاد: "سوق الألبان المدعمة أصبح هدفا للبعض الذين يحاولون الدخول فيه واحتكاره من أجل تعظيم أرباحهم ومنها ما حدث خلال الإعلان عن المناقصه لتوريد 18 مليون علبة لبن أطفال، والتى سمح فيها للقطاع الخاص بحق المشاركة، وبالفعل تقدم أحد رجال الأعمال مالك إحدى سلاسل الصيدليات الشهيرة وقدم سعر 31 جنيها للعلبة بجوار الشركة المصرية لتجارة الأدوية التى قدمت 29 جنيها للعلبة، وطبقا للقانون كان من المفترض أن يتم ترسيته بالكامل على الشركة المصرية ولكن تم إعطاء الشركة الخاصة نسبة توريد 20%.
وتابع: "وهو ما أثار استياء عدد كبير من المراقبين لأن ذلك قد يكون بابا خلفيا لاحتكار تلك السلعة الغالية الممثلة فى لبن الأطفال المدعم فى صيدلية بعينها"، مضيفا: إن ذلك دفع مركز الحق فى الدواء إلى تقديم شكوى لرئاسة الجمهورية بخصوص ما حدث وتم التراجع وتصحيح الوضع بإسناد أمر التوريد بالكامل إلى الشركة المصرية؛ ولكن يظل التساؤل هل تتدخل الدولة بإجراءات جدية بوضع آلية تضمن القضاء على أزمة الألبان المدعمة، فى ظل التقارير الدولية التى تؤكد أن ثلث أطفال مصر يعانون من سوء التغذية والتقزم.