توفى أربعة من زعماء الثورة العرابية فى منفاهم بسيلان والسودان ودفنوا فيها، وتوفى خطيبها «عبدالله نديم» فى تركيا ودفن فيها، وامتد الظلم التاريخى الذى وقع على هذه الثورة وقادتها إلى عدم إعادة رفاتهم إلى مصر، حتى شهد يوم 19 يناير- مثل هذا اليوم- أول كلام رسمى حول هذه القضية.
يذكر الكاتب الصحفى صبرى أبوالمجد، فى كتابه «سنوات ما قبل الثورة»، أنه بعد قيام ثورة 23 يوليو 1952، آمن بضرورة رد اعتبار الثورة العرابية وزعمائها، وكتب مقالات، كان أولها الدعوة إلى رد أملاك العرابيين التى صُدرت عقب هزيمة الثورة، واستجابت وزارة المالية، وصرفت بعض التعويضات إلى أسرة أحمد عرابى، ويضيف: «حملت على كتفى عبء إعادة رفات أربعة من زعماء الثورة ماتوا فى منفاهم فى سيلان«سريلانكا» و«السودان».
والمنفيون إلى سيلان كانوا سبعة هم، أحمد عرابى، عبدالعال حلمى، طلبة عصمت، محمود سامى البارودى، محمود فهمى، يعقوب سامى، على فهمى، وتحركت بهم سفينة المنفى من السويس يوم 27 ديسمبر 1882، وحسب الدكتورة لطيفة سالم فى كتابها «عرابى ورفاقه فى جنة آدم»: «فى 19 مارس 1891 توفى عبدالعال حلمى نتيجة إصابته بحساسية فى صدره، ودفن فى كولمبو»، ويصف عرابى جنازته فى مذكراته: «حلقت فوقها أسراب من الطير مما أخذ العجب بالناس لهذه الظاهرة الغريبة»، وتكشف سالم: «ساءت حالة عرابى ورفاقه بوفاة محمود فهمى فى 17 يونيو 1894، وجاء التقرير الطبى أنه أصيب بشلل فى جنبه الأيسر وثقل لسانه، وجرت معالجته فتحسن، لكن استمرت ذراعه مشلولة، ثم توجه إلى كاندى ومكث بها أربعة أيام، عاد بعدها لبيته فى كولامبور وزاره الطبيب، وبعدها انتقل إلى كاندى مرة أخرى حيث استضافه ابن عرابى، ولم يمض وقت طويل حتى لقى ربه».. تضيف سالم: «فى 30 أكتوبر 1899توفى يعقوب سامى نتيجة انهيار عصبى وضعف عام وشلل فى نصفه الأعلى».
دفن الثلاثة فى سيلان بأمراض الجسد والنفس والغربة، وفى السودان كانت دراما موت «على باشا الروبى»، ووفقًا لعبدالرحمن الرافعى فى كتابه «الثورة العرابية والاحتلال الإنجليزى»: «كان «الروبى» قائد الجيش فى موقعة التل الكبير، وأجاب بشجاعة وصراحة على ماوجه إليه من التهم، وحكم عليه بالنفى عشرين سنة فى مصوع، فلم يمض فيها عامين حتى اعتلت صحته وضعف بصره، ثم نقل إلى سواكن، وأثرت عليه حرارة الطقس فأردت بصره، وتوفى ودفن فيها يوم 19 سبتمبر 1891، ولايزال قبره هناك».. وفى 10 أكتوبر 1869 توفى عبدالله نديم وعمره 54 عاما فى منفاه بتركيا قبل أن تتحقق أمنيته بلقاء أمه، ودفن فى مقبرة «يحيى أفندى فى باشكطاس».
يكشف «أبوالمجد»، أنه لما حمل على أكتافه قضية إعادة رفات هؤلاء، اتصل بأحفاد وأبناء زعماء الثورة، فأمدوه بأوراق مهمة خلفها هؤلاء الزعماء، ومنهم أحفاد عبدالعال حلمى، والسيدة يوسفية فهمى حفيدة على فهمى، ومن معلوماتها أن جدها على فهمى من أسرة مصرية صميمة، فهو فلاح من سلالة فلاحين، ولد فى «صفط جدام» مركز «تلا» منوفية، وتعلم بالقرية، ثم التحق بالجيش فى عهد سعيد باشا الذى قربه إليه ورقاه ثم اتخذه «ياور» له، ولما وقعت الحرب الروسية التركية أرسله الخديو إسماعيل ضمن حملته لمساعدة الدولة العلية، وأظهر جرأة بهرت أنظار القادة الأتراك، وصارت مضرب الأمثال بينهم وأطلقوا عليه «الذئب المصرى».. يؤكد أبوالمجد: «مات فى 22 نوفمبر 1911 بمنزل متواضع بالدرب الجديد، بعد أن صادرت الحكومة أمواله والسراى المملوكة، وجعلتها سكنًا لكتشنر باشا سردار الجيش المصرى».
يذكر «أبوالمجد» أنه كتب فى 11 نوفمبر 1966 فى «المصور» بعنوان «أطول رحلة نفى فى التاريخ.. متى يعود الزعماء الغرباء الأربعة؟».. وفى المصور أيضًا كتب يوم 17 سبتمبر 1971 بعنوان «90 عاما والثورة العرابية لاتزال مظلومة: أعيدوا رفات أبطال الثورة».. ويكشف أنه رفع مذكرة إلى الحكومة بمطلبه، ويؤكد: «تلقيت فى يوم 19 يناير- مثل هذا اليوم- 1975 رسالة من الدكتور يحيى الجمل وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء يقول فيها: «إشارة إلى المذكرة الخاصة برد اعتبار أبطال الثورة العرابية وإعادة رفات أربعة من قادتها توفاهم الله فى المنفى يسرنى الإحاطة بموافقة السيد رئيس الجمهورية، ويجرى الآن اتخاذ الإجراءات اللازمة فى هذا الشأن».
فى 15 مارس 1975، تلقى أبوالمجد رسالة جديدة من «الجمل»، يقول فيها: «إلحاقا بالكتاب المؤرخ فى 19 يناير 1975 بشأن رد اعتبار أبطال الثورة العرابية، وإعادة رفات أربعة من قادتها، أرجو التكرم بموافاتنا بمذكرة وافية عن الموضوع لإمكان التصرف على ضوء ما تضمنته من وقائع ومعلومات».. يؤكد أبوالمجد أنه رد بمذكرة تفصيلية اقترح فيها الاتصال بحكومات سريلانكا، لإعادة رفات عبدالعال حلمى ويعقوب سامى ومحمود فهمى، والاتصال بالسودان لإعادة رفات على الروبى، والاتصال بتركيا لإعادة رفات عبدالله نديم.
ومضت الأيام ولا جديد فى هذه القضية.