فكر الرئيس جمال عبدالناصر بعض الوقت، ثم طلب من العقيد معمر القذافى قائد الثورة الليبية إعطاءه مهلة للتفكير فى الموضوع المفاجئ الذى تحدث فيه، حسبما يؤكد فتحى الديب فى كتابه «عبدالناصر وثورة ليبيا».. كان «القذافى» والوفد المرافق له فى اجتماعه مع عبدالناصر صباح يوم 2 ديسمبر، مثل هذا اليوم 1969، وبحضور فتحى الديب «أمين الشؤون السياسية برئاسة الجمهورية» وممثل عبدالناصر فى ليبيا منذ اندلاع ثورتها يوم 1 سبتمبر 1969.. كان الاجتماع هو الثانى فى القاهرة، وشهد يوم 1 ديسمبر الاجتماع الأول فى منزل الرئيس عبدالناصر بعد الإفطار، حيث كانت الزيارة خلال شهر رمضان.. «راجع- ذات يوم 2 ديسمبر2018».
يتذكر «الديب»، أن القذافى بدأ فى تقديم عرض شامل لوضع القوات المسلحة الليبية، مؤكدا «قصور قدرتها على مواجهة التزاماتها الدفاعية لتغطية اتساع رقعة الأرض الليبية، وافتقار ليبيا إلى عدد السكان القادر على إمداد الجيش الليبى بما يلزمه من أفراد على مستوى الضباط أو الجنود».. اختتم «العقيد» حديثه بطرح مفاجأته، قائلا: «باسم الثورة الليبية أطرح أمر توحيد القوات المسلحة فى الجمهورية العربية المتحدة «مصر» والجمهورية العربية الليبية، تأكيدا لوحدة نضال شعبيهما ضد الاستعمار، وأقترح البدء فورا فى اتخاذ الخطوات اللازمة لتحقيق هذه الوحدة فى أقرب وقت ممكن».
ينقل «الديب» رد فعل عبد الناصر قائلا: «جاء الطلب مفاجئًا للرئيس، كما فوجئت أنا أيضا به والذى لم يشر إليه العقيد معى من قبل، واستغرق الرئيس فى التفكير بعض الوقت ثم طلب من العقيد إعطاءه بعض الوقت للتفكير فى الموضوع لدراسته مع معاونيه، وسيعطيه الجواب قبل مغادرته القاهرة، وإن كان هو شخصيا مبدئيا لا يرى ما يمنع من تحويل الواقع الحالى إلى خطوة على طريق وحدة القوات المسلحة العربية».
انتقل «العقيد» بعد ذلك إلى مسألة أخرى وهى: «استعداد ليبيا لتقديم كافة إمكاناتها فى خدمة المعركة ضد إسرائيل، موضحا أن إقدامهم على شراء صفقة طائرات الميراج من فرنسا هدفه الرئيسى هو دعم قدرات القوات الجوية المصرية فى مواجهة ما تدعيه إسرائيل من تفوقها الجوى، وأنهم على استعداد أيضا لتزويد القوات المسلحة المصرية بكل احتياجاتها من الأسلحة والمعدات الحربية الفرنسية الصنع، تاركا أمر تحديد الأنواع والأعداد المطلوبة للرئيس والقيادة العسكرية المصرية».. يكشف «الديب» أن الرئيس ناقش العقيد فى التوقيتات التى عرضها الجانب الفرنسى للبدء فى تسليم الطائرات الميراج، مؤكدا له عدم توافقها مع التزامات المعركة التى أصبحت تحضيراتها تستلزم ممارسة الجانب الليبى لضغوط كبيرة للحصول على أكبر عدد من الطائرات المتعاقد عليها خلال عام 1970، وعلى أقصى تقدير يكون معظمها تم استلامه خلال عام 1971، مع استعداد مصر لتقديم كافة الأعداد المطلوبة لتشغيل هذه الطائرات، وإدخالها فى حساب المعركة من طيارين وفنيين مهما كانت الأعداد المطلوبة.
أشار الرئيس إلى أنه كلف الفريق محمد فوزى، وزير الحربية، بدراسة العروض التى سبق وتقدم بها الجانب الفرنسى، وأخبر العقيد بأنه بعد انتهاء الفريق فوزى من دراسته سيرسل بيانا بكل الاحتياجات إليه حتى يمكن التعاقد عليها، مستفيدين من الظروف المتاحة حاليا من فرنسا بتجاوبها فى هذا الاتجاه.. يؤكد «الديب» أن العقيد وعده ببذل أقصى ضغوط ممكنة على الجانب الفرنسى، لتحقيق مطلب الرئيس فى سرعة استلام ليبيا لأكبر عدد ممكن من طائرات الميراج خلال الفترة التى أشار إليها وهى منتصف عام 1971.. يضيف: «بعد أن استغرقت الجلسة ما يزيد على ثلاث ساعات تم الاتفاق على اجتماع ثالث بعد إفطار نفس اليوم «2 ديسمبر» فى منزل الرئيس، واقتصر على، عبدالناصر والقذافى والديب.
يكشف «الديب» أن الاجتماع الثالث كان له طبيعة خاصة بكيفية إدارة الدولة فى ليبيا، حيث نقص خبرة أعضاء مجلس قيادة الثورة فى تولى المهام الوزارية وأسلوب إدارتها، وصارح عبدالناصر، العقيد قائلا: «مسؤولية نجاح الثورة أو فشلها تقع على عاتقك شخصيا»، ونصحه بأن مباشرة مفاوضات جلاء القوات الأجنبية من قواعدها فى ليبيا يتطلب السيطرة تماما على الأوضاع الداخلية مع الاستمرار فى تنفيذ مخطط توفير حياة كريمة مستقرة للشعب الليبى، وعن موضوع نقص الخبرة قال الرئيس: «ليست مشكلة، نحن على استعداد للمعاونة فى هذا المجال، بإرسال بعض كبار المتخصصين بمن فيهم بعض الوزراء إذا تطلب الأمر ليقوموا مع الأخ فتحى الديب بتكوين جهاز متكامل لتقديم الخبرة للوزراء من أعضاء مجلس الثورة، وليعاونوهم فى رسم خطط وزاراتهم، ووضعها موضع التنفيذ، ويمكن تعيينهم بالتدريج كمستشارين للوزارات كل فى تخصصه».
تحول هذا الاقتراح إلى صيغة عملية فى الاجتماع الأخير يوم 3 ديسمبر، فماذا حدث فيه؟