شهدت الفترة التى أعقبت ثورة 25 يناير، حالة من الارتباك والتخبط والتغيير المستمر فى محتوى المناهج الدراسية خاصة ما يتعلق منها بمناهج الدراسات الاجتماعية والتربية الوطنية لطلاب الثانوية، نظرا للحالة السياسية التى شهدتها البلاد، حيث فرضت أزمة تطوير وتنقيح المناهج نفسها على الكتب الدراسية.
سياسة الوزارة فى تغيير المناهج..
الأزمة الحقيقة الموجودة بالمناهج والتى انعكس أثرها على الطالب وولى أمره، تمثلت فى اتباع وزارة التربية والتعليم ما يعرف بنظام "الترقيع" وهو عبارة عن حذف بعض الأجزاء وإضافة البعض الأخر، دون الالتزام بمعايير التطوير الحقيقة التى تتضمنها مصفوفة المدى والتتابع، حيث شهد العام الدراسى 2014 أخطاء جسيمة فى التواريخ التى تضمنتها بعض كتب الجغرافيا والتاريخ وتم مراجعتها مرة أخرى.
منذ ثورة يناير وحتى الآن تسببت الأخطاء والكوارث التى احتوت عليها المناهج الدراسية فى حالة من الجدل والسخرية، فبعد أحداث الثورة لجأت الوزارة إلى إضافتها إلى المناهج، رغم أن ذلك مخالف للعرف والذى يتطلب مرور قرابة 30 عام حتى يتم كتابة وتأريخ الأحداث.
وقررت الوزارة، إضافة أسباب ثورة 25 يناير فى كتاب التاريخ للثانوية العامة فذكرت من بينها تزوير انتخابات مجلس الشعب عام 2010، وتدهور الأحوال الاقتصادية والاجتماعية آنذاك، بالإضافة إلى كبح جماح الشعب وعدم السماح له بممارسة حريته والتعبير عن رأيه بكل صراحة، وأيضا زيادة نسبة الفقر والأمية وعدم وجود فرص عمل، مما أدى إلى ارتفاع نسبة البطالة لدى الشباب المصرى، فى الوقت الذى كان يعانى فيه الشعب من ارتفاع شديد فى أسعار السلع وتفشى الفساد الإدارى من محسوبية ووساطة وانتشار الرشوة فى المصالح الحكومية وكذلك الفساد السياسى.
وذكرت الوزارة فى منهج التاريخ للثانوية العامة، أنه بعد تسارع الأحداث أعلن نائب الرئيس عمر سليمان تنحى مبارك عن الحكم، ثم أعلن المجلس العسكرى برئاسة المشير محمد حسين طنطاوى أنه يحمى الثورة وبادر بحل مجلسى الشعب والشورى، وتم تكليف الفريق أحمد شفيق رئيسا للوزراء وكان أحد الوزرء فى حكومة نظيف وقام بتشكيها من رجال لجنة السياسات التى كان يترأسها صفوت الشريف ويتولى أمانتها جمال مبارك، ثم ترك شفيق الحكومة وتولى رئاستها الدكتور عصام شرف وسرعان ما تركها وتم تشيكل حكومة برئاسة الدكتور كمال الجنزورى وهو أحد وزراء حكومة مبارك قبل ذلك.
وأشار المنهج إلى نقطة فى غاية الخطورة، تمثلت فى أنه تم تقديم مبارك ونجليه ورجاله إلى المحاكمة بتهمة الفساد والرشوة واستغلال النفوذ وتسهيل الاستيلاء على المال العام وقتل المتظاهرين، وخاصة بعد أن حصل مبارك ونجليه على براءة فى العديد من القضايا وأيضا براءة كثير من رجاله من التهم المنسوبة إليهم، الأمر الذى يتطلب تغيير هذه المعلومات فورعدم إدانته.
المناهج أثناء حكم الإخوان..
بعد وصول جماعة الإخوان إلى الحكم، قررت الوزارة أيضا وجماعة الإخوان تغيير المناهج، حيث تم تغيير غلاف كتاب التربية الوطنية وحاولت الجماعة وضع قيادتها فى بعض المناهج وأخونتها مثلما فعلت فى بعض مؤسسات الدولة ولجأت أيضا خلال تلك الفترة إلى حذف اسم الرئيس مبارك من حرب كتوبر، وإلغاء الدرس الأول من مادة "التربية الوطنية" للصف الأول الثانوى، حيث تعمد المؤلف استبدال كلمة "المجتمع" "بالجماعة"، كما احتوى الدرس آنذاك على اقتباس بعض العبارات المتداولة من اللوائح الداخلية لبعض الجماعات الدينية المحظورة، منها "المنتسب إلى جماعة عليه حق الولاء لها والتضحية من أجلها مهما كلفه الأمر"، وحذف جزء كبير من الموضوعات المتعلقة بمبارك وزوجته.
ويقول الدكتور جمال شقرة أستاذ التاريخ وأحد أعضاء لجنة مراجعة الكتب، إن جماعة الإخوان المسلمين حاولت خلال فترة حكمها للبلاد التغيير فى مناهج التاريخ وإدخال بعض المفاهيم والشخصيات مثل مؤسس الجماعة حسن البنا ولكنها فشلت فى ذلك، مؤكدا أت تطوير المناهج بدأ قبل الثورة ومستمر حتى هذه اللحظة، لكون الوزارة دائما ما تتلقى من أولياء الأمور والطلاب والمعلمين بعض الأشياء التى تحتاج إلى تنقيح، موضحا أن المثير للغط والقلق والتوتر الأجزاء الخاصة بالتاريخ المعاصر، لكونه تاريخ يفتقد إلى الكثير من الوثائق التى يجب الرجوع إليها عن الكتابة، قائلا: هناك بعض القضايا الخاصة بثورتى 23 يوليو و19 ما زالت معلقة لم يكتب فيها لكون الوثائق الخاصة بها غير موجودة وتثير الاشكاليات.
وأوضح شقرة فى تصريح خاص لـ" انفراد"، أنه يفترض ألا يتم كتابة التاريخ الحالى وخاصة ثورتى 25 يناير و30 يونيو لكون الأحداث ما زالت ساخنة، وإضافتها للمناهج مجرد كتابة سياسية يتم سرد الحقائق المجردة ولا يتم تفسيرها لكونها حقائق غير مفسرة والأمر يحتاج إلى وثيقة.
لم تكتفى وزارة التربية والتعليم بهذا التغيير، بل عادة مرة أخرى عقب عزل محمد مرسى لتعيد كتابة المناهج لتواكب المرحلة السياسية الجديدة من تاريخ البلاد، موضحا أن فترة حكمه استمرت لمدة عام ولكنه أخفق خلاله فى تحقيق مطالب وآمال وطموحات الثورة، فثار الشعب المصرى للمرة الثانية فكانت ثورة 30 يونيو 2013 وتم عزل رئيس الجمهورية وحل مجلسى الشعب والشورى وإعلان خارطة وتم إجراء انتخابات رئاسية جديدة أسفرت عن تولى "عبد الفتاح سعيد السيسى" منصب رئيس الجمهورية فى يونيو 2014.
وأثار قرار وزارة التربية والتعليم العام الماضى بحذف أجزاء من قصتة عقبة بن نافع وصلاح الدين أزمة كبيرة حيث وصفه البعض، بأنه اعتداء على التاريخ، ومسح للهوية ورضوخ للأعداء، ومؤخرا أثارت واقعة حذف الدكتور محمد البرادعى من منهج الصف الخامس الابتدائى كأحد الحاصلين على جائزة نوبل ازمة وضجة كبيرة خاصة بعد تنصل الوزارة من الواقعة.
وفى سياق متصل كشف مصدر مسئول بالوزارة، أنه منذ ثورة 25 يناير وحتى العام الدراسى 2014،2015، تم تعديل وتنقيح الكثير من المناهج إن لم يكن جميعها، مؤكدا أنه تم تأليف العشرات من الكتب والمناهج الدراسية على رأسها الرياضيات للثالث الابتدائى والتربية الوطنية للأول الثانوى والثانى الثانوى إضافة إلى سلسلة مناهج لغات، والجغرافيا للثانوية العامة والفلسفة وبعض الكتب الأخرى، مشيرا إلى أن المراجعة والتنقيح وإزالة الحشو والتكرار مستمر، قائلا: كل عام دراسى يتم تشكيل لجنة لمراجعة مناهج الترمين الدراسيين، موضحا تم مراجعة المناهج من بعد الثورة وحتى الآن ما يقرب من 10 مرات، موضحا أنه من المفترض أن يتم فقط تعديل بإضافة أو حذف بعض العبارات كل 5 سنوات طبقا لوثقية المناهج ولا تختلف باختلاف الظروف الراهنه التى تمر بها البلاد.
وأوضح أن المناهج الدراسية ما زالت كما هى مليئة بالحشو التكرار كما أن الطالب يلجأ إلى الاستعانة بالكتب والمناهج الخارجية.