هزت التفجيرات الإرهابية الأخيرة التى ضربت العاصمة البلجيكية بروكسل، منذ ما يقرب من أسبوع، قلب القارة العجوز نتيجة الاستهداف المباشر لعناصر القارة الأوروبية التى يلجأ إليها عدد كبير من اللاجئين والعناصر المتطرفة التى تندس بين المواطن الفار من الإرهاب فى سوريا والعراق.
وعقب وقوع التفجيرات تقدم وزيرا الداخلية والعدل فى بلجيكا باستقالتهما من منصبهما وهو ما قوّبل بالرفض من رئيس الوزراء، فالمتابع للمشهد فى القارة الأوروبية ولاسيما بلجيكا سيجد أن ما حدث فى بروكسل يأتى امتدادا لانتشار التنظيمات الإرهابية المتطرفة التى تقطن فى البلاد منذ عدة سنوات، إضافة للتفكك فى المؤسسات الحكومية وضعف المؤسسات الأمنية والاستخباراتية فى بلجيكا التى يتواجد فيها أهم المؤسسات العالمية ومنها الاتحاد الأوروبى وحلف الناتو.
وتمتد جذور الإرهاب فى بلجيكا منذ تسعينيات القرن العشرين، حيث تمكنت السلطات البلجيكية من تفكيك خلية إرهابية خطيرة كانت تتبع للجماعة الإسلامية التى كانت تتمركز بالجزائر، إضافة للجوء العديد من العناصر التى تتبع الفصائل المسلحة ومنها حركة إيتا الانفصالية التى كانت تستهدف الحكومة الإسبانية وعناصر من الجيش الجمهورى الأيرلندى خوفا من ملاحقتهم أمنيا.
وأكد المركز الإقليمى للدراسات الإستراتيجية فى دراسة للعملية الإرهابية التى ضرب بلجيكا أنه تأكد الارتباط الوثيق بين بلجيكا والإرهاب فى القارة الأوروبية عقب الكشف عن تورط عبد الحميد أباعود وإبراهيم عبد السلام وصلاح عبد السلام فى هجمات باريس الإرهابية التى تمت فى نوفمبر 2015 وجمعيهم يحملون الجنسية البلجيكية.
وأكد وزير الداخلية الفرنسى برنار كازنوف فى منتصف نوفمبر الماضى أن عبد الحميد أباعود المدبر لاعتداءات باريس شارك فى تنفيذ 4 عمليات إرهابية أخرى فى فرنسا تم إحباطها منذ مارس الماضى لاسيما الاعتداء على كنيسة فيلجويف فى جنوب باريس فى أبريل الماضى والهجوم الذى تم إحباطه على قطار تاليس فى أغسطس 2015 الذى خطط لتنفيذه بقيادة البلجيكى أيوب الخزانى، وقد أدى تردى الأوضاع الاقتصادية فى بلجيكا إلى إتباع سياسات تقشفية حادة تضمنت خفضاً للإنفاق الحكومى، مما انعكس على قدرات المؤسسات الأمنية التى لم تعد تمتلك العدد الكافى من الكوادر الأمنية لمواجهة الإرهاب، حيث رصدت تقارير أوروبية أن جهاز أمن الدولة البلجيكى فى بروكسل العاصمة يتكون فقط من 600 فرد بالإضافة إلى حوالى 1000 مجند ينتمون لجهاز الاستخبارات وهو عدد غير كاف لتأمين المدينة التى تضم مؤسسات دولية متعددة.
وتعانى بلجيكا من إشكالية معقدة فى دمج الأقليات الإسلامية، حيث يبلغ عدد المسلمين بها حوالى 650 ألف مسلم أغلبهم من الشباب الذين يعانون من البطالة والاغتراب، ويعد حى مولينبيك الذى تتمركز به الجاليات الإسلامية نموذجاً على إخفاق عمليات الدمج الاجتماعى، حيث يصل عدد السكان به إلى حوالى 100 ألف مواطن، 30% على الأقل من جنسيات أجنبية وحوالى 40% يحملون الجنسية البلجيكية ولكنهم من أصول أجنبية، وتصل نسبة البطالة فى هذه المنطقة حوالى 25% وترتفع هذه النسبة لمستويات قياسية بين الشباب، بالإضافة للمشكلات التى يواجهها المسلمون فى الحصول على سكن أو تلبية احتياجاتهم الأساسية مما يجعلهم مؤهلين للانتماء للتنظيمات المتطرفة.