ارتفع العلم المصرى فوق المبنى بمدينة أسيوط الذى بدأت فيه فعاليات المؤتمر القبطى يوم 6 مارس– مثل هذا اليوم– وفقًا لطارق البشرى فى كتابه «المسلمون والأقباط فى إطار الجماعة الوطنية» عن «دار الشروق-القاهرة»، مضيفًا: «ابتدأ المؤتمر بعزف السلام الخديوى إلى غير ذلك من المظاهر، وأعلن رئيس الجلسة افتتاح المؤتمر قائلا: «باسم الله وفى ظل الحضرة الخديوية الفخيمة»، ثم تحدث مطران أسيوط طالبا إلى الله أن يبارك الحضور، وطالبا إلى المدعوين أن يحافظوا على أحسن العلائق مع بقية إخوانهم المصريين، ثم تكلم حبيب فهمى المحامى، وطالب الحضور بوصفهم أولياء الطائفة وأوصياءها ورؤساءها بألا يفرطوا فى ذرة من حقوقها».
هكذا بدأت وقائع المؤتمر القبطى الأول الذى يتم ضرب المثل به تاريخيًا كنموذج لمحاولات ضرب الوحدة الوطنية وإشعال الفتنة بين المسلمين والأقباط فى مصر التى كانت تحت سيطرة الاحتلال البريطانى وقتئذ، وبدأت الدعوة إليه قبل انعقاده بأكثر من عام، ووفقًا لـ«أحمد شفيق باشا» رئيس ديوان الخديو عباس حلمى الثانى، فى الجزء الثانى من مذكراته: «سمعنا بفكرة عقد مؤتمر قبطى، لبحث مطالب الأقباط وشكواهم قبل مقتل بطرس باشا غالى «رئيس الوزراء» يوم 20 فبراير 1910، وأخذ بعض أعيان الطائفة يعمل سرًا لعقد هذا المؤتمر، ويبث روح السخط بين الأقباط ويصور لهم أنهم مغبونون فى الوظائف والحقوق العامة، وكانت صحيفتا «الوطن» و«مصر» تنفخان فى هذه الروح»..يؤكد«شفيق»أنه قابل«غالى»، وتحدث معه فى أمر هذه الحركة وعواقبها الخطيرة، فطمأنه بأنه لاخوف منها، وأنه لايسمح باستفحالها، ولما حدث اغتياله زادت الحركة قوة وبدأ الكثيرون من الأقباط يزيدون على الكتابة فى الصحف القبطية».
وبالرغم من الجهود التى بذلت حتى لا يتم استثمار اغتيال«غالى»طائفيا وكان ابنه واصف باشا فى مقدمة الذين يبذلون الجهد لتطويق الأزمة،إلا أن الداعين للمؤتمر لم يتراجعوا،وحسب «شفيق باشا»:«تولى الدعوة إليه مطران أسيوط وجماعة من أعيان الوجه القبلى»،ويقول «البشرى»:«إن أخنوخ فانوس كان من أهم زعماء هذه الدعوة وبشرى حنا، كما أن أهم عائلتين من عائلات كبار الملاك شاركا كبراءها فى المؤتمر هما عائلتا «خياط» و«ويصا».. وهما عائلتان خضعتا لنفوذ المبشرين الأجانب وصارتا بروتستانتيين، ومن أغنى أصحاب الأراضى فى الصعيد، وكان جورج بك ويصا هو رئيس اللجنة الدائمة للمؤتمر.. يذكر «البشرى» أنه بعد أن وافقت الحكومة على المؤتمر، اعترضت على عقده أسيوط بدعوى الخشية من حدوث قلاقل هناك بسبب توتر الشعور العام توترًا يصعب السيطرة عليه فى غير القاهرة، لكن الداعون تمسكوا بأسيوط وهددوا بالاستعانة بالحكومات الأجنبية.
ويؤكد البشرى على أن بطريرك الأقباط الأنبا كيرلس الخامس أظهر شيئًا من النفور نحو هذه الدعوة، وأبدى التخوف منها والحذر، وأصدر بيانًا ذكر فيه أنه إذا كان يسره اجتماع كلمة أبنائه على ما فيه خير الجميع إلا أن دعوة الجمع الغفير من أبناء الطائفة للاجتماع فى مثل مدينة أسيوط ربما يسبب قلق الخواطر»، كما رفضه الحزب الوطنى بزعامة محمد فريد عقد المؤتمر، وحزب الأمة بزعامة أحمد لطفى السيد، مما انعكس هذا الغضب على وقائعه، فالمشاركون حرصوا على تأكيد الانتماء الكامل للوحدة الوطنية بغير إثارة شك، وبالرغم من إظهار جورست المعتمد البريطانى فى مصر اعتراضه، كما أظهر شيئًا من الجفاء تجاه الداعين إليه، إلا أن الموضوع أثير بمجلس العموم البريطانى من خلال أسئلة وجهها الأعضاء إلى وزير الخارجية، كما أن الصحف الإنجليزية فى مصر أخذت على عاتقها الدعوة لعقد المؤتمر، وحاصل كل ذلك أن موقف «المعتمد» لم يكن يمثل حقيقة الموقف البريطانى، فالأدوار كانت موزعة بين مؤيد لعقد المؤتمر ومعارض له.
يذكر «شفيق باشا» أن توفيق دوس بك،ومرقس حنا أفندى،وأخنوخ فانوس المحامى خطبوا فيه، وتلخصت مطالب المؤتمر فى طلب العطلة يوم الأحد بجانب الجمعة، وأن تكون القاعدة للتوظف هى الكفاءة وحدها، ووضع نظام لمجالس المديريات يكفل للأقباط تمتعهم بالتعليم حتى لايقتصر التعليم على الدين الإسلامى وحده،ووضع نظام يكفل تمثيل كل عنصر مصرى فى المجالس النيابية،وفيما يرى«شفيق»أن المؤتمر أحدث ثغرة فى الأمة وتنافرًا بين العنصريين،مما أدى إلى الرد عليه بعقد «المؤتمر المصرى» يوم 29 أبريل 1911،يرى «البشرى» أنه رغم ما يوحى به عقد مؤتمر قبطى لصدع الجامعة الوطنية،إلا أن المناقشة الجادة لكل المسائل التى عرضت أدت إلى الوصول إلى أن حل المشكلة لا يكون فى التمييز وإنما فى مزيد من الاندماج.