لا يخفى على أحد الانقسام السياسى الحاد، الذى تشهده الولايات المتحدة منذ وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض قبل عامين، وهو انقسام لا يتعلق بقضية واحدة أو اتجاه سياسى معين، وإنما يمتد ليشمل كافة القضايا السياسية الداخلية والخارجية.
وكان لهذا الانقسام انعكاساته الواضحة، لاسيما فيما يتعلق بموقف الأمريكيين تجاه حلفائهم الأوروبيين. فبينما تبنى ترامب نهج "أمريكا أولا" ضاربا بعرض الحائط تحالفاتها عبر الأطلنطى وتجاهل المخاوف الأوروبية، كان خصومهم فى الداخل الديمقراطيين يحاولون طمأنة بروكسل بأن ما يحدث مجرد مرحلة عابرة.
وتبين الرؤيتين المختلفتين لأمريكا بوضوح فى مؤتمر ميونيخ للأمن الذى انعقد على مدار اليومين الماضيين فى ألمانيا بحضور عشرات من قادة أوروبا والعالم. كان التناقض صارخا بين كلمة نائب الرئيس الأمريكى مايك بنس الذى دافع عن نهج ترامب "أمريكا أولا" وكلمة نائب الرئيس السابق جو بايدن أحد أبرز الديمقراطيين الذى أعلن "سنتجاوز هذا".
صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية تحدثت عن هذا التباين، وقالت إن الرجلين بنس وبايدن مثلا معا التغير الدرامى فى السياسة الخارجية الذى شعر به حلفاء واشنطن الذين اجتمعوا فى الحدث الأمنى المهم. فبنس لم يجد حرجا فى أن يكرر مطالبه لأوروبا بالانسحاب من الاتفاق النووى مع إيران وحظر المعدات الصينية من شبكات الاتصالات العالمية وتسريع زيادة المساهمات الأوروبية فى الناتو. أما بايدن فقد قال: "أعدكم أعدكم هذا إذا سيمر، وسنعود".
وقد علق خبراء السياسة الخارجية الأمريكية على هذا التباين، فقال إيفو دالادير، السفير الأمريكى السابق لدى الناتو ورئيس مجلس العلاقات العالمية بشيكاغو، إن هذا التباين هو بين سياسة خارجية جديدة تركز على أمريكا أولا وتتوقع أن يفعل الآخرون الأمر نفسه بغض النظر عن أى شىء، والسياسة الخارجية القديمة التى تقوم على العمل معا من أجل تحقيق القيم المشتركة.
وعلى الجانب الآخر، لم تعد أوروبا قادرة على إخفاء غضبها من هذا الانقسام، وكان مؤتمر ميونيخ فرصة للتنفيس عن المخاوف الأوروبية، على حد تعبير صحيفة "واشنطن بوست".
حيث قالت الصحيفة إن مؤتمر ميونيخ للأمن قد شهد هجوما على السياسة الخارجية لترامب من قبل حلفاء واشنطن فى أوروبا. وأوضحت الصحيفة أن المؤتمر الأمنى السنوى الذى طالما شكل جبهات موحدة للحلفاء الغربيين تحول إلى هجوم شامل على السياسة الخارجية لإدارة ترامب، فالقادة الأوروبيون والمنافسون الديمقراطيون المحتملون وحتى داعمى الرئيس من الجمهوريين قد استغلوا منصة المؤتمر للهجوم على نهج الرئيس القائم على التصرف بشكل منفرد.
ولفتت الصحيفة إلى أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التى عادة من تكون حذرة بشأن استفزاز ترامب، قادت هذا الهجوم وانتقدت مرارا ميل الإدارة إلى التعامل مع حلفائها كخصوم.
وترى واشنطن بوست أن الانتقادات بدت وكأنها تعبر عن "تنفيس" بعدما أدى سلوك ترامب العدائى على مدار عامين إلى شكاوى متراكمة من معظم أوروبا لكنه قوبل فى الوقت نفسه بقليل من الحلول الموضوعية لكيفية تحدى هذا السلوك.
واتهمت ميركل الولايات المتحدة بتعزيز إيران وروسيا بخططها للانسحاب السريع من سوريا، وأعربت عن صدمتها لأن إدارة أوباما اعتبرت أن سيارات "بى إم دبليو" المصنوعة فى كارولينا الجنوبية تهديدا للأمن القومى. وقالت "واشنطن بوست" إن خطاب ميركل حظى بتصفيق ممتد، وهو أمر نادر فى مؤتمر ميونيخ للأمن، فى الوقت الذى كانت فيه إيفانكا ترامب، ابنة الرئيس الأمريكى ومستشارة البيت الأبيض متحجرة الوجه، وفقا لتعبير الصحيفة.
وقالت واشنطن بوست إن خطاب ميركل ورد الفعل عليه يؤكد مدى ابتعاد الولايات المتحدة عن حلفائها التقليديين خلال حكم ترامب، وكيف أن الأوروبيين لم يعودوا يأبهون كثيرا بإخفاء ازدرائهم.