وكأنه فيلم روائي طويل، عاشت الكنيسة القبطية تطورات متسارعة منذ فجر الـ29 من يوليو الذى قتل فيه الأنبا ابيفانيوس رئيس دير أبو مقار وحتى النطق بالحكم صباح اليوم على المتهمين الراهبين إشعياء المقارى وفلتاؤس المقارى الذين أحيلت أوراقهم لفضيلة المفتى بعد 233 يومًا من التقاضي والتحقيقات فى القضية الأسخن فى تاريخ الكنيسة القبطية المعاصر، وفى التقرير التالى سيناريو الأحداث منذ بدايته وحتى لحظة النطق بالحكم وكأنها ذروة الأحداث فى تلك الرواية المثيرة.
المشهد الأول : الجريمة .. 3:45 فجرا
29 يوليو 2018
كان الأنبا ابيفانيوس رئيس دير القديس أبو مقار بوادي النطرون، مستلقيًا فى قلايته (ٍسكن الراهب)، يستعد للخروج ليترأس صلوات التسبحة فى كنيسة داخل أسوار ديره، وبينما كان يسير بمشيته الهادئة على الأرض، يتعكز على عصاه الخشبي البسيط، تلقت رأسه ثلاث ضربات قاتلة من الخلف، أودت به قتيلًا فى الحال، تخضب لون جلبابه الأسود، وخرج مخه من جمجمته التى تهشمت وسالت دمائه الزكية فى الممر الواصل بين قلايته وكنيسته.
المشهد الثاني.. 4 فجرًا
خرج أحد الرهبان من قلايته القريبة من الممر المؤدى للكنيسة، وجد الأنبا ابيفانيوس غارقًا فى دمائه، استغاث فزعًا، هرول الرهبان من الكنيسة بعد أن طال بهم الانتظار وأبيهم (الأنبا ابيفانيوس) لا يأتى، حاولوا إسعافه، إلا أن روحه كانت قد طارت إلى السماء، ليجعل من دمه فداء للرهبنة التي بذل حياته لأجلها.
المشهد الثالث 4 ونصف فجرًا
يختلف الرهبان فيما بينهم، منهم من يريد إبلاغ السلطات المختصة، ومنهم من يقرر إبلاغ البابا تواضروس، ينتهى الأمر باتصال هاتفى بالبابا الذى كان يصلى في ديره المجاور "دير الأنبا بيشوى بوادى النطرون"، يبلغ بنفسه السلطات المختصة ويبعث بسكرتيره القس إنجيلوس إسحق ليتابع القضية كموفد عنه.
المشهد الرابع صباح الـ29 من يوليو
يخرج خبر وفاة الأنبا ابيفانيوس من ديره، إلى صفحات التواصل الاجتماعى، تلميذ القمص متى المسكين يموت، ولا تعرف أسبابا للوفاة، حتى يؤكد الرهبان فى البداية إنه سقط مغشيًا عليه على السلم وقد فارق الحياة بعد أن ارتطمت رأسه فى أحد الحوائط أثر غيبوبة سكر، إجراءات البابا ترفع اللثام عن محاولات التخبئة، الأنبا ابيفانيوس وجد مقتولا فى ديره، ولن يفلت المرتكبين من العقاب
المشهد الخامس: الكنيسة تعلن
تصدر الكنيسة بيانا رسميا تؤكد فيه الوفاة الغامضة للأنبا ابيفانيوس، ويتسلم الطب الشرعى جسده المغدور ورأسه المتهشمة لتبدأ إجراءات التشريح
المشهد الخامس: الدير مغلق للتحقيقات
منذ الـ29 من يوليو وحتى الأسابيع التالية، أغلق الدير كافة أبوابه، ورفع شعار مغلق للتحقيقات، استمعت النيابة التى انتقلت إلى داخل الدير لأقوال 145 راهبًا ومئات العمال وكل ذي صلة بهذا المكان المقدس، ويبدأ الطب الشرعى تشريح جثته فى الـ30 من يوليو.
المشهد السادس: فى وداع شهيد الغدر31 يوليو
يعود جسد الأسقف المغدور لديره قادمًا من المشرحة، مغلقًا فى صندوق خشبي، التشريح لم يترك فى جسده ما يصلح لطقس نظرة الوداع المتبع كنسيًا، اعتاد الأقباط توديع جثامين الكهنة والأساقفة الراحلين بإلقاء تلك النظرة على أجسادهم التى توضع مسجاة فى صناديق مفتوحة، الانبا ابيفانيوس سيغادر هكذا دون وداع كما عاش دون ضجيج، سيترأس البابا تواضروس الصلاة على جثمانه بالكثير من الدموع والصبر مع رسائل تحذير وتهديد لرهبان الدير أوحت للرأي العام أن القاتل بينهم، كانت رسائل البابا المبطنة توحي بأن القادم في الكنيسة سيكون مختلفا عما حدث من قبل جريمة القتل تلك.
المشهد السابع تضييق دائرة الاتهامات
بعد أن تم الاستماع لكافة أقوال الرهبان والعاملين بالدير، ضيقت الأجهزة الأمنية الخناق على ستة من الرهبان كانوا قد شكلوا جبهة مضادة لرئيس الدير المقتول وتزعموا حركة ضده
المشهد الثامن: قرارات ضبط الحياة الرهبانية
فى الأول من أغسطس، وبعد أن وارى جسد الأنبا ابيفانيوس الثرى، أصدر البابا تواضروس سلسلة قرارات بعد اجتماع لجنة الرهبنة بالمجمع المقدس عرفت باسم قرارات ضبط الرهبنة الـ11 كانت تستهدف إعادة الحياة الرهبانية لسيرتها الأولى بعدما كشفت الحادثة عن خلل فيها، القرارات التي أعلنها البابا كانت ورقة تركها الأنبا ابيفانيوس وقدمها لمؤتمر الرهبنة قبل ثلاثة أعوام من مقتله، من بينها إيقاف الكهنوت بين الرهبان لمدة ثلاث سنوات.
المشهد التاسع.. تسريب قرار تجريد إشعياء المقاري
بعد اجتماع شئون الرهبنة بيومين، تم تسريب قرار تجريد إشعياء المقارى من رهبانيته على مواقع التواصل الاجتماعى، وتضمن القرار معه اسم الراهب القس يعقوب المقارى الذى أسس ديرا بعيدا عن أعين الكنيسة، ثم تم نفي القرار حتى صدر ممهورا بخط البابا تواضروس وموقعا بخط يده بعدها بثلاثة أيام
المشهد العاشر.. انتحار فلتاؤس المقارى المتهم الثانى
أثناء التحقيقات، وبعد تضييق الخناق عليهما ضمن ستة رهبان مشتبه بهم، ابتلع إشعياء المقارى مبيد حشري كمحاولة للانتحار ولكنه نجا منها، ثم لجأ زميله فلتاؤس المقاري للانتحار بقطع شريانه فى المرة الأولى وبعد علاجه وإسعافه سقط من أعلى مبنى العيادة فى الدور الرابع بالدير، وانتقل بعدها لمستشفى الانجلو امريكان بالقاهرة فى حالة حرجة، بعد ساعات من إعلان قرار تجريد زميله إشعياء المقارى وذلك فى السادس من أغسطس.
المشهد العاشر.. إحالة المتهمين للنيابة العامة رسميا بتهم القتل
فى 8 أغسطس، وجهت النيابة العامة تهمة القتل لوائل سعد تواضروس الراهب السابق بدير الانبا مقار الذى حمل اسم إشعياء المقارى، وزميله فلتاؤس المقارى، وذلك فى مقتل الأنبا ابيفانيوس مع سبق الإصرار والترصد، وذلك بعد عد اعتراف المتهم بجريمته والإرشاد عن أداة الجريمة وهو قضيب حديدي تم العثور عليه بمخزن للخردة بالدير، بمساعد الراهب فلتاؤس المقاري، خوفا من انفضاح مخالفاتهم المالية والإدارية والأخلاقية.
المشهد الحادى عشر.. صدمة الرأى العام القبطى
كنتيجة طبيعية لكل ما جرى، تلقى الرأى العام المصرى عامة والقبطى خاصة، أحداث القضية بالكثير من الصدمة وعدم التصديق إذ ترتبط صورة الرهبان فى العقلية المسيحية بالقديسين آباء الكنيسة الأولى الذين هجروا العالم كله بحثا عن الله فى الصحاري، وتم التشكيك في كل إجراءات التقاضي حتى خرج البابا تواضروس فى عظة أخرى شهيرة بعنوان "لا تهتز"، مؤكدا للجميع أن يهوذا الخائن كان تلميذا للمسيح، وأن وجود عنصر فاسد لا يعنى فساد الرهبنة القبطية ذات التقاليد القديمة والراسخة.
المشهد الثانى عشر: انتقالات بين الأديرة وعقوبات ضد الرهبان
في الـ25 من أغسطس أصدرت لجنة شؤون الأديرة والرهبنة بالمجمع المقدس، قرارا بنقل 6 رهبان من دير أبو مقار إلى 6 أديرة أخرى، وذلك بعد قام ممثلين عن اللجنة، تحت إشراف قداسة البابا تواضروس الثاني، بإجراء تحقيقات خلال الفترة الماضية مع عدد من الرهبان، وذلك بهدف إعادة ضبط الحياة الرهبانية بعد مقتل الأنبا ابيفانيوس، رئيس الدير، إذ يعتبر نقل الراهب من ديره بمثابة عقوبة كبرى فى الحياة الرهبانية.
المشهد الثالث عشر: أربعين يومًا على استشهاد الأسقف
مرت 40 يوما على الحادثة لم يعود فيها السلام للكنيسة ، ولكن البابا تواضروس كان قويًا وقرر ترأس صلوات قداس الأربعين فى الدير، والتجديد للأب بترونيوس المقارى وكيل الدير، معلنا أي البابا ترأسه للدير حتى عودة الهدوء له مرة أخرى.
المشهد الرابع عشر: بدء المحاكمة
في 23 سبتمبر 2018، كانت أولى جلسات محاكمة "أشعياء" و"فلتاؤس" في قتل "إبيفانيوس" أمام محكمة الجنايات، برئاسة المستشار جمال طوسون، وقد ظهر فلتاؤس المقارى محمولا على نقالة مستشفى بعد أن تحسنت حالته الصحية بعض الشئ
المشهد الخامس عشر : وفاة شاهد إثبات مسمومًا فى أسيوط
بعد أن تم تحديد شهود الإثبات وشهود النفى من قبل هيئة دفاع المحكمة، توفى القس زينون المقارى شاهد الإثبات فى الجريمة مسمومًا فى الدير المحرق الذى انتقل له بقرار باباوي، كان زينون هو أب اعتراف إشعياء المقارى المتهم الأول، وقد سافر إلى الدير المحرق لقضاء عقوبته، حتى سمع زملائه صوته مستغيثا من آلام فى البطن فجرا بقلايته وتم نقله لمستشفى سانت ماريا التابعة للدير ولكنه لفظ أنفاسه فى الطريق، وبعد تحريات الطب الشرعى وتحليل العينات تبين إنه توفى نتيجة مادة سامة لم يعرف حتى اليوم هل تناولها بنفسه بنية الانتحار أم غير ذلك.
المشهد السادس عشر.. نفى الاعترافات وتسريب التحريات
طوال الشهور التالية التى قضاها المتهمان بين أروقة المحاكم، عاد إشعياء وفلتاؤس لنفى الاعترافات التى أكداها من قبل وصدقا عليها بخط إيديهم حتى نشرت تحريات القضية فى كافة الصحف، وتبين فيها وجود انحرافات أخلاقية وفساد مالى وأفعال أخرى ارتكبها المتهم الأول اشعياء المقارى، وأشارت النيابة لوجود خلافات عقائدية بين المتهمين والمجنى عليه الأنبا ابيفانيوس.
المشهد السابع عشر.. إحالة أوراق المتهمين للمفتى
صباح اليوم السبت 23 فبراير 2019، أسدلت الدائرة الثانية بمحكمة جنايات دمنهور، المنعقدة بمحكمة إيتاي البارود الابتدائية، برئاسة المستشار جمال طوسون، وعضوية المستشارين شريف عبدالوارث فارس ومحمد المر، وسكرتارية حسني عبدالحليم، اليوم السبت، الستار على قضية قتل الأنبا "إبيفانيوس"، أسقف ورئيس دير أبومقار بوادي النطرون، والمتهم فيها وائل سعد تواضروس، المعروف باسم أشعياء المقاري سابقاً، والراهب فلتاؤوس المقاري، بعد أن أصدرت حكمها في القضية، بإحالة أوراق المتهمين إلى فضيلة مفتي الجمهورية، وتحديد جلسة 24 أبريل المقبل للنطق بالحكم، إذ تعتبر الإحالة للمفتى مجرد إجراء روتينى لا علاقة له بديانة المتهمين
المشهد الأخير.. 24 أبريل المقبل النطق بالحكم
فى الرابع والعشرين من أبريل المقبل، يعلن الحكم النهائى فى تلك القضية التى هزت الرأى العام على أن تبدأ بعدها سلسلة الإحالة للمحاكم الأعلى مثل الاستئناف والنقض.