اهتزت بورسعيد بزلزال الانفجارات..كانت الساعة الواحدة صباح يوم 15 ديسمبر- مثل هذا اليوم- 1956، وبعد عشرة دقائق تقريبًا اختفت أصوات الانفجارات وإطلاق الرصاص، بتأكيد الدكتور يحيى الشاعر «قائد المجموعات الشعبية المقاتلة» فى كتابه «الوجه الآخر للميدالية- حرب السويس 1956 - أسرار المقاومة السرية فى بورسعيد»، مضيفًا: «خيم فجأة على المدينة سكون ثقيل مخيف، لم يبق وقت حتى تبادلته أصوات أقدام تهرول فى سكون الليل، وصريخ ونداء باللغة الإنجليزية».
اهتزت المدينة لنجاح قوات الصاعقة بالتنسيق مع «المقاومة السرية» فى عملية ضرب معسكر الدبابات البريطانى بشارع «23 يوليو» أمام «المبرة» أثناء العدوان الثلاثى «بريطانيا، فرنسا، إسرائيل» على مصر منذ 29 أكتوبر 1956، وحسب «الشاعر» فإن «الحدث وقع فى يوم من أهم أيام المقاومة السرية والشعبية، وهو مايعترف به الجنرال «ستوكويل» قائد القوات البريطانية الغازية لبورسعيد فى الوثيقة العادية رقم 102 وبرقيته التلغرافية رقم 101»، ووفقًا لعبدالفتاح أبوالفضل «قائد المقاومة فى منطقة القناة» فى كتابه «كنت نائبا لرئيس المخابرات»، فإن القرار النهائى بالعملية ووضع خطتها تم فى اجتماع حضره الرائد سمير غانم قائد العمليات الفدائية، والرائد جلال هريدى قائد قوات الصاعقة، ومصطفى كمال الصياد منسق العمليات فى المقاومة الشعبية، ووفقًا لوثيقة وقع عليها سمير غانم بتاريخ 8 مارس 1997، ومنشورة فى كتاب «الوجه الآخر للميدالية» فإن يحيى الشاعر حضر الاجتماع للتنسيق بين قواتى الصاعقة والمقاومة، ويؤكد الشاعر: «تم وضع كلمة السر للعملية ولم تستدع الكثير من التفكير.. اخترنا اسم الرئيس جمال عبدالناصر تيمنا بالخير، وأردنا أن يكون الاسم امتدادا لتاريخ متواصل فى مقاومة العدوان.. هكذا اخترنا كلمة «جمال» كلمة سر».
يكشف «أبوالفضل» أن الخطة قضت بقيام قوات الصاعقة بقيادة الملازم حسين مختار بمهاجمة المعسكر، وتتولى المقاومة تأمين انسحابها، ويكشف كتاب «الأطلس التاريخى لبطولات شعب بورسعيد 1956» إعداد ضياء الدين حسن القاضى أسماء مجموعة الصاعقة، وهم الرائد جلال هريدى، وملازم إبراهيم الرفاعى، نبيل الوقاد، حسين مختار، أحمد الطاهر، محمد أحمد الجيار، محمد أحمد وهبى، عبدالعزيز منتصر، أحمد عبدالله إسماعيل، طاهر الاسم، فاروق الأسمر، مدحت الردينى، سيد حطبة، صبرى شلبى، عصام إبراهيم، محمود عادل أحمد، عبدالمجيد إدريس، مازن مشرف، ومن ضباط القوات المسلحة، الرائد صلاح زعزوع، محمد أبونار، نعمان رجب، ملازم منير موافى، محمد فرج.
ووفقًا للشاعر، تكونت مجموعة المقاومة الشعبية السرية من: على الأشكر بالى، محمود الأبيارى، ثابت متولى عوض، عبدالرحيم السيد، كامل فتيح وعلى حمزة، السيد صبحى الكومى، محمد تعلب، عبدالرحمن محمود، محمد وفا، حسن الصاوى، جورج قسطنطين، الباملاكسوس «يونانى»، عبدالمنعم الشاعر، محمود الدمرداش، علاوة على السيد البوص الذى كان معروفا عنه مهارة بارعة فى إلقاء القنابل اليدوية على هدفها بشكل دقيق».
يؤكد «أبوالفضل» أنه فى المساء احتلت أطقم الفدائيين مواقعها المختارة بدقة، وكان المعسكر به سبع عشرة دبابة، وعربات مدرعة بريطانية، وتقوم على حراسته نقط بريطانية مسلحة، وكان مبنى السجن قريبًا من المعسكر، وقام الرائد سامى خضير بمهمة تسجيل مجموعة الصاعقة التى ستهاجم فى دفتر المساجين، كان سامى ضابط اتصال مع المقاومة مسؤول عن أجهزة الشرطة المحلية، وفى نفس الوقت كان السجن يقع ضم مهامه الأمنية الرسمية، ولهذا بدا تصرفه طبيعيًا.. تضمنت الخطة أن يتم إطلاق سراح رجال الصاعقة من السجن بعد موعد منع التجول، وكان الطريق المؤدى إلى الموقع المستهدف يصعب سير العربات فيه نظرًا لكثرة أنقاض المنازل المهدمة، لذلك تم اختياره ليكون طريق تقدم وانسحاب المهاجمين.
نجحت العملية فى تدمير أربع دبابات والعربات المدرعة، وأصيب معظم أفراد الحراسة البريطانية، حسب تأكيد «أبوالفضل»، مضيفًا: «فور إتمام العملية انسحبت قوات الصاعقة مستخدمة الطريق المهدم حسب الخطة الموضوعة التى قدرت أن القوات البريطانية من الصعب عليها استخدامه، وكان من المقرر أن يعودوا إلى السجن للبقاء فيه حتى الصباح كمساجين مسجلين بالفعل، لكن الدوريات البريطانية قامت بالتجول لقطع خط الرجعة، فاشتبكت معهم قوات المقاومة الشعبية حسب الخطة لتعيق تقدم الدوريات التى تطارد أفراد الصاعقة، وحدثت بعض الخسائر فى الأفراد».
اختفى أفراد المقاومة فى منازل المنطقة، وفقًا للخطة طبقًا لتأكيد «الشاعر» الذى يروى قصة عودته إلى منزله، مشيرًا إلى أنه اختبأ ومعه سلاحه بندقية روسية أوتوماتكية فى منزل مواطن مسيحى صعيدى كان يعيش وحيدًا فى شقته، ووجهه يشبه وجه جمال عبدالناصر.. وفى الصباح خرج وخبأ البندقية فى ساقه، ومثل دور المشلول فى سيره، وصمم الرجل على السير معه، وأخذه من تحت باطئ ذراعه الأيمن ليساعده فى السير، مما أعطى للمشاهدين الانطباع الحقيقى بأنه مشلول فى رجله اليسرى، يتذكر الشاعر: «ماكدت أطرق باب منزلنا بالطريقة المتفق عليها، حتى فتحت لى والدتى، أخذتنى فى أحضانها، وقالت: «حمد الله على سلامتك.. إن شاء الله يكون هادى وعبدالمنعم بخير كمان».