لم يجد رواد مواقع التواصل الاجتماعى، سلاحا أقوى وأكثر تأثيرا للتعليق على العديد من القضايا الاقتصادية والاجتماعية، سوى إطلاق مجموعة من الحملات الإلكترونية لإحداث حراك فى الشارع المصرى وإجبار صانعى القرار على العدول عن القرارات والمواقف التى لا تخدم مصالحهم، وذلك إدراكا منهم بحجم الأثر التى تتركه تلك الأدوات الإلكترونية فى نفوس مستخدميها.
حملات سياسية شهدناها خلال السنوات الماضية كانت محركا أساسيا للمواطنين ودفعتهم للخروج لإسقاط الأنظمة الحاكمة، وحملات أخرى اجتماعية واقتصادية شهدناها مؤخرا عندما تم إطلاق حملة إلكترونية بعنوان "خليها تصدى – زيرو جمارك" والتى جاءت لمواجهة ارتفاع أسعار السيارات بعد إلغاء الجمارك على السيارات الأوروبية بداية العام الجارى.
الحملة التى وجدها كثيرون وسيلة اعتراض سلمية ونشاطا استهلاكيا متحضرا للرد على استغلال التجار وتوحيد رأى جمهور المستهلكين تجاه قضية بعينها، انضم لها ما يزيد عن نصف مليون مستخدم لمواقع السوشيال ميديا فى فترة وجيزة وأثرت بالفعل على متخذى القرار وأجبرت بعض شركات السيارات على تخفيض أسعارها وسط تأكيدات مطلقى الحملة بأن هدفهم هو ضبط إيقاع الأسعار للتخفيف من على كاهل المواطن وليس لإلحاق أى ضرر بالاقتصاد المصرى، كما أشاع المناهضون للحملة من مستوردين ومصنعين للسيارات.
وما هى إلا أيام قليلة على إطلاق الحملة السابقة حتى انطلقت أخرى مثيلة لها أحدثت رواجا عبر مواقع التواصل الاجتماعى، ولكنها هذه المرة تمس قضية اجتماعية تتعلق بحث الشباب على الإقلاع عن التدخين والتى جاءت تحت عنوان "خليها فى المصنع" وأخرى جاءت لتخفيف نفقات الزواج، وكانت تحت عنوان "خليها تعنس" ولاقت الحملة التى يحاول مدونوها تسليط الضوء على مشكلة ارتفاع تكاليف الزواج، صدى واسعا عبر مواقع التواصل الاجتماعى المختلفة.
وأمام حملة الرجال السابقة أطلقت مجموعة من الفتيات حملة مناهضة بعنوان "خليك فى حضن أمك" و"خليه يخلل" وكان مبررهن فى ذلك هو إعلان موقفهن الرافض من الحملة الأولى على اعتبار أن الفتاة ليست سلعة للعرض والطلب حتى وإن كان هناك عدد من الأهالى يغالون فى بعض مستلزمات الزواج.
الحملات الكثيرة السابقة، لم تكن الأولى وربما لن تكون الأخيرة وأمام هذه الظاهرة التى لا يتكلف أصحابها سوى عناء الضغط على زر الكمبيوتر يبقى هناك مجموعة من الأسئلة تتعلق بمدى فاعليه تلك الحملات وقوة تأثيرها وقدرتها على الاستمرار والجمهور الحقيقى المستهدف من ورائها.
تشير التقديرات التى كشف عنها موقع We Are Social والخاص بمراقبة وضع الإنترنت فى العالم عام 2017 إلى أن عدد مستخدمى مواقع التواصل الاجتماعى فى مصر وصل لأكثر من 33 مليون مستخدم مما يعنى حجم الاستهلاك الواسع ومدى الانتشار التى حققته تلك الوسائل الحديثة فى عمليات الاتصال والتأثير.
الدكتور أسامة طلعت، الخبير التكنولوجى، يقول إن هناك ما يقرب من 40 مليون مواطن يستخدمون الإنترنت فى مصر وهذه نسبة ليست قليلة للتفاعل والتأثر بأدوات السوشيال ميديا وما تطرحه من قضايا، وبالتالى من السهل أن يتم التأثير فى الناس من خلالها على اعتبار أنها السلاح الأقوى والأكثر انتشارا.
وأضاف: نجاح الحملات يتوقف على أن كانت تمس احتياجات الناس أم لا وأتوقع استمرارها حتى يكون لها مردود على أرض الواقع خاصة وأن وظيفة السوشيال ميديا هى الحشد وتوحيد الآراء فى أقل وقت ممكن وهذا يتجلى فى مختلف القضايا سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية.
الدكتورة هدى زكريا، أستاذ علم الاجتماع وعضو المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام تقول إن هناك حملات وإن بدت من أسمائها طريفة كحملتى خليها تعنس، وخليك عند أمك، إلا أنهما يعبران عن مشكلة حقيقية تتعلق بتكاليف الزواج الباهظة والمغالاة والضغوط المادية التى تمارسها بعض الأسر على الشباب راغبى الزواج مما خلق نوع من الإحجام لديهم إلا لو هناك حالة من التفاهم فيما بينهم.
وأضافت: هناك إحصائية صادرة من قبل المركز القومى للبحوث تشير إلى أنه أمام كل فتاة عزباء هناك رجلان مناسبان لها لم يتزوجا، مما يعنى أن نسبة العزوبية بين الرجال أكبر من النساء وليس العكس كما يتردد، هذا فيما يتعلق بالحملات الاجتماعية سابقة الذكر أما حملة خليها تصدى ستحدث حالة من الحراك وتخلق نوعا من التوازن وبشكل عام هذه الحملات التى يتم إطلاقها بين الحين والآخر عبر منصات التواصل الاجتماعى لن تكون مؤثرة، إلا إذا ارتبطت بقضية فعلية على أرض الواقع، وأصبحت تمس احتياجات الناس فعلا وتعبر عن أزمة موجودة.