نقلا عن العدد اليومى...
يعد الدكتور بهى الدين عرجون، خبير الأمان النووى والملقب بـ«أبو الفضاء المصرى»، صاحب الفضل فى دخول مصر عالم الفضاء، لأنه صاحب فكرة إطلاق أول قمر صناعى مصرى، ومؤسس برنامج مصر الفضائى وأول رئيس للبرنامج.
«انفراد» التقت «عرجون» وتحدث فى حوار من القلب عن تاريخ البرنامج الفضائى، كما عدد الشخصيات البارزة التى لعبت دورا فى نجاحه قبل توقفه، ثم موقف مصر حاليا فى مجال الفضاء، ورؤيته للنهوض ببرنامج مصر الفضائى.
كيف كانت بدايتك بمجال الفضاء؟
- أنا خريج قسم فضاء بجامعة القاهرة، وسافرت إلى أمريكا وحصلت على الدكتوراه بأمريكا، كما درست وتخرجت فى قسم الميكانيكا بجامعة تورنتو الكندية، ثم عملت أستاذ بجامعة «ويسكونسن» الأمريكية لفترة قصيرة، وعندما بلغت من العمر 40 سنة عدت إلى مصر.
هل كانت عودتك بناء على طلب مسؤولين من الدولة أم أنه قرار شخصى؟
- قرار شخصى، لكن حينما علم بعض المسؤولين برغبتى فى الرجوع شجعونى على ذلك، وأولهم الدكتور فوزى حماد، رئيس هيئة الطاقة النووية الأسبق، الذى كان التقانى فى شيكاغو عام 1986.
متى بدأت فكرة تأسيس برنامج فضاء مصرى تجوب بخاطرك؟
- فى عام 1995 وخلال عملى بجامعة القاهرة أطلقت إسرائيل القمر الصناعى «أفق 3»، ومصر لم تكن تمتلك أى قمر صناعى، وشعرت بحرقة فى القلب، وبكيت من شدة الحزن، وقلت «يا ربى مفيش أى حاجة نعملها ودعيت وقولت يا رب سهلها»، وبعدها بأسبوعين شاركت بندوة وعرضت بها أفكارى لبرنامج الفضاء، وفى إبريل 1997 أضيف تخصص علوم الفضية للهيئة القومية للاستشعار عن بعد وكلفت من رئيس الهيئة بتأسيس قسم الفضاء، وبناء عليه تركت عملى بالجامعة وأنشأت قطاع الفضاء.
هل كان الرئيس الأسبق مبارك على علم بأهمية الفضاء فى ذلك الوقت؟
- اتصلت بى رئاسة الجمهورية فى عام 1998 ودعتنى لحفل لتناول الشاى مع الرئيس الأسبق، وحينما وصلت للمكان ووجدتها جلسة خاصة مع كبار رجال الدولة، وقال لى مسؤولو البحث العلمى فى ذلك الوقت «منك له ابعدنا إحنا عن الموضوع».
وحينما أتت الفرصة كى أتحدث مع «مبارك» قلت له: «نحن علماء مصر نشعر بأننا نستطيع إطلاق قمر صناعى ومش عارفين هل ستعطينا الضوء الأخضر أم هناك معوقات؟» فقال لنا: «هتقدروا» قلنا له: «أكيد»، فوافق وقال للموجودين: «ساعدوهم وشوفوا طلباتهم إيه»، وكنت سعيدًا للغاية.
بماذا شعرت فى ذلك الوقت؟
- كنت سعيدا للغاية لأننى استطعت إقناع الدولة بأن غزو الفضاء هو الطريق للنهوض، وبدأت فى البحث عن دولة أجنبية كى تتعاون معنا فى المجال، ووضعنا فكرا ومنهجا لنقل التكنولوجيا، وفى المدة من 1997 حتى 1999 كنا نخطط لبرنامج الفضاء، وأنشأنا مجلس الفضاء بقرار من وزير البحث العلمى بناء على طلب من هيئة الاستشعار، ووقعنا عقود تصميم وإطلاق أول قمر صناعى، وفى عام 2001 سافر 64 مهندسا إلى أوكرانيا عاشوا 3 سنوات ونصف عملوا فى تصنيع القمر وتصميمه وهو مجهود بطولى لأن درجة حرارة هذه الدولة فى الشتاء 25 - ولا يوجد بها غاز للتدفئة.
وكيف كان يعمل هؤلاء المهندسون المصريون؟
- كل خبير أوكرانى كان فى كتفه واحد مصرى زى صبى السباك علشان نتعلم، بيشتغل معاه من 8 صباحا حتى 5 مساء يتابع ما يقوم بعمله ويوثقه، وهذا أحد سر النجاحات فى تصنيع القمر منذ 2002 وحتى 2006، وكان القمر جاهزا وسافر لكازاخستان كى يطلق من قاعدة «باكينكور» وبالفعل تم إطلاقه فى 2007.
من الذى دعمكم بشكل حقيقى لتنفيذ برنامج الفضاء المصرى؟
- الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك هو من أعطى الموافقة لبدء البرنامج، ولم أعلم علمه بتوقفه من عدمه، وللأمانة الفضل يعود لشخصين فى دعم البرنامج الرئيس الأسبق مبارك، ووزير البحث العلمى الأسبق «مفيد شهاب».
كيف دعمك مفيد شهاب؟
- حدثت أزمة الدولار فى 2004 وأضرت بمشروع تصنيع القمر، لأننا كنا نتعامل بالدولار مع الجهات المصنعة، وشهاب كان اتصل برؤساء الجامعات الإقليمية فى ذلك الوقت وقال لهم لو عندكم دولارات سلفونا بسرعة وبقى تاكسى مخصوص للصعيد يحضر الأموال ويحول للدولة المصنعة ويدعم المشروع، كما أنه سافر أوكرانيا لمتابعة المهندسين أثناء عملهم فى القمر، وتعايش معهم 5 أيام وهذا أعطانا دفعة معنوية كبيرة، ومن وجهة نظرى هو أفضل وزير بحث علمى أعطى دفعة لبرنامج الفضاء.
كيف خرجت من البرنامج؟
- فى 2007 بلغت الستين ومدت لى فترة العمل لعام واحد للعمل فى البرنامج، لأن المسؤولين خافوا على «إيجبت سات»، وبعدها قالوا لى «كفاية عليك كده»، وكنت حزين جدا «لأن مفيش حد بيغير قائد المعركة خلال المعركة»، وتوقف كل شىء لمدة 10 سنوات والبلد دفعت تمن استبعادى.
هل حققت ما أردته قبل استبعادك؟
- التحدى الرئيسى بالنسبة لى كان كسر واحتكار التكنولوجيا، وهذا بالفعل حدث، لكن طموحى كان الاستكمال وإطلاق «إيجبت سات 2» قمر مصنع بمصر.
وتقدمت فى 2007 بطلب لهيئة الاستشعار عن بعد للموافقة على البدء فى التخطيط لـ«إيجبت سات 2» وكانت كل الظروف مهيأة والقرار على مستوى الهيئة فقط ورفضه أعضاء مجلس الإدارة، وقالوا لازم نسأل عن الدروس المستفادة من «إيجبت سات 1» ونشكل لجنة لفحص هذا، ولو كان هذا القرار صدر كنا عملنا كتير، لكن أنا عملت اللى عليا، لو استمررت لحققت فى 2012 ما نخطط لتحقيقه فى 2022.
كيف كان شعورك حينما توقف برنامج الفضاء الذى وضعته أنت؟
- الأمر كان محزنًا للجميع وأنا واحد منهم لأنى وهبت حياتى للبرنامج وتفرغت له بالكامل.
ومن وراء توقفه؟
- المسؤولون كان لديهم الثقة بأن مصر لا تستطيع فعل شىء، وبالتحديد الوزير هانى هلال حين توليه حقبة البحث العلمى، كان لا يدرك بالمرة قدرة مصر على تصنيع الأقمار الصناعية وقال لنا «إمتى هتفضحونا باللى بتصنعوه ده؟»، وكان المقولة السائدة بين الناس «إحنا لاقيين نأكل الناس علشان نطلق قمر».
ماذا يعنى هذا؟
- هذا يعنى أن هانى هلال كان لا يمتلك رؤية، والفارق بين مفيد شهاب وهانى هلال أن «شهاب» ساعد البرنامج، أما «هلال» فهدم كل شىء وأضر بالبرنامج وبقى يقول «أنتم هتفضحونا بالبتاع ده، قاصدًا القمر».
وأين ذهب تلاميذك ومنهم الـ64 مهندسا بعد ذلك؟
- حينما تأكدوا أن البرنامج توقف بدأوا فى البحث عن عمل بأماكن أخرى، وسافروا إلى أمريكا واليابان وفرنسا، وأحدهم أصبح مدير برنامج فضاء بفرنسا، وكانوا أول من حصلوا على دكتوراه فى الفضاء وهيئة الاستشعار عن بعد، ورفعت قضايا ضدهم لأنهم وقعوا على تعهدات قبل تدريبهم بأنهم سيعملون فى مصر.
من وجهة نظرك ماذا حققت مصر منذ توقف البرنامج؟
- كل الدول التى بدأت معنا وكانت تسير بسرعة «السلحفاة» سبقتنا مثل الجزائر وتركيا وإيران، البرنامج كان نائما حتى قبل عام ونصف من الآن، وألاحظ أنه يشهد حاليا شبه صحوة بخطة إطلاق حوالى 5 أقمار صناعية جديدة، بالإضافة إلى قمر آخر يشبه «إيجبت سات 2».
ما أهمية صناعة الفضاء وإطلاق الأقمار الصناعية لمصر فى الفترة الحالية؟
- صناعة الفضاء مظلة لعدد كبير جدا من الصناعات، حيث إنها تساعد على فهم صناعة الطاقة والاتصالات.
هل يمكن أن نصبح يوما ما كأمريكا والصين؟
- استراتيجيًّا واقتصاديًّا نحن موجودون بحد معين، لكن لا يصح أن نقارن أنفسنا بالهند أو أمريكا أو الصين، ويجب أن نقارن أنفسنا بالدول الساعية للنهضة من جنوب أفريقيا وإيران وتركيا.
وماذا عن الإمارات التى ستطلق رحلة للمريخ فى 2020؟
- تكوين الإمارات ليس مثلنا، فهى دولة صغيرة، وتعداد سكانها كبير، وصعود المريخ ليس مهمًّا لأننا يجب أن نسأل أنفسنا: ماذا ستستفيد الدولة من ذلك؟ بالبلدى «الإمارات بفلوسها تقدر تشترى العفريت لو حبت».
هل الدولة المصنعة للأقمار الصناعية لديها القدرة على التجسس علينا؟
- من الممكن، فأوكرانيا كانت لديها محطة موازية لمصر متابعة «إيجبت سات»، وأعتقد أن الدولة المصنعة بالضرورة تمتلك قدرة على التجسس.
هل كرمتك مصر التكريم الكافى؟
- كلا، فأنا حينما حصلت على وسام حصلت عليه من رئيس أوكرانيا فى مجال الفضاء، وبعد إطلاق القمر فى 2007 مباشرة جاء الاحتفال بعيد العلم، وكان الأولى أن يتم تكريمنا، لكن «مبارك « كرم أساتذة كبارا جدا فى السن غير معروفين وكانت فضيحة.
هل تمت الاستعانة بك فى البرنامج بصفة رسمية أو غير رسمية بعد تركك رئاسته؟
- سافرت إلى الأرجنيتن منذ 3 أشهر لأبدى رأيى فى برنامجها الفضائى، ومصر لم تستعن بى ولا مرة بعد تركى البرنامج «مصر أبعدتنى ولم تستعن بى، وفى الجانب الرسمى لا يوجد أى تقدير لى».
ما دورك فى مجلس بحوث الفضاء بأكاديمية البحث العلمى؟
- لا نفعل شيئًا يذكر، لكننا نضع استراتيجية لبحوث الفضاء لا تنفذ.
هل نمتلك كفاءات بمجال الفضاء؟
- هناك أساتذة أفضل منى ومن فاروق الباز بكثير، لكن الظروف لم تساعدهم فى الظهور.
ما رأيك فى حال البحث العلمى فى مصر؟
- حاله ليس جيدًا، ويحتاج رؤية مختلفة، ويجب أن تهتم الدولة به بشكل أكبر.