-وسمعة البلد تتأثر من تصرفات غير مسؤولة.. ماذا نحن فاعلون؟
القضاة لابد أن ينظر إليهم على أنهم مجنى عليهم فى هذا الموضوع، فهم مجبرون بحكم القانون على نظر دعاوى ما أنزل الله بها من سلطان، وعليهم أن يفصلوا فيها فى كل درجات التقاضى، وعليهم أن ينظروا منها آلاف القضايا يوميا، ويستمعوا إلى أطرافها مهما كانت تفاهة الموضوع، ثم يفصلوا فى الأمر ويكتبوا حكمًا ويسببوه، وفى النهايه يحاسبهم المجتمع على بطء التقاضى!! هذا ليس عدلاً.
وقد أكد المستشار محمد رضا شوكت، رئيس محكمة استئناف القاهرة، أن هناك مشكلات عملية عدة تواجه القاضى الجنائى خلال الدعاوى الجنائية، يأتى على رأسها ما يتعلق ببطء التقاضى وتأثيره على الأمن القومى، ومعايير وضوابط تقدير العقوبة ما بين الحد الأدنى والأقصى.
ولأن القضاة لا يتكلمون ويترفعون عن الخوض فى أمور تركوها لغيرهم ويستمعون حتى للنقد ولا يخرج منهم تعليق واحد، كما تعلموا وتعودوا، فلذلك وجب علينا نحن أهل القانون أن نتحدث بكل صراحة ودون مجاملة.
ما الموضوع؟
الموضوع باختصار أنه يحق لأى شخص رفع جنحة مباشرة على شخص آخر، وهى شكوى تُقدم إلى النيابة العامة مباشرة لتحريك الدعوى الجنائية ضد المشكو فى حقه دون التحقيق من قبل النيابة فى الواقعة المطروحة أمامها، أى أن النيابة العامة تقوم بتحديد أقرب جلسة لنظرها، ليتولى قاض مقام النيابة العامة فى التحقيق فى الدعوى عن مدى جدية البلاغ من عدمه، ويقوم المجنى عليه بإعلان المتهم بالجنحة المباشرة والجلسة المحددة لنظرها، لكى يتمكن من الحضور وإبداء دفاعه فى الدعوى.
رسوم هذه الدعوى لا تتعدى مائة جنيه، ورقة تكتب وترفع وتأخذ رقم جنحة، وتؤشر عليها النيابة العامة بشكل ظاهرى، ثم تحدد لها جلسة ويقوم قلم المحضرين بإخطار من رُفعت عليه الجنحة بأن عليه الحضور فى محكمة الجنح، وبالتالى يصبح خبرا فى الصحف ووسائل الإعلام وكله بالقانون، والبعض أساء استعمال هذا الحق فأصحبنا نتيجة هذه الجنحة المباشره نعانى كمجتمع ولا يعانى فقط من رفعت عليه الجنحة، فهناك بعض الأخبار التى نقلتها وكالات أنباء عالمية لا يمكن أن نرضى أن تكون هى انطباع العالم عن بلادنا، ووكالات الأنباء فى نقلها لهذه الأخبار صادقة، فعندما تقول إن جنحة جنائية تُنظر فى جلسة محددة على شخص معين لأنه لم يعجبه شكل آخر فهى محقة، وأن العقوبة هى ثلاث سنوات سجنًا هو معرض لها، فأيضا الخبر صحيح.
لكن هذه الدعاوى تُرفض من اللحظة الأولى لنظرها، لرفعها من غير ذى صفة، وعدم توافر ركن الضرر الذى يبحثه القاضى كشرط لإقامة الدعوى، وهنا نكون أثقلنا على القضاة والمحاكم، وأثرنا على الرأى العام أن ينشغل بالتفاهات، وأثرنا على شكل بلادنا بأن نقلت الصحف العالمية أخبارًا بهذه التفاهة عن بلادنا، وهنا بين الحق وتنظيم الحق لابد أن يتدخل المشرع لضبط هذه الأمور مادام الضمير والحكمة والعقلانية غابت وبات حب الشهرة والشوشرة والدوشة الفارغة هى التى تشغل الناس، هل لك أن تتخيل أن قاضى الجنح ينظر ستمائة قضية فى اليوم الواحد؟
هل لك أن تتخيل أن بعض الجلسات تستمر إلى التاسعة مساء؟
هل لك أن تتخيل أن هذا القاضى هو بشر مطلوب منه أن يستمع ويكتب ويقرر فى مصائر الناس؟
هل تعلم حجم القضايا الكيدية والغيابية فى هذه القضايا؟
لا أدرى ما السبب أن نقيم دعاوى الشيكات بدون رصيد لتستهلك كل هذا الوقت؟ بالتأكيد هناك طرق أخرى أسهل، ولا أدرى ما السبب فى قضايا صحة التوقيع التى يمكن الاستغناء عنها بأى صورة من صور التوثيق.
ولا أدرى لماذا لا ننظم موضوع رد القضاة حتى يومنا هذا، ونحن نعلم أنه يتخذ ذريعة لتعطيل المحاكمات.
أرجوكم أن تعلموا أن القضاة الآن هم مجنى عليهم فى هذا الأمر، فهم وحدهم الذين يتحملون أمام المجتمع آثار بطء التقاضى، والله يعلم أنهم أكثر من يعانون من ذلك.
ولن أتحدث عن سوء استخدام حق التقاضى، فالجميع يعرف أن بيننا من التافهين الكثير، وللأسف هم منا وفينا، وكثير منهم يتسبب فى أخبار سيئة عن مجتمعنا.
وإذا ما تم اتهامك وبرأتك المحكمة من أول لحظة، فلا يكون تعويضك سهلا، ولا يمكن أن تزيل هذا الخبر من الصحف ووسائل الإعلام، أو تعيد هذه الصورة التى انطبعت فى ذاكرة العالم عن بلادنا.
والله العظيم.. تتغير الحكومات ويتغير الحكام، لن ينصلح الحال، لكن الأصل أن يتغير الشعب، ويواجه نفسه بسلبياته كى يستطيع أن يتقدم.
غير كده احنا بننافق أنفسنا، وسلملى على الأخلاق.