سرد الإعلامى مفيد فوزى بعض حكاياته مع الأستاذ محمد حسنين هيكل قائلا "حكايتى مع هيكل تبدأ من سور الأزبكية، حيث اشتريت كتابا بقروش قليلة من هناك اسمه (إيران فوق بركان)، وكنت وقتها أستعد لدخول الجامعة وقرأته فى ليلة واحدة ثم قرأته مرة أخرى".
وأضاف "فوزى"، خلال حفل توقيع كتابه "إبحار فى عقل وقلب محمد حسنين هيكل" أنه بعد مرور ٤٠ يوما على وفاته كان يترك محاضرات الكلية ويذهب إلى دار أخبار اليوم حتى يقرأ ما كان يكتبه الأستاذ هيكل حين كان محررا للحوادث، فكان يكتب الأخبار بأسلوب غير مسبوق فى الصحافة المصرية، فكان يكتب الجريمة وكأنها مسرحية .
وتابع مفيد أن انبهاره بهيكل وصل إلى أنه حضر استقباله وهو قادم من كوريا منذ ٢٨ عاما، حين كان رئيس تحرير "آخر ساعة"، قائلا: "وقفت على الباب وسط العظماء مصطفى وعلى أمين ومحمد زكى عبد القادر، وموسى صبرى وجلال الدين الحمامصى، وكنت طالبا ولم يكن أحد يحس بى ولا أحد سألنى من أنا، ثم صعد هيكل إلى مكتبه فى الدور الأول ولحقت به فى مكتبه فأدهشه جدا من تصرفى، وسألنى من أنا؟ قلت له أتدرب هنا، ثم قال لى ماذا تعرف عنى؟ فقلت له بعضا مما يكتبه وكأنى حافظه صم" .
وتابع "فوزى": "بعدما سعد هيكل بتكرارى كتابته عن ظهر قلب قالى لى أين تدرس؟ فقلت له أنا أستعد لدخول الجامعة، فقال لى ماذا تشرب؟، فشعرت أنى شاب من محافظة سوهاج يرى لأول مرة سعاد حسنى، مبهور ومفتون بشخص هيكل"، مشيرا إلى أنه جلس فى مكتبه ربع ساعة ثم بدأ يتوافد عليه الأساتذة. وأوضح الإعلامى أنه يرى نموذج الصحفى الأمثل فى شخص محمد حسنين هيكل، وأن اقتحامه لمكتب هيكل كان بسبب شغفه به وبأسلوبه.
وقال مفيد فوزى: "حين عملت بجريدة روزاليوسف، ظللت مفتونا بشىء اسمه (بصراحة) الذى كان يكتبه الأستاذ فى جريدة الأهرام كل جمعة، وكنت أراها كف الدولة الذى نقرأه ونعرف منه ماذا يدور فى ذهن عبد الناصر" .
وتابع "مفيد": "حين عملت بمجلة صباح الخير مع أحمد بهاء الدين من العدد الخامس كنت سعيدا بكتابتى للعمود الأول، ولكن أحمد بهاء الدين قال لى (لا تقلد هيكل، فإنه واحد فقط فى مصر)، فكنت أشعر بالحزن حين كنت أمحى ما كتبته فى أكثر من ٦ ساعات حتى أبهر أحمد بهاء الدين، وقالى لى الموضوع يبدأ من هذا السطر".
وأشار "فوزى" إلى أنه من أول الأشخاص الذين ذهبوا له حين خرج من السجن، وأجرى معه حوارا وكان أول حوار صحفى يجريه هيكل بعد خروجه من المعتقل .
وحكى مفيد فوزى أنه ذات صباح ذهب إلى محمد حسنين هيكل ليطلب منه حوارا إنسانيا، وقال له الأستاذ "هتسألنى عن أهلى وأولادى؟" فقلت له نعم، ولن أسالك سؤالا سياسيا.
وأوضح مفيد أنه أجرى الحوار الصحفى مع هيكل فى فترة طويلة ليبدأ فى مكتبه بالجيزة مسكنه الذى أحرقه الإخوان ثم الرواد بالساحل الشمالى ثم لندن، مضيفا: "ثم سألنى أين ستنشر هذا الحوار فقلت له أين تحب؟، فقال لى إذا كنت ما زلت رئيس تحرير صباح الخير إلا أنى أريدك أن تنشره فى لدى الأستاذة هناء البيسى رئيسة تحرير أم الدنيا، وبالفعل نشرنا الحوار على مقالات لمدة ١٦ أسبوعا".
وأشار "فوزى" إلى أن الأستاذ كان له بعض الأسئلة على المقالات، ومن ضمن المقالات التى كان له ملاحظات عليها مقال يخص على ومصطفى أمين .وتابع فوزى: "حين مرض بمياه على الرئة تبنانى هيكل وهو من اختار لى مكان المستشفى التى عولجت فيها باختياره مدينة برجزون بجوار باريس، لتكون خيمة أكسجين لأن مرضى كان يحتاج إلى كم هائل الهواء". وأوضح المحاور خلال زيارته للأستاذ هو مريض أنه رَآه بكل قوة وكبرياء رغم مرضه الشديد.
ومن ناحيته قال الدكتور مصطفى الفقى: "إن الأستاذ هيكل بالنسبة لجيلنا هو الإطلالة الديمقراطية الوحيدة التى يرى منها المصريون كل أسبوع ماذا يدور فى البلاد، حيث إنه كان حينها تنظيم سياسى واحد وحاكم له كاريزما وشعبية متعلقة به، وبالأمل والحلم سنوات المد القومى، حيث كنت نتصور أننا نمضى على الطريق الصحيح".
وأشار الفقى إلى أن "أنيس منصور لم يكن يحب هيكل بسبب اختلاف المدارس الثقافية، فكان أنيس يقول لى إن عبد الناصر ظاهرة هيكلية ولكن كانوا يعيشون الحياة فى ندية.
وأوضح المفكر السياسى: "تصورنا بموت عبد الناصر أنه سيختفى هيكل ولكن ظل هيكل فى إصدار كتبه دون انقطاع، وظل حتى اللحظة الأخير فى حياته يتحدث ويكتب" .
وأشار الفقى إلى أن فى عيد ميلاد الفقى الـ٧٠ هاتفه الأستاذ وقال له عمرك ٧٠ ولكنك تكتب كأنك فى ٩٠ وتعمل كأنك فى الـ٥٠، فكان هيكل يتميز بروح المداعبة" .
وقال الدكتور مصطفى الفقى: "حين كان أولاده يريدون أن يجلبوا له أدوية جديدة كان يقول لهم (لا تعادون الطبيعة، هذه المرة هو الانصراف الحقيقى)".
وأشار الفقى إلى حوار دار بينه وبين "الأستاذ" حيث قال له هيكل: "ما رأيك ما هو أحسن كتاب لى؟، فقلت لا أستطيع أن أقول لك أحسن كتاب، ولكن أسوأ كتاب هو خريف الغضب، لأنه لو رحل السادات وأنت على علاقة طيبة به لكان ربيع الحب" .
وأوضح المفكر السياسى أن كتاب "خريف الغضب" يقطن شخصانية وتندر على والدة السادات ولكن تجربة الاعتقال هى ما جعلته يكتب الكتاب، وتابع أستاذ العلوم السياسية أنه لم يكن أحد يتحمل "هيكل" بعد جمال عبد الناصر .
وأنهى السياسى مصطفى الفقى كلامه قائلا: "لم يعد لدينا حالة الاهتمام بالحوار الفكرى الثقافى ولا الانفتاح على العالم"، وتابع قائلا "القوالب نامت والانصاص قامت".