نقلا عن العدد اليومى...
من المناهج التى تعتمد على التلقين والحفظ، إلى الدروس الخصوصية التى تقصم ظهر الأسرة بتكاليفها، وتسرق من الطفل ما تبقى له من الوقت الذى يمكن أن يقضيه مع أسرته أو حتى تحصيل الدروس ، وصولاً إلى السلوكيات الكارثية والألفاظ الخارجة التى يتعلمها الابن من زملائه بالمدرسة، عشرات المشكلات التى تثقل كاهل الأسرة المصرية، وتجعل التعليم بالنسبة لها كابوسًا مؤرقًا يشغلها طوال الوقت بكيفية تدبير تكاليفه تارة، وكيفية تدارك أخطائه تارة أخرى.
ورغم الوعود المتكررة بإعادة النظر فى المناهج التعليمية وتطوير التعليم بمصر، فإن الوضع تدهور للأسوأ وظهرت مشكلات جديدة مثل حالات ضرب الأطفال الذى يفضى أحيانًا إلى الموت ومشكلات التحرش والاغتصاب أحيانًا، وهو ما دفع عشرات الأسر إلى تبنى فكرة “التعليم المنزلى”، وقرروا عدم إلحاق أطفالهم بالمدارس وتعليمهم منزليًا بنفسهم.
ولهذا اقتربت “انفراد” من تجارب حقيقية لأسر بدأت رحلة “التعليم المنزلى” منذ سنوات، ولا تزال إلى الآن مستمرة فيها، منهم “دعاء مجدى” التى تؤكد أنها تعرفت على التعليم المنزلى من المواقع الأجنبية، وتقول إن الدافع الأساسى لاتخاذها قرار التعليم المنزلى لابنها “حمزة” ذى الثلاث سنوات، أنها لم تكن راضية أبداً عن الطريقة التى تعلمت بها، وترى أن للتعليم المدرسى الكثير من المساوئ التى يمكن تجنبها تماماً فى التعليم المنزلى.
وتؤكد “دعاء” أنها بدأت مع طفلها فى تنمية مهاراته من سن “6 أشهر” تقريباً، فتعرفت على منهج “منتسورى” التعليمى، الذى يجمع بين تنمية المهارات الشخصية وبين التعليم الأكاديمى، فقررت أن تجربه مع طفلها منزلياً، وذكرت كذلك أن مناهج التعليم المنزلى كثيرة كـ “كالفرت وأوك ميداو ووالدورف وريجيو إميليا”، كما أنها تقول إن بعض الأمهات يستخدمن مناهج الوزارة، لكنهن يقمن بتدريسها للطفل بطريقة أكثر إبداعاً ومتعة، وهناك من تدمج بين أكثر من منهج، ليحصلن فى النهاية على المنهج الذى يرضى طموحهن وأهدافهن فى تعليم أبنائهن، وهذا ما تريد هى اتباعه، كما أنها تؤكد أن المناهج تحتوى على خطة دراسية مفصلة، تتضمن الدرس و كيفية تقديمه للطفل والتطبيق عليه وتقييم الطفل، وبالنسبة للسن الصغيرة تقول إن الموضوع سهّل على الأم أن تقدم المعلومات بنفسها، لكن فى السن الأكبر من الممكن الاستعانة بشخص آخر يشرح الدروس أو الاستعانة بالدورات الأونلاين فيتعلم الطفل ذاتياً، وعن التحديات التى تُقابل كل أم فى رحلة التعليم المنزلى تقول دعاء مجدى إن اختيار الأم للمنهج الذى تسير عليه من التحديات التى تواجه الأم، خاصة إن كان لديها أكثر من طفل، أما أكبر تحد يواجه الأمهات، فهو الاعتراف بالتعليم المنزلى من الحكومات .. وتوفير آلية مناسبة لتقييم الأطفال واعتماد شهادات لهم تؤهلهم للالتحاق بالجامعات”.
ونفت تماماً أن يؤثر التعليم المنزلى بالسلب على المهارات الاجتماعية لابنها.
وتحكى “أم عبدالله” إحدى الأمهات التى خاضت التجربة أنها مرت بتجربة التعليم المنزلى على مراحل، فبدأت المرحلة الأولى عندما علمت بالفكرة من مجموعة أجانب، واكتشفت أنهم لا يرسلون أولادهم إلى المدرسة، جذب هذا الأمر انتباهها وذلك فى عام 2006، وبنهاية 2007 كانت قد بحثت عن ماهيته وألمت به، وقررت أن تخوض تجربته مع ابنها الأكبر، وتقول “بدأنا نتعلم فى البيت، ونلعب، ونعمل أنشطة .. وهو مستمتع جداً”، بعدها انضم إليهما ابنها الثانى، ثم اشتركت مع جارتها الأمريكية فى هذه التجربة، وقامتا بعمل مدرسة صغيرة لأبنائهما الأربعة وبذلك انتهت المرحلة الأولى.
ولكن كأى أم كانت أم عبدالله تخشى أن تتأثر الحياة الاجتماعية لأولادها سلباً بسبب عدم الاختلاط الكبير كما الحال فى التعليم المدرسى، لذا اتجهت للتعليم المدرسى، فقدمت لابنها الأكبر فى إحدى المدارس، لتبدأ معاناتها، فتحكى أنه فى اليوم الأول قال السائق لابنها عبدالله ليشجعه للذهاب للمدرسة: “فى حفلة كبيرة فى المدرسة النهارده” وذهب عبدالله إلى المدرسة ولم يجد أى حفلات، فاعتبر السائق كذاباً ولم يُصدقه فى أى شىء بعدها.
حوادث كثيرة تكررت معها جعلتها تكتفى من التعليم المدرسى، كحدوث حريق فى حافلة المدرسة، والتعامل غير التربوى من المدرسين، وبعض الألفاظ الخارجة التى اكتسبها ابنها من المدرسة، فقررت العودة للتعليم المنزلى مرة أخرى.
تجربة أخرى تحكيها لـ”انفراد” أم عبدالله، المقيمة حالياً فى السعوية، قائلة إن أولادها الآن منتسبون إلى نظام “أبناؤنا فى الخارج”، وهذا النظام يعتمد على الدراسة “مع نفسهم” طوال السنة، ثم يقومون بالامتحان فقط فى السفارة المصرية بالخارج، وعن المنهج الذى يدرسه أولادها تقول: “اخترنا المنهج المصرى لأنه النظام الأساسى اللى بيمتحنوا فيه.. الانجليزى والرياضيات بيدرسوا تبع برنامج أونلاين من جامعة ستانفورد اسمه “Gifted and talented”، ده الأساسى أما ما يختص بميول كل واحد .. فابنى الأوسط (10 سنوات) بيحب البرمجة وبالتالى بيدرس برمجة، الأكبر (11.5 سنة) بيحب التصوير والبزنس فبيدرس كورسات تناسبه، الصغير (5 سنوات ونصف) بيحاول يكتشف نفسه و حالياً نصور له تجارب علمية”.
من أجل تبادل الخبرات والحلول والمشكلات التى تواجههم فى تجربة التعليم المنزلى، دشنت الأسر التى تخوض التجربة مجموعة على فيسبوك تحمل اسم “التعليم المرن” الذى لم يكتف بكونه مكاناً يتبادل فيه أصحاب الأفكار والميول الواحدة التجارب، لكنه كذلك قام بتجهيز كتاب إلكترونى جماعى تحكى فيه بعض الأمهات المصريات والعربيات تجربتهن مع التعليم المنزلى، فيقدمن الخلاصة لمن يُريد أن يُقدم على التجربة، هذا الكتاب بعنوان “تجارب عربية خارجة عن المنظومة التقليدية”، ويقدم 6 تجارب لـ 6 أمهات، كان لكل واحدة منهن أسلوبها الذى اتخذته، ومنهجها الذى اتبعته.
وكان من ضمن هذه التجارب، قصة سمية محمد (أم عمر)، والتى تحكى أن هدفها الأساسى أن يتحول التعليم إلى متعة لابنها الصغير، لذا اعتمدت على الألعاب لإيصال أى معلومة إليه، رافعة شعار “لا قيود”، وتقول: “التعليم بالنسبة لنا أسلوب حياة .. يمكن أن يكون فى أى مكان وأى وقت” .
فى المقابل، لا يشجع الدكتور كمال مغيث، الباحث بالمركز القومى للبحوث التربوية، التعليم المنزلى، ويرى أن عيوبه أكبر من مميزاته، ويقول: الأصل فى التعليم أن يتم فى المدرسة وليس المنزل. مؤكداً ضرورة الذهاب للمدرسة لأنها تحقق بعض الأهداف التى لا يستطيع التعليم المنزلى تحقيقها، كفكرة المواطنة، كما أنه يؤكد أن التعليم المنزلى يؤثر سلباً على مهارات الاتصال المختلفة، “إزاى يصالح .. ازاى يشترك فى فريق عمل .. ازاى يكتشف مواهب متعددة .. وازاى يقدر يتكلم قدام عدد كبير من الناس”.
ويقول الدكتور جمال فرويز، أستاذ الطب النفسى بالأكاديمية الطبية إن هناك حالات نادرة قد يتعرض فيها الطفل الذى يكتفى بالتعليم فى المنزل ولا يذهب للمدرسة إلى الإصابة بالانطوائية، و”شبه الفصامية”، لكنه على الجانب الآخر يؤكد أنه إذا تعرض الطفل لأى حادث فى المدرسة كالحوادث الكثيرة التى نسمع يومياً عنها، كالتحرش، أو الاغتصاب، أو الضرب .. كل ذلك قد يؤدى إلى اكتئاب الطفل أو إصابته بالبكم، أو الاضطرابات الهستيرية، ويرى أن الخلاص الوحيد لكل ذلك هو إصلاح منظومة التعليم.