"المجلس الملى للأقباط"..من "إدارة مؤسسات الكنيسة" إلى "نادى الوجاهة الاجتماعية".. قرارات التأميم سحبت اختصاصاته فى الستينات فصار ملتقى للنبلاء الأقباط ..والبابا تواضروس يـأمر بتحويله لهيئة استشارية لتبادل الخبرات
ألحق البابا تواضروس الثانى "المجلس الملى العام للأقباط" الأرثوذكس بأجندته الإصلاحية حيث انضم المجلس المجمد منذ عام 2011، إلى قائمة أمنيات البابا وأعلن أكثر من مرة تحويله إلى مجلس استشارى قبطى يضم عدد من الأعضاء فى مختلف التخصصات تستفيد منه الكنيسة فى قضاياها المختلفة كبيت خبرة يجدد العلاقة بين رجال الدين "الإكليروس" و"العلمانيين" (غير رجال الدين) فى المؤسسة الكنسية.
ما هى قصة المجلس الملى الذى أراد البابا تواضروس إصلاحه؟
فى القرن التاسع عشر ، كان بطرس باشا غالى في ذلك الوقت هو أبرز أبناء الكنيسة القبطية فى مصر، إذ كان وكيلاً لأحدى الوزارات، كما كان على صلة طيبة بالخديوي إسماعيل ورجال حاشيته، وتبنى بطرس غالى باشا فكرة المجلس الملى، واستصدر بالفعل أمراً عالياً من الخديوي إسماعيل بتشكيل أول مجلس ملى للأقباط وكان ذلك في فبراير 1874 م، وكلف المجلس بتحديد اختصاصاته بنفسه ووضع لائحته الداخلية، وذلك وفقًا لتاريخ المجلس الملى المدون فى المراجع التاريخية والكنسية، أبرزها موقع "تكلا هيومنت" المتخصص فى التاريخ القبطى، حيث أصبح اختيار أعضاء المجلس بنظام الانتخاب ممن لهم حق التصويت من بين أبناء الكنيسة.
ومنذ بداية تأسيسه فى تلك الفترة ضم المجلس أصحاب الألقاب من باشاوات وبهوات الأقباط، وتعاقب على وكالته بطرس باشا غالى، وحبيب بك المصري والد المؤرخة القبطية إيريس حبيب المصري، والدكتور إبراهيم فهمي المنياوي باشا، على أن يرأس المجلس البابا البطريرك بصفته، ويختص المجلس بالنواحى الإدارية وغير الدينية فى الكنيسة التى كانت تمتلك مدارس ومستشفيات ومؤسسات خدمية في ذلك الوقت أبرزها مدارس تحمل اسم "مدرسة الأقباط" وهى موجودة باسمها فى عدة محافظات حتى اليوم بينها المنيا وأسيوط والأقصر والقاهرة، وكذلك مستشفيات من بينها المستشفى القبطي بالعباسية ودار الشفاء بالعباسية أيضًا.
كيف عصفت القرارات الاشتراكية باختصاصات المجلس الملى؟
يوم 20 يوليو 1961 صدرت قرارات تأميم نحو 800 شركة مصرية كانت مملوكة لأفراد وانتقلت تبعيتها للدولة المصرية التى تبنت التوجه الاشتراكى، وكان من بين ما تم تأميمه مدارس الأقباط التى ألحقت بوزارة التعليم المصرية ومازالت تحت إشرافها حتى اليوم، بينما خضعت المستشفيات لإشراف وزارة الصحة، ومن ثم غدا المجلس الملى بلا اختصاصات تقريبًا فيما عدا بعض القضايا غير الكنسية التى كان ينظرها من وقت لأخر.
مذكرة "ناروز" وكيل المجلس الملى التى أغضبت السادات
فى مطلع الثمانينات من القرن الماضى، حيث اشتدت شوكة الجماعات الإسلامية وظهر الخلاف بين الرئيس السادات والبابا شنودة الثالث، برز اسم المحامى "حنا ناروز" وكيل المجلس الملى للأقباط آنذاك وعضو مجلس الشعب، حيث تقدم بمذكرة يبرر فيها امتناع الكنيسة عن استقبال المسئولين الرسميين في عيد القيامة في الكنائس، وقد كانت تلك الحادثة ضمن سلسلة إجراءات احتجاجية اتخذها البابا شنودة ضد الرئيس فى أعقاب حادثتى الخانكة والزاوية الحمراء نهاية السبعينات.
مذكرة "ناروز" أكدت أن الأقباط ليسوا من مثيرى الشغب، وأن الإجراءات التى اتخذتها الكنيسة، لم يكن المقصود منها «أي إحراج أو ضغط أو إثارة أو ضغط، بل على العكس كان القصد منها هو سرعة تحرك المسئولين لوأد الفتنة»، مشيرة إلى بعض الإجراءات التى رأى فيها الأقباط تحيزًا ضدهم فى المجال العام بعد سيطرة الإسلاميين، وبعد تلك المذكرة بعدة شهور تم وضع البابا شنودة قيد الإقامة الجبرية ضمن اعتقالات سبتمبر 1981، وذلك وفقا لما يذكره موقع "المؤرخ القبطى"
فى عصر مبارك.. المجلس الملى "نادى وجهاء الكنيسة"
أما فى عصر الرئيس مبارك الذى بدأ بتغيير العلاقة مع الكنيسة وإطلاق سراح البابا شنودة الذى كان يقضى فترة تحديد إقامته فى دير الأنبا بيشوى بوادى النطرون، تغير شكل المجلس الملى وتبدلت علاقته بالدولة، بل صار ربما المصدر الأهم لاختيار نواب مجلسى الشعب والشورى من الأقباط المعينين بقرارات رئاسية باعتبار هؤلاء يحظون بقبول الشارع القبطى والكنيسة معًا، حيث كان من أشهرهم دكتور ثروت باسيلى وكيل المجلس الحالى الذى توفى العام الماضى وقد كان يتمتع بشعبية هائلة نظرًا لكثرة مساهماته فى العمل الخيرى والمجتمعى.
إلى جانب "العلمانيين" ، ضم المجلس الملى فى عضويته بعض رجال الدين على غير العادة حيث مازال القمص بطرس بطرس وكيل إبراشية دمياط ومنسق بيت العائلة المصرية عضوا فى المجلس المنتهية ولايته عام 2011، والقمص صليب متى ساويرس كاهن كنيسة مارجرجس بشبرا الذى يدير أيضا جمعية للعمل المجتمعى فى شبرا.
ثورة يناير تجمد المجلس الملي وتغير حال الكنيسة
انتهت ولاية المجلس الملى عام 2011، الذى شهد قيام ثورة الـ25 من يناير، ودخول البلاد بعدها فى مرحلة انتقالية لم تمنح الكنيسة الفرصة لإعادة انتخاب المجلس حيث يستلزم إجراء الانتخابات موافقة وزير الداخلية، ثم رحل البابا شنودة الثالث فى العام التالى مباشرة، ومرت الكنيسة بمرحلة انتقالية بالتوازى مع تلك التى شهدتها الدولة حتى جاء البابا تواضروس لسدة كرسى مارمرقس فى نوفمبر 2012، ودخلت معه الكنيسة عصرا جديدًا.
البابا تواضروس.. اختصاصات جديدة للمجلس الملى وتغيير اسمه
أعلن البابا تواضروس عدة مرات، تغيير اسم المجلس الملى للأقباط بعدما رأى أن تلك التسمية المتوارثة لا تناسب اختصاصات المجلس الحالية ولا مقتضيات العصر، وكلف المستشار منصف سليمان المستشار القانونى للكنيسة وأحد أعضاء المجلس السابق بإعداد مشروع قانون ولائحة داخلية للمجلس الاستشارى القبطى وهو الاسم الجديد المقترح للمجلس الملى ليصبح كبيت خبرة تستفيد منه الكنيسة فى كافة الشئون الحياتية البعيدة عن الأمور الدينية، وقد تلقى البابا اقتراحات من جهات متعددة لآلية عمل المجلس المرتقب وطريقة تشكيله كان أبرزها من بعض شباب المثقفين الأقباط الذين توسم فيهم البابا تواضروس قدرة على فهم مجريات العصر ومعطيات اللحظة الراهنة ولكن لائحة المجلس لم تصدر حتى اليوم، ومازالت على أجندة البابا تواضروس للإصلاح الإدارى
وقال المستشار منصف نجيب سليمان، مستشار الكنيسة القانونى، وعضو المجلس الملى المنتهية ولايته إنه انتهى واللجنة القانونية من إعداد لائحة جديدة للمجلس الملى للكنيسة القبطية، ليصبح المجلس بموجبها هيئة استشارية للكنيسة تضم فى عضويتها أقباطا من مختلف التخصصات الحياتية المختلفة تلجأ إليها الكنيسة عند الحاجة.
وأكد سليمان، فى تصريحات خاصة لـ "انفراد"، أن اللائحة على مكتب قداسة البابا تواضروس الثانى وتنتظر اعتماد المجمع المقدس لها شأنها فى ذلك شأن كافة القضايا الكنسية الكبرى.