توجه السفير الإسرائيلى فى القاهرة «إلياهو بن اليسار» إلى السراى رقم 7 التى يقع فيها جناح توكيل «إدكو إنترناشيونال» الذى تعرض من خلاله الكتب الإسرائيلية فى معرض القاهرة الدولى للكتاب الثالث عشر «يناير 1981»، حسب توثيق «شهدى عطية» لهذا الحدث فى صفحته على موقع »فيس بوك»، مضيفا: «كان ذلك الجناح يتلاصق مع جناح «الفتى العربى» الفلسطينى والذى يرفع علم فلسطين على كل شبر من واجهته الملاصقة للجناح الإسرائيلى، مما دعا مسؤول الأمن فى السفارة الإسرائيلية إلى محاولة تغطية العلم الفلسطينى بلافتات تحمل طوابع بريد إسرائيلية، أثناء قيام السفير الإسرائيلى بافتتاح الجناح أمام عدسات التليفزيون الإسرائيلى.
كان المعرض فى أرض المعارض بالجزيرة، وكان الشاعر صلاح عبدالصبور هو رئيسه باعتباره رئيسا للهيئة المصرية العامة للكتاب، وحسب «عطية»: «كان أول تجربة واقعية لقياس رد فعل الشعب المصرى للتطبيع مع إسرائيل، ومنذ اللحظة الأولى بدأت المواجهة»، ويشير إلى أن حضور السفير الإسرائيلى استفز الجمهور، فاندفعت فتاة لتنتزع اللافتات الإسرائيلية، وهنا سقطت اللافتة فوق رأس السفير الإسرائيلى الذى هرول فى ذعر خارج أرض المعرض، وتم إنزال العلم الإسرائيلى بالقوة، وتحولت ساحة المعرض منذ اللحظات الأولى لحرب إعلامية ضد إسرائيل، وتوالت البيانات من حزب التجمع والعمل والأحرار، ودعت البيانات إلى المطالبة برفع العلم الفلسطينى على جميع دور العرض، ووقع على البيانات لطفى واكد «نائب رئيس حزب التجمع»، وفؤاد نصحى عن حزب العمل، وكامل زهيرى نقيب الصحفيين، وأحمد نبيل الهلالى عن مجلس نقابة المحامين، وعبدالعظيم مناف، وسمير فريد، وغيرهم، وتؤكد الكاتبة الصحفية منى أنيس فى تعليقها على ما كتبه شهدى عطية: «السيدة التى نزعت اللافتة الإسرائيلية هى اللبنانية حسناء مكداش صاحبة ومديرة دار الفتى العربى».
وتضع الدكتورة عواطف عبدالرحمن هذا الحدث فى سياق رفض الشعب المصرى للتطبيع مع إسرائيل، وفى كتابها «المشروع الصهيونى-الاختراق الصهيونى لمصر من 1917»، تعتبر أن «لجنة الدفاع عن الثقافة القومية» التى تأسست فى 2 إبريل 1979 عقب التوقيع على اتفاقية كامب ديفيد بين الرئيس السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلى مناحم بيجين، لعبت دروا رئيسيا فى الحدث الذى شهده معرض الكتاب، وتضيف: «فى مواجهة التطبيع عمدت اللجنة إلى مختلف الأساليب ومنها أسلوب التظاهر ضد التطبيع، معتمدة فى أكثر من حالة على التجبيه فى هذا التظاهر بينها وبين الهيئات المعنية، ولم تكن معركة تمثيل إسرائيل فى معرض الكتاب الأولى والأخيرة التى عمدت فيها اللجنة إلى التظاهر كشكل من أشكال المقاومة، وخاضت اللجنة معركتها فى هذا الاتجاه فى يناير سنة 1981، وفى مواجهة تمثيل إسرائيل بجناح فى المعرض، أعدت بيانها «لاللصهيونية، ولا لتمثيل إسرائيل فى معرض الكتاب»، وتؤكد: «بالاتصالات مع النقابات والهيئات المعنية، حصلت اللجنة على تأييد عدد من الهيئات المهنية لذلك البيان، وحمل توقيع عدد كبير من المثقفين».
تذكر «عبدالرحمن»: «وزع أعضاء اللجنة البيان على رواد المعرض، وقادوا مظاهرة ضخمة ضد الجناح الإسرائيلى، وتم إلقاء القبض لفترة على عضوين من أعضائها هما صلاح عيسى وحلمى شعراوى».. وفى تغطيتها للحدث كتبت جريدة الأهالى لسان حال حزب التجمع الوطنى التقدمى الوحدوى المعارض، أن رجال مباحث أمن الدولة اعتقلوا حلمى شعراوى عضو مكتب الكتاب فى الحزب، وصلاح عيسى رئيس تحرير مجلة الثقافة الوطنية، خلال توزيعهما علم فلسطين ونشرات تدعو إلى مقاطعة الجناح الإسرائيلى، وقالت الأهالى: «كان الناشرون الإسرائيليون والفلسطينيونتصادموا فى يوم افتتاح المعرض الذى حضرته السيدة جيهان السادات زوجة الرئيس المصرى، عندما حاول مسؤول إسرائيلى حجب العلم الفلسطينى عن عدسات آلات التصوير خلال قيام إلياهو بن اليسار سفير إسرائيل لدى مصر، بالمرور أمام القسم الذى قام باستئجاره الناشرون الفلسطينيون «دارالفتى العربى» فى بيروت».
فشلت محاولة التطبيع الثقافى هذه المرة، وتكررت مرة ثانية وأخيرة أثناء حكم مبارك فى يناير 1985، وتذكر عواطف عبدالرحمن: «حين عادت إسرائيل نظمت اللجنة بالاتفاق مع دور النشر العربية والمصرية معرضا بديلا لمعرض الكتاب الرسمى فى مبنى نقابة المحامين، وتدفقت جماهير من المثقفين وخاصة من الشباب على هذا المعرض البديل، ومن جديد جرى اعتقال بعض أعضاء اللجنة، ويتذكر الكاتب إبراهيم عبدالمجيد فى مقال «معرض الكتاب الدولى فى القاهرة- ذكريات» المنشور فى «القدس العربى- 17 يناير 2019»، أنه فى 1985 قبض عليه وعلى عدد كبير من الكتاب والمثقفين بتهمة الانتماء إلى أحزاب شيوعية سرية، وهى تهمة لا معنى لها، ويؤكد: «كنا نعرف أنه لا تهمة ولا يحزنون، لكنه معرض الكتاب ومحاولة للترهيب فى معارضة وجود إسرائيل لا أكثر ولا أقل، وكانت هذه آخر مرة تشارك فيها إسرائيل فى المعرض».