عقد منتدى مستقبل العمل الإنسانى أولى جلساته خلال اليوم الأول من أعمال القمة العالمية للحكومات التى تستضيفها دبى فى دورتها السابعة، بحضور مسئولين ومفكرين ورواد العمل الإنسانى ووفود من مختلف الدول والمنظمات، وذلك بعنوان "كيف نحارب التطرف بصناعة الأمل؟" بمشاركة نخبة من صُناع الأمل فى الوطن العربى.
واستعرضت الجلسة أبرز التحديات الإنسانية التى تمر بها العديد من المجتمعات فى الوطن العربى، كالجهل والتطرف، ومسبباتها الرئيسية المشتركة كالفقر والجوع، وسبل محاربتها وبث الأمل فى نفوس أصحابها عبر إبراز تجارب فردية فى العطاء والعمل الإنسانى، والتى استطاعت بجهود تطوعية تغيير الواقع وانتشال الآلاف من البشر من واقعهم المأساوى والمساهمة فى توفير حالات اليأس إلى الأمل بحياة سعيدة والمساهمة فى بناء مجتمعاتهم.
واستضافت جلسة "كيف نحارب التطرف بصناعة الأمل؟" التى أدارها سعيد العطر الأمين العام المساعد لمبادرات الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، ورئيس مجلس دبى لمستقبل العمل الإنسانى، خمسة صناع أمل فى الوطن العربى، هم: الكويتية معالى العسعوسى، صانعة أمل هاجرت من الكويت إلى اليمن مُكرسة حياتها لمساعدة النساء والأطفال والمحتاجين هناك منذ العام 2007 وحتى اليوم، والعراقى هشام الذهبى مؤسس "البيت العراقى للإبداع" الذى يؤوى الأطفال المشردين فى العراق موفراً لهم الرعاية اللازمة لعيش حياة كريمة، والسودانى فارس نور الذى أعاد بمشاركة مئات المتطوعين أكثر من 35 ألف تلميذ إلى مقاعد الدراسة بعد تأمين وجباتهم الغذائية التى كانت تُعيق ذهابهم للمدرسة، والمصرى محمود وحيد الذى يجوب الشوارع بحثاً عن المشردين من كبار السن لإعادة الأمل إلى قلوبهم، وإيوائهم فى دار خاصة أسسها للمسنين وتوفير العناية الصحية والنفسية لهم ولم شمل بعضهم بأهاليهم.
وأكد سعيد العطر أن الجهل والإقصاء والترويج لثقافة الكراهية وغياب الشعور بالآخر تعد من أهم أسباب التطرف الذى لا يمكن مواجهته إلا من خلال نشر ثقافة العطاء وصناعة الأمل بين الشعوب.
وأضاف العطر: "إن أكثر من 55% من الشباب العربى يرون منطقتنا العربية تتجه إلى الأسوأ، وذلك بحسب دراسة أجريت فى أكثر من 16 دولة عربية حول مستقبل المنطقة العربية، مشيراً إلى أن اليأس وفقدان الأمل هما أكثر الأسباب المؤدية للتطرف، ولذلك يجب مواجهته".
وأشار العطر إلى أن العديد من الدول انهارت ودول أخرى تراجعت مئات السنين بسبب الفكر المتطرف، مشددا على ضرورة المواجهة الفكرية والمعرفية للخطاب الدينى الذى تتأسس عليه وتتغذى منه الجماعات المتطرفة، وقال: "نسعى من خلال جلسة (مكافحة التطرف بصناعة الأمل) إلى طرح تجارب ونماذج عمل فردية تحولت إلى عمل مؤسسى مستدام عاد بالفائدة على ملايين البشر، وإلى عرض قصص إنسانية حقيقية تلهم الفرد وتعزز إيمانه بقدرته على مساعدة الآخرين"، لافتاً إلى أن الجلسة تأتى من دورنا فى الارتقاء بالعمل الإنسانى وتطوير أدواته وآلياته.
الأمل فى مواجهة التطرف
تمحورت جلسة "كيف نحارب التطرف بصناعة الأمل؟" حول كيفية تحويل صناعة الأمل فى العالم العربى من عمل فردى إلى حراك مجتمعى يتصدى لكل أشكال التطرف والتعصب، وآليات مأسسة واستدامة صناعة الأمل، بالإضافة إلى استعراض تجارب حقيقية ناجحة لمجموعة من أبرز صانعى الأمل فى العالم العربى، الفائزين بجوائز مبادرة "صناع الأمل" فى دورتيها السابقتين.
وسلطت الجلسة الضوء على الشرارة الأولى التى جعلتهم يكرسون حياتهم للعمل الإنسانى، والصعوبات التى واجهوها فى البداية، وكيف تطور عملهم والإنجازات التى حققوها، والدعم الذى يتلقونه حالياً من خلال جهود تطوعية أو مؤسسة، فضلاً عن مناقشة قضايا حيوية كدور المرأة فى العمل الإنسانى التطوعى.
هشام الذهبى: بسبب "داعش" زاد عدد المتطوعين
وقال هشام الذهبى، أحد الفائزين بجائزة صناع الأمل فى دورتها الأولى عام 2017، إن أهم ما يسعى إليه فى مشروعه هو العمل الإنسانى فى المقام الأول، لافتا إلى أنه اكتشف المعنى الحقيقى للسعادة من خلال رعاية الأطفال المشردين، حيث أواهم وأعطاهم الحنان والأمل وساهم فى دمجهم فى المجتمع فأبدعوا. وأضاف هشام أنه اليوم وبعد فوزه بالجائزة أصبح لديه الكثير من الأحفاد يحملون اسم "هشام".
ويفخر الذهبى أنه بعد سنين من عمله فقد صنع من هؤلاء المشردين أُناساً فاعلين فى المجتمع، حيث أكمل عدد كبير منهم دراستهم ومنهم من التحق بوظائف حكومية، وبعضهم تزوج وكوّن أُسراً، وآخرين شكلوا فرقاً تطوعية وأسسوا دوراً للأيتام والمسنين، لينتقل هشام من مرحلة الإعانة إلى التمكين.
وعن مكافحة التطرف قال هشام: "مكافحة التطرف يبدأ من تغيير فكر الشباب العربى، بزراعة الأمل فى نفوسهم وتحسين أوضاعهم المعيشية.
وأضاف: "دخول داعش للعراق وبعد سنين من المعاناة مع هذا التنظيم المتطرف، شكل حالة من الوعى الإنسانى لدى الشباب، وضاعف عدد المتطوعين والفرق والجمعيات التطوعية فى مختلف المحافظات والمدن العراقية، بعيداً عن التعصب الطائفى”.
معالى العسعوسى: المتشددون كفرونى وهددونى بالقتل مرارا
بدأت صانعة الأمل معالى العسعوسى مزاولة العمل الإنسانى منذ العام 2007، حين دخلت اليمن أول مرة كسيدة أعمال، فتأثرت بما شاهدته وقررت التوجه نحو العمل الخيرى، الذى كان حينها حكراً على الرجال أو المنظمات الدينية دون غيرها، فبدأت بمساعدة مجموعة قليلة بدعم المحتاجين والوصول إلى منازلهم لتقديم يد العون والنظر فى احتياجاتهم. كما لاحظت معالى عزوف البنات عن تلقى العلم لأسباب مختلفة منها الفقر والجوع وبُعد المدارس والعادات المجتمعية المحافظة، فسعت إلى تغيير الواقع وتذليل كل تلك العقبات، مما أثار حفيظة المنظمات المتشددة المحيطة بها وتهديدها بالتصفية بعد تكفيرها كونها "تفسد بنات المجتمع" على حد وصفهم.
وخلال تعليقها على دور المرأة، قالت معالى العسعوسي: "العمل الإنسانى له قدرة عظيمة على التغلب على اليأس والإحباط فى المجتمعات وبين الشباب، والمرأة هى الأساس فى العمل الإنسانى وقد تفوق الرجل، فالمرأة تستطيع دخول البيوت، والاستماع للمشاكل التى تواجهها الأُسر، وهى التى تربى الأجيال وتزرع الأمل فى قلوبهم، وأفخر اليوم بـ 400 متطوع يعملون معى فى اليمن 70% منهم من الإناث.
وأكدت معالى العسعوسى، أن المجتمع اتهمها بالجنون بعد قرارها بالتخلى عن حياة الرفاهية فى الكويت والهجرة إلى اليمن، داعية الشباب العربى إلى البحث عن التحدى الحقيقى فى الحياة، والمتمثل فى خلق السعادة والبسمة على وجوه الناس.
وتحدثت عن دور المرأة فى العمل الإنسانى، والتحديات التى واجهتها من الجماعات المتطرفة أثناء عملها التطوعى، وأشارت إلى أن إحدى القرى كان يوجد بها 90% من النساء غير متعلمات، لافتة إلى أن القرية تعد أرضاً خصبة لزرع أفكار متطرفة، ولذلك يجب محاربة التطرف عن طريق التعليم والتأكد من وصول التعليم الصحيح إلى كافة الأماكن.
وأضافت أن التعايش مع الآخرين فى وقت المعاناة، يجعل الفرد أكثر قدرة على مواجهة التحديات والصعوبات، بل ويتخذ القرار المناسب، مشيرة إلى أنها لم تشعر بالندم، جراء قرار الهجرة للحياة فى اليمن، وأنها الآن تشارك فى وضع المنهاج التعليمى بدولة الكويت.
فارس نور: حكاية البنت التى غيرت حياته
الجوع يطحن الجسدَ ويذلّ النفس، حقيقة أدركها فارس على من السودان صانعُ الأمل العربى الفائز، حين وقع بصره ذات يوم على تلميذة جائعة تجمع فتات الخبز، مما كانت تقتات عليه الأغنام وتنقعه بالماء قبل أن تأكله، هذا المشهد أثر فى حياته وحوله إلى صانع أمل. وسرعان ما اكتشف العديد من الحالات لأطفال يتركون التعليم بسبب الجوع.
قام فارس حينها بمساعدة الطفلة، بتوفير وجبة يومية لها، ثم وبالتواصل مع الناس والأقرباء قام بتوسيع دائرة المساعدات، لتشمل 1000 طالب فى المراحل الأولى، ولتصل اليوم إلى أكثر من 40 مليون ساندويش، حيث يتم توزيع وجبات الطعام يومياً على آلاف الطلبة فى أكثر من 120 مدرسة فى مختلف قرى السودان.
وعن الجهل والتشدد وزواج القاصرات فى المجتمع، تحدث فارس عن قصة الطفلة "فرحة"، ابنة الـ 12 عاماً والتى لُقبت "بالسفيرة" لنشاطها وتفوقها الدراسى الملحوظ، وترديدها دائماً لحلمها بأن تصبح سفيرة للسودان، إلا أنها تخلفت فجأة عن المدرسة، وعند سؤال ذويها اكتشف فارس بأنه تم تزويجها من أحد أقربائها حيث منعها زوجها من إكمال دراستها، قبل أن تسقط "فرحة" فريسة للمرض، حيث كانت حبلى وهى مراهقة بعد، لتلقى حتفها، وينطفئ حلمها بالدراسة للأبد.
وتطرق فارس إلى أهمية مأسسة العمل الإنسانى، قائلاً: "نطمح إلى تغيير واقع العمل الإنسانى فى السودان، والانتقال به من مرحلة العمل الإغاثى إلى التنموى”.
محمود وحيد: التغيير يبدأ من الفرد
من جانبه أكد الشاب المصرى محمود صاحب وحيد، حامل لقب صانع الأمل الأول فى الوطن العربى فى دورة العام 2018، أنه لم يكن مستعداً للمشهد الذى رآه ذات يوم وهو يسير فى أحد شوارع العاصمة المصرية القاهرة: رجل نائم على الرصيف، وسط جروح متفرقة فى جسده الذى ينهشه الدود.
قسوة المشهد فاقت قدرته على الاحتمال، ولم يستطع محمود أن يتركه على حاله، فقرر أن يأخذه إلى أحد المستشفيات وعانى الكثير حتى وجد مستشفى تقبل باستقباله، وعندها قرر وحيد أن يتحرك بعدما وقع على العديد من الحالات المشابهة، لمشردين مسنين، وجدوا أنفسهم فى الشارع، من خلال تأسيس مؤسسة كدار شاملة لإيواء ورعاية المشردين الكبار والمسنين، الذين يتم انتشالهم من الشارع وتوفير كل أشكال الرعاية الطبية والنفسية لهم، وإعادة تأهيلهم لسوق العمل، لمن يرغب منهم، إلى جانب البحث عن أهاليهم وإرجاعهم إلى أسرهم.
وتحدث محمود وحيد فى الجلسة أن من نتائج فوز مبادرته بجائزة صناع الأمل، إعلان الرئيس السيسى تنظيم حملة عاجلة لـ"إيواء وحماية المشردين"، من خلال حافلات بها مجموعات التدخل السريع التابعة لمديرية التضامن الاجتماعى تجوب الشوارع لإيواء المشردين.
وخلال سنوات قليلة من إطلاق مبادرته، وصل عدد المتطوعين الذين يعملون مع محمود، معظمه عبر وسائل التواصل الاجتماعى، إلى أكثر من 250 ألفاً فى 26 محافظة مصرية.
ودعا محمود جميع أفراد المجتمع للمشاركة فى محاربة هذه الظاهرة وعدم انتظار المُبادرات الحكومية أو المؤسسية، فالتغيير يبدأ من الفرد، والجميع مدعو للخوض فى هذا الميدان.
مستقبل العمل الإنسانى
وللمرة الأولى تخصص القمة العالمية للحكومات ضمن منتدياتها منتدى لمناقشة مستقبل العمل الإنسانى، الذى سيكون اعتباراً من دورة هذا العام أحد المنتديات الرئيسية ضمن أجندة فعاليات القمة.
ويشكل المنتدى منبراً لاستعراض أبرز التجارب الإقليمية والعالمية فى العمل الإنسانى وآليات مأسسته وتطويره وتوسيع دائرة تأثيره ليشمل أكبر عدد من الأفراد والمجتمعات.